Wednesday 15th September, 1999 G No. 9848جريدة الجزيرة الاربعاء 5 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9848


شراكة غير متكافئة
سعود عبدالعزيز اليمني *

تتسابق الدول على تشكيل تجمعات اقتصادية ضاغطة تضمن من خلالها البقاء في ظل التطورات الاقتصادية العالمية المتلاحقة التي تنبىء بصعوبة بقاء الدول منفردة في سوق عالمية خالية من الحواجز الضريبية ويتحكم بها اقتصاد السوق وحده.
وتعمل الدول الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة على استقطاب بعض الدول النامية إلى حظيرتها متخذة غطاءً جغرافيا لذلك اسمته (الشراكة الأوروبية مع الدول المطلة على جنوب البحر الأبيض المتوسط) والذي توجه إلى الدول العربية المطلة على هذا البحر بشكل خاص ولولعنا الدائم بالهرولة فقد بدأت بالفعل عدد من الدول العربية في مفاوضات هذه الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي.
ولا يغيب على الذهن أن هذا المشروع الأوروبي يأتي في أعقاب تعثر محاولات أطراف عديدة في الجامعة العربية إنشاء سوق عربية مشتركة بسبب عقد اتفاقيات ثنائية بقيت حبرا على ورق ولم ينفذ منها إلا النزر اليسير على سبيل المجاملات العربية.
وعلى الرغم من ذلك فالحلم بتحقيق إقامة سوق عربية مشتركة لا يزال قائما خاصة بعد أن بدأت الكثير من تلك الدول تغييرا في أنظمتها الاقتصادية وتتحول تدريجيا إلى اقتصاد السوق تمشيا مع التطورات والمستجدات العالمية، وستجد هذه الدول أن الحاجة إلى تجمع اقتصادي ضاغط ومؤثر لم يعد خيارا، بل ضرورة من ضرورات بقاء الدول,, وتلحظ مع مرور الوقت الذي آمل ألا يكون طويلا لدى أهمية قيام هذا التجمع الضروري في هذه المرحلة بالذات التي تتسم بتسارع الأحداث وتطورها ضمن منظومة الاقتصاد العالمي.
ولعل مشروع الشراكة الذي تطرحه أوروبا وبالتحديد الدول المطلة منها على البحر الأبيض المتوسط الذي يعد من أخطر المشاريع الاقتصادية البديلة للسوق العربية المشتركة سيسعى إلى استباق الأحداث وتقويض إقامة مثل هذا التجمع، وقد حدث هذا بالفعل حيث بدأت فرنسا في إجراء مفاوضات الانضمام مع بعض الدول العربية المطلة عليه، وقد قطعت شوطا كبيرا في تحقيق ذلك مع كل من المغرب وتونس، وبدأت مفاوضاتها مع مصر في حين تم وضع كل من سوريا ولبنان على قائمة الانتظار حتى الانتهاء من عملية السلام مع إسرائيل وما تسفر عنه من تطبييع سياسي واقتصادي معها، في حين استثنت المجموعة الأوروبية ليبيا من هذا المشروع رغم أنها تطل على البحر بمساحة تزيد على ألف كيلو متر حتى الانتهاء من التحقيقات في قضية (لوكيربي).
فالمشروع كما ذكرت قد طرحته أوروبا لغرض احتواء هذه الدول وجرها إلى تحالفات بدعوى اتفاقات الشراكة لدعم موقف أوروبا الاقتصادي أمام تحالفات أمريكا الشمالية من جهة واليابان من جهة اخرى، ويأتي بديلا وعلى أنقاض مشاريع عربية لم يكتب لها النجاح نظرا لولادتها في ظروف غير طبيعية بدءا من الثورة العربية الكبرى، ومرورا بالتجربة الناصرية، وانتهاء بأحزاب البعث العربية.
وهذه الشراكة أيضا في حين تستثني بعض الدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، إلا أنها تضم دولا أوروبية غير مطلة على هذا البحر مثل ألمانيا والبرتغال، ولكن الأوربيون باتوا يفاوضون وكانهم كيان واحد ذو لغة واحدة ومصير مشترك، بينما تفاوض الدول العربية وكأنها أمم مبعثرة، قيدتها الإقليمية وغزتها العصبية الجاهلية، وجمعها التناحر المشترك.
لا أتوقع لهذه الشراكة (إن تمت) النجاح، فلن تستطيع الدول العربية الصمود طويلا أمام الشروط الأوروبية التي في حقيقتها شكل من أشكال الاحتواء، وتكريس للهيمنة الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية,, وإلا بماذا نفسر قيام فرنسا وهي تفاوض المغرب في إجراءات الدخول في هذه الشراكة بمناقشة الحجاب وكيف انه يتعارض مع التنمية حسب رأيها، ثم تعرج على تعدد الزوجات وأثره على الإنسان حتى خيل إلينا أن طريقة تقديم الشاي الأخضر التقليدية لن تكون بمعزل عن هذه المناقشة.
*رئيس قسم الإعلام بغرفة الرياض .

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
عزيزتي
ملحق ريـاض الخبراء
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved