Tuesday 14th September, 1999 G No. 9847جريدة الجزيرة الثلاثاء 4 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9847


قصة قصيرة
غداً زواج ابن جارنا

كان من عاداتنا نحن المدرسين ان نجلس وقت فراغنا في غرفة المدرسين نتجاذب أطراف الحديث ونتناقش في مشاكلنا التربوية ومشاكل طلبتنا وأحيانا نقوم بتصحيح واجبات طلبتنا فمدارس المدينة تزدحم فصولها بأعداد كبيرة من الطلبة وذات يوم صيفي قائظ بدد صمتي صديقي أبو ياسر وأنا قابر نفسي بين أكوام الدفاتر التي تقف طابورا أمامي في انتظار التصحيح وقال: اليوم نلتقي سويا في بيت جارك فمنذ اسبوع او اسبوعين قام بتوزيع رقاع دعوة زواج ابنه , فرفعت رأسي مستغربا ما سمعت وعدلت من جلستي ومسحت العرق من ناصيتي ورفعت النظارة الطبية من عيني, ثم رددت في الحال: وهل أنت متأكد من قولك, لو كان ما تقول صحيحا لكنت أول المدعوين, فأكد مقولته ثانية وثالثة فصدقته، وتركته ونظرت الى تلك الساعة المسمورة على الحائط وأسندت رأسي إلى كومة تلك الدفاتر, وخلوت بنفسي/ لا أذكر أبدا في يوم من الايام انني تخاصمت مع جاري ولا أذكر في يوم من الايام أني أسأت إلى جاري, لم انهر له طفلا ولم أزجر اليه طيرا, بيتي يستند الى جدار بيته وسقف بيته يتكىء على سقف بيتي وقبل هذا وذاك ديننا الإسلامي أحق ان يتبع فقد اوصانا بالجار وكرر, ولي عليه من الحقوق حق الجار وحق الجوار, مني السلام لقريتنا التي تركتها منذ خمس سنوات, كنا نتشاور عندما نزوج بناتنا نحن الجيران, كنا نتشاور نحن الجيران عندما نزوج أولادنا, نساؤنا جميعا ليلة الفرح يشمرن عن سواعدهن لإعداد الطعام,, رجالنا جميعا يقومون باستقبال الضيوف, كلنا جميعا أهل الزوجة وكلنا جميعا أهل الزوج فوالهفي على تلك الايام الخوالي ثم يالهفي، أمنيتي ان تعودي ولن تعودي يا سعادتي وما نيل المطالب بالتمني, ذهبت الى فصلي وكأنني أحمل على ظهري هموم العالم الإسلامي بأسره فالمسالة ليست زواجاً ودعوة,, المسألة جار عندنا صار يفقد حقوقه المشروعة له شرعا.
مضت الحصة واعقبتها أختها ثم أنقلب الى بيتي بعدها عند تمام الساعة الواحدة ظهرا تقريبا دخلت بيتي وقدمت زوجتي طعام الغداء وعلى غير العادة لم أحس له طعما ولا إليه تميل نفسي علما بان عصافير الجوع كانت تنقر في معدتي الخاوية, أحس ان مسامير القلق تخترق هامتي وأنياب الاستغراب تقطع جسمي الهزيل إربا إربا, قيلولتي التي اعتدت عليها منذ خمسين عاما هربت من جمجمة رأسي خائفة فزعة قلقة,, قضيت ذلك اليوم كالعادة في تدبير شؤون اولادي وبيتي, وفي المساء عدت الى البيت شد انتباهي أكثر واقلقني أكثر عندما رأيت الناس رجالا ونساءً يرفلون بثياب الفرح, وبيت جاري تحيط به العقود الكهربائية ذات المصابيح الكبيرة إحاطة السوار بالمعصم, والسيارات ملأت الشوارع والسكك من كل حدب وصوب حتى باب بيتي قد اختفت معالمه من السيارات, أصوات الدفوف علت اسوار بيتي, ذهبت الى المسجد فصليت العشاء,, دخلت مع الباب الذي يدخل منه جاري وخرجت من الباب الذي يخرج منه جاري علّ ان يكون ناسيا فيذكرني عندما يراني وعفا الله عما سلف.
فرآني ولم يحرك ساكنا وكأني غريب الديار وغريب الجار,, عدت الى بيتي فوجدت زوجتي تتقمص شخصية المغاتير وأمرتها ان تأخذ الأطفال معها حتى لا تغتال براءة الأطفال, اما أنا فلا أزال في حيرة من أمري مع نفسي اللوامة بين حسن ظن وإساءة ظن, ربما نسيني عنوة وربما نسيني ناسيا, ربما أرسل دعوة فلم تصلني, فصرت مع هذه النفس كأننا في حلبة مصارعة، مرة تصرعني ومرة أصرعها وفي النهاية استعنت عليها بقوة الصبر واستعنت بحسن الظن على سوء الظن وعزمت على الذهاب الى بيت جاري ولكن يجب الا أذهب فارغ اليدين، فأطلقت ساقي للريح طالبا سيارات الأجرة فسيارتي خطواتها قريبة ثم توجهت الى السوق اسابق الريح المرسلة حتى لا ينفض الفرح قبل مجيئي فأندم بقية عمري كله,, وصلت السوق ونظرت الىمعروضات السوق فهذه تصلح، وهذه لا تصلح، هذه تليق وهذه لا تليق.
في بداية الأمر وقفت محتارا في اختيار الهدية المناسبة ولأغتنم الوقت اخترت تلك الساعة الجميلة الثمينة, والوقت لا تزال جيوشه تطاردني وحتى تكتمل الفرحة وكعادة أهل المدن عزمت على ان اكتب عليها عبارات الإهداء ومعها اسم المهدى إليه.
فتلفتّ يمينا وشمالا علّي أن أجد الخطاط الماهر الذي يُبَنِطُ وجهي ولحسن الحظ وجدته في آخر السوق فتقدمت اليه مسرعا لأغتنم الوقت ومن حسن الحظ أني كنت الوحيد الذي يقف أمام مكتبه ففرحت وازددت سرورا، ناولته تلك الساعة وطلبت منه أن يضاعف جهده ويسرع في الكتابة - كتابة الاسم والاهداء - اخذها مشكورا على عجل ودخل بها غرفة معمله, ودقائق وجاء بها يتمطى ففرحت وقدمت له الشكر، مددت يدا تستلمها وأخرى أرسلتها الى جيبي لتحضر له اجرته, سحبها مني وقال: عفوا ما اسم جارك واسم ابنه؟ يبس حلقي ولم استطع أن أقول شيئا وتلعثمت وانهزمت أمامه جيوش لغتي, فأنا لم أعرف اسم جاري,, فندمت على فعلتي وقررت ان أزور جاري قبل ان يزورني وأن أتعرف عليه قبل ان يعرفني ولا يهمني عادات أهل المدن.
عبدالرحمن سلمان الدهمش
الدلم
الصديق عبدالرحمن الدهمش تناول في قصته ظاهرة اجتماعية جديرة بالتوقف وعالجها بطريقة جيدة اذ عمد الى الامساك بطرف الخيط وتتبعه في اسلوب سردي جميل طارحا السلبيات والإيجابيات ثم اوعز بالحل في نهاية القصة بعد ان فرغ من التحليل الموضوعي للحدث المبني على حق الجار تجاه جاره.
تدل القصة كذلك على حس إنساني رفيع في التعامل مع الآخرين من خلال التطرق الى الهوة التي بدأت تتنامى بين المجتمعات الصغيرة ايا كانت هذه المجتمعات فقد تكون حياً او مبنى كبيراً يضم عدداً من السكان او قرية,, فندمت على فعلتي وقررت ان ازور جاري قبل ان يزورني وان اتعرف عليه قبل ان يعرفني ولا يهمني عادات أهل المدن .
هذه الفقرة الختامية للقصة يكمن الخلل فيها في ان المضمون مرتبك وغير متماسك مع سياق القصة، فكيف قررت ان تزور وانت في الأساس متواجد في السوق لانك قررت ذلك سلفا.
قصتك على جمال المعنى الإنساني والاجتماعي فيها من حيث الفكرة فهي ايضا تتميز بالاسترسال الجيد كونها لحظة انفعالية لموقف او حادثة اجتماعية,, ردة الفعل كانت هي محور القصة وانتهت بشكل إيجابي يحقق الهدف منها.
الصديق عبدالرحمن,, تمتلك القدرة على الدخول الى عالم القصة القصيرة فابحث بشكل اكبر وأعمق عن كل ما بوسعه نقلك الى هذا العالم الجميل,.
اهلا بك صديقا دائما للصفحة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved