Tuesday 14th September, 1999 G No. 9847جريدة الجزيرة الثلاثاء 4 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9847


مقال
الأثر الأدبي والجمهور

ان اي أديب، عندما يكتب يستحضر في وجدانه جمهورا ما ولو لم يكن إلا هو نفسه فإن اي شيء لا يعتبر معبرا عنه ان لم يوجه الى احد: وهذا معنى النشر كما رأينا, غير اننا يمكن ان نؤكد ان شيئا ما لا يمكن ان يقال لأحد (أعني ان ينشر) إلا إذا قيل أولا من أجل احد, وليس من المحتم ان يكون هذا الاحد هو نفسه ذاك بل من النادر ان يتوافقا, وبعبارة اخرى فان وجود جمهور مخاطَب (بفتح الطاء) مفروض في اصول عملية الخلق الأدبي, ويمكن ان يوجد فروقات كبيرة جدا بين هذا الجمهور وبين الجمهور الذي يوجه اليه النشر.
فصموئيل بيبس الذي ما كان يكتب في يومياته إلا لنفسه (تشهد بذلك احتياطاته الاختزالية والمرموزة) كان بالتالي محاور نفسه، قد توجه انتاجه بعد موته الى جمهور كبير بفضل الناشرين (بالمعنى السامي للكلمة) الذين عمموا آثاره, وعلى العكس فان الروائي الصيني لوسين الذين كان ينشر قصصه من سنة 1918 الى 1936 في منتقيات او في مجلات توجه الى حلقه ضيقة من المثقفين او المناضلين، كان يكتب لعشرات الملايين من الصينيين (الذين توصلوا أخيرا الى سماعه).
قد يقتصر الجمهور المحاور على شخص واحد اي على فرد, كم من الآثار العالمية لم تكن في منطلقها سوى وسائل شخصية, ويكتشف النقد العلمي من حين الى آخر هذه الرسالة ومن توجه اليه ويعتقد انه قد شرح كل ما يتعلق بالآثار, وفي الواقع فإن ما يجب ان يشرح هو كيفية محافظة الرسالة على فعاليتها مع تغير من توجه اليه (واحيانا مع تبدل معناها), فعلى هذه الفعالية المستمرة يرتكز الفرق بين أثر أدبي واية وثيقة أخرى, ولا ننسى ان المعيار الذي نعتمده لنميز بين ما هو أدبي وما ليس بأدبي انما هو اهليته للاتكسبية, والحال ان الأديب المبدع يباشر (في الخيال او في الواقع) مع جمهوره المحاور (وان يكن هذا الجمهور احيانا هو نفسه) حوارا ليس دائما مجانيا، حوارا يسعى لأن يؤثر، ان يقنع او يعلم او يعزي او يحرر او حتى ان يبعث اليأس, إلا انه حوار ذو غاية, ويكون الأثر عملياً عندما يلتقي الجمهور المحاور والجمهور الذي يوجه اليه الأثر بواسطة النشر, وعلى العكس فان أثرا أدبيا يدخل القارىء المغفل في الحوار وكأنه غريب, فالقارىء غريب عن الجو ويعرف ذلك وهو ككائن لا يرى ويرى كل شيء ويسمع كل شيء ويحس ويفهم كل شيء دون ان يكون موجودا في الواقع ضمن حوار لا يشترك فيه, فاللذة التي يستثمر رجعها حتى يستسلم الى المشاعر والأفكار والأسلوب هي لذة مجانية لانها لا تلزمه, فكل لذة جمالية وبالتالي كل تبادل أدبي قد يصبح مستحيلا اذا فقد الجمهور ضمانة الاغفال ومسافة يتيحان له ان يشارك دون ان يلتزم (بينما الكاتب لا محالة ملتزم) لقد تضمنت ملاحظة احد العمال ممن سمعوا تمجيد السينما الايطالية الواقعية حقيقة مرة وعميقة, قال: لا شك ان هذا الرجل لا يتعب ابدا في الحياة اذ يعتبر التعب مشهدا .
هنا تكمن في الواقع كل مأساة الأدب الثقافي أمام الحقيقة الشعبية, ان تدخل الجمهور المثقف في حوار المؤلف المبدع ليس بممكن إلا لانه موجود في الساحة بينما الجمهور الشعبي باق خارجا عنها وعليه ان يكتفي بكلمات الحوار.
ان دور الجمهور النظري الذي يوجه اليه ناشر الادب المثقف الاثر الأدبي لا يقتصر على هذه المشاركة دون التزام يوقظ الأثر على قيمته الأدبية, ان هذا الجمهور يؤلف ايضا وسطا اجتماعيا ينتسب اليه الكاتب وهو يفرض على الكاتب بعض الحدود.
ترجمة/ آمال انطوان
*المرجع/ سوسيولوجيا الأدب/ روبيرا سكاربيت

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved