Wednesday 15th September, 1999 G No. 9848جريدة الجزيرة الاربعاء 5 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9848


عندما تشطح الأقلام!!
عبدالعزيز محمد النقيدان

منذ أن تفتحت اعيننا على حب القراءة يطفو على السطح بين حين وآخر ما أسن من فكر, او فحش من قول او خلا من هدف, بل إن الاضرار المترتبة على خوض هاتيك الموضوعات اكثر من الفوائد، ولعل ذلك راجع الى الغضب وعدم ضبط النفس والتشفي من الخصوم، ولكن هذا التشفي جاء على حساب العلم والفضيلة وجلال السلوك, يقول عنترة العبسي:
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولاينال العلى من طبعه الغضب
فالغضب هتاف شيطاني، يجعل الانسان مندفعاً وراء معركة محاطة بالغبار، لايعلم من المنتصر ومن الخاسر.
التراشق بين عالِم وعالم واديب وآخر وشاعر وآخر دونته الكتب والمجلات ورصده جيل وتلقفته اجيال، قد يكون في بعضه الطريف ولكن هذا الطريف اشواك حول وردة ذابلة, يتفجر الصراع بعباراته المؤسفة في خطأ لغوي أو رصد تاريخي، او زلل نحوي، بل بين مبادىء غرقت في المعاصرة الى ام اذنيها، او في الاصالة الى أم رأسها,ونتيجة ذلك التطامن المرير,, وسحب المعرفة وتجهيل الخصم بأبسط قواعد الثقافة هناك شطحات للاقلام، وعتها القلوب، وابصرتها الاعين عبر قصاصات الصحف منذ ما يقرب من اربعين عاماً, اشبه بحلبة المصارعة والقراء يصفقون ماذا جنينا منها، لقد تركت بصمات من تسرع الكاتب وشماتة الاعداء وطعن المعرفة في قلبها النازف,, وليتها في اسلوبها وفكرتها وهدفها كانت مثار الاهتمام ومنتهى الفصاحة والتعقل والحفول بالموضوعية:
ولو أني بليت بهاشمي
خئولته بنو عبدالمدان
لهان علي ما القى ولكن
تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
لقد كان هذا الصراع بعيداً عن روح العلم، وصدق التجربة وجمال الروية,, لنترك الكتب المؤلفة في مجال النقد والتجريح فهي نائمة على ارفف الكتب بما فيها من غث او سمين، ولنستعرض شيئاً من وريقات الصحف الطائرة - عبر الذاكرة- (العقاد) رحمه الله صاحب القلم السيال والمؤلفات العديدة علم في موضوعيته وثرائه واثرائه, حين عمل في احد المجلات الهابطة مصححاً يبحث عن لقمة العيش تصدى له احد الشعراء بما غلظ من القول وتردى في اتون الفحش في قصيدة منها:
إن يسألوك عن العقاد قل لهمُ
موظف في رحاب المومس الجنب
اي اسلوب هذا يوجه الى استاذ العربية وزعيم الفكر العربي والاسلامي, وعلى السفود نشم رائحة الشواء حين ينظم شاعر لبناني اول قصائده وينشرها يتصدى له مارون عبود ليقول إن حظ هذا الشاعر من الموهبة حظ ابليس من الجنة , وفي موطن آخر يوجه نقده الى أحد مؤلفي الأدب إن كتابه لو جلب في سوق النقد لايساوي قرشاً مثقوباً , هذه أحكام ومواقف خارج حدودنا وصحفنا, وبقيت تسم الكاتب بالتسرع والارتجالية وعدم احترام الزمالة والكمال لله وحده.
اما في صعيدنا المحلي فلم تكن المواقف اسجح خلقاً وألين أريكة، بل كانت شنشنة أشبه بوميض النار تهدأ حينا وتستعر احياناً, ففي احدى مجلاتنا الشهرية أخذ حرف الجيم من (جدة) زمناً هل هي بالضم ام بالفتح ام بالكسر وعاشت الاقلام وسط مرجل يغلي بالحقد قبل البحث عن وجه العلم وتكريس الحقيقة, ومثلها الف جازان وكأن الكاتب أشرع نباله وأراش سهامه قبل ان يخلص الى حقيقة يقررها العلم ويؤيدها البرهان:
جاء شقيق عارضاً رمحه
ان بني عمك فيهم رماح
وفي جُدة بضم الجيم خوفاً من أن يشتعل الأوار من جديد، تصدر مجلة الرائد -قبل عهد المؤسسات- ورئيس تحريرها استاذنا عبدالفتاح ابو مدين امد الله في عمره تتجدد المناوشات بين فينة واخرى، تنشر شاعرة سعودية اول قصائدها ويهلل المتابعون للساحة ويكبرون ويجري التصادم بين اديب كبير رحمه الله وبين معلم وناقد كبير رحمه الله ايضا, وتثور الثائرة عند خطأ من الشاعرة في النحو حيث حذفت النون من فعل من الافعال الخمسة بلا ناصب ولاجازم وقال المدافع عن الشاعرة بأنه يسوغ ذلك في سياق الشعر وجاء في رد المربي والمعلم إنني اعزو دفاعك عن المرأة لسببين، اما السبب الاول فأنزهك عنه، وأما الثاني فهو الاندفاع وراء المرأة وتشجيعها ولكن ليس بهذه الطريقة تورد الإبل يا سعد , وعلى صفحات الرائد ايضاً ينتقد احد الكتاب بيتاً من الشعر وصمه بالانكسار ويتصدى له ابو تراب معلنا افلاس الكاتب وأنه لايفقه في امور الشعر شيئاً وهو طالب في مقاعد الدراسة, ثم انبرى أحد الباحثين في علم العروض مندداً ب(أبي تراب) قائلاً: (كشف النقاب عن اوهام أبي تراب) وأيد موطن الانكسار مبرهناً بأسلوب الباحث مستشهداً بالادوات العروضية اللازمة.
ويدافع ابو تراب عن نفسه قائلاً (هبهبة الهبهاب في الرد على كشف النقاب)ويشرح الهبهبة بأنها صوت التيس اذا اقترب من أنثاه ثم ينهال على جسم خصمه بنبال لاهوادة فيها.
وما يجري في محيطنا اليوم من همز ولمز بين كاتب وآخر يعد خروجاً عن قاعدة التروي وتقديم البراهين المعرفية لذات المعرفة,, لأننا لانكتب لانفسنا وانما ندوّن للاجيال خلاصة التجربة وجمال المبدأ وسمو الهدف, نعم ليست وجهات النظر متطابقة في جميع القضايا العلمية والادبية, وانما الأهم أن تكون ادوات التبرير ذات منطق ينم عن غزارة العلم وكمال القصد ونشر الفائدة العامة، ثم ان خلق المسلم يجب ان يكون في منأى عن الخنا في اللفظ وتعمد جرح المشاعر لأن الهدف من البحث فائدة المتلقين من خصوم وقراء ومتابعين ومن الله نستمد العون.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
عزيزتي
ملحق ريـاض الخبراء
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved