Monday 20th September, 1999 G No. 9853جريدة الجزيرة الأثنين 10 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9853


المجلس الاقتصادي الأعلى في مواجهة همومنا الاقتصادية
الدكتور مفرج بن سعد الحقباني *

في يوم السبت الموافق 17/5/1420ه صدر الأمر الملكي الكريم بتنظيم وتشكيل المجلس الاقتصادي الأعلى ولجنته الدائمة.
ولقد كان هذا الحدث الاقتصادي من أهم الأحداث التي استقطبت اهتمام المختصين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية خاصة وأن اقتصادنا الوطني يمر في هذه الأيام بتغيرات هيكلية ربما تتغير معها الأولويات وتتبدل معها الأهداف والاستراتيجيات, ومما لا شك فيه فإن الاقتصاديين في هذا البلد يعلقون على هذا المجلس آمالا كبيرة لعله يكون المحرك والموجه لسياساتنا الاقتصادية التي ظلت فترة من الزمن رهينة الفكر الاقتصادي المرتبط بفترة الطفرة أو الوفرة الاقتصادية التي عايشناها خلال فترة السبعينيات.
وتزداد هذه الآمال قوة إذا أخذ في الاعتبار تشكيل المجلس الذي يضم في عضويته أقوى وأهم القيادات ذات العلاقة بالشؤون الاقتصادية مما يعطي للمواطن الانطباع القوي بقدرة هذا المجلس على تجاوز العقبات وعلى تحقيق الأهداف المنشودة.
ولعلي من خلال الأسطر القادمة استبق الأحداث في طرح بعض الأفكار التي أرى بأن المجلس سيكون سباقا لتناولها ومناقشتها, ومن هذه الأفكار أو المحاور ما يلي:
1- تحديد ورسم استراتيجية اقتصادية طويلة الأجل مبنية على أهداف وطنية معلومة المعالم, وفي هذا الخصوص اعتقد أن المهتمين بالشؤون الاقتصادية يلاحظون عدم الوضوح في استراتيجياتنا الاقتصادية المستقبلية حيث يصعب على المختص في الوقت الحاضر تحديد الوجهة المستقبلية لاقتصادنا الوطني, وهنا أعتقد بأن المجلس بما يمتلكه من قدرات إدارية وخبرات علمية متخصصة قادر على تحديد الإطار العام والخاص لاقتصادنا الوطني وقادر على تحديد ماذا نريد أن نكون في المستقبل.
يستطيع المجلس بهيئته الاستشارية المتخصصة تحديد المزايا النسبية التي يتمتع بها اقتصادنا الوطني ويستطيع تبعا لذلك تحديد مجالات اهتمامنا ومواطن قوتنا الاقتصادية خاصة في ظل عولمة الاقتصاد العالمي وازدياد حدة المنافسة على الأسواق المحلية والأجنبية.
2- يعاني الاقتصاد السعودي في الوقت الحاضر من الغياب شبه الكامل للإحصاءات العامة والخاصة مما يعني صعوبة إجراء الدراسات العلمية المتخصصة وبالتالي تعطيل القدرات والكفاءات العلمية التي أنفق على تأهيلها الكثير من المال العام, وهنا أعتقد أن من الأولويات التي لن تغيب عن المسؤولين والمختصين في المجلس ضرورة العمل على تكوين قاعدة معلومات مركزية يستطيع الباحثون من خلالها الحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة بعيدا عن البيروقراطية الإدارية التي تعيق البحث وتعطل جهد الباحثين, أعتقد أن الشفافية التي أضحت سمة من سمات التعامل الدولي تملي علينا الجدية والدقة في طرح إحصاءاتنا الاقتصادية بكل تفصيل بعيدا عن الأرقام الإجمالية المضللة التي كانت ولا تزال ملازمة لتقاريرنا الرسمية, وفي هذا الخصوص اعتقد أن المجلس يمتلك القدرة الإدارية والآلية اللازمة لتحقيق القفزة المعلوماتية والإحصائية المناسبة لكونه يضم في عضويته جميع الوزراء أصحاب العلاقة بالمتغيرات الاقتصادية الرئيسة.
3- ما زال الاقتصاد السعودي يعاني من الغياب الكبير للأنظمة الاقتصادية المناسبة التي تتميز بالديناميكية اللازمة لمواكبة التغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية مما يلقي بالمسؤولية على المجلس الاقتصادي الأعلى لإعادة صياغة أنظمتنا الاقتصادية وبالشكل الذي يقضي على التناقض ويحقق التكامل بين الاختصاصات المختلفة للوزارات المختلفة, يجب أن تكون أنظمتنا الاقتصادية واضحة اللفظ والمعنى تخدم أهدافا وطنية محددة حتى يقتصر دور الوزارات المعنية على التنفيذ المقنن مسبقا.
إن غياب النظام الذي يحدد الأهداف العامة للاقتصاد الوطني يترك الفرصة للاجتهادات الفردية ويشتت الجهود ويضاعف من أعباء الموازنة العامة خاصة بعد انحسار الطفرة الاقتصادية وارتفاع تكلفة تصحيح الخطأ.
4- تدخل المملكة العربية السعودية في هذه الأيام مرحلة حرجة من المفاوضات الفردية والجماعية من أجل تحقيق الانضمام الكامل لمنظمة التجارة العالمية, ومما لا شك فيه فإن الانضمام لهذه المنظمة العالمية التي تضم في عضويتها جميع الدول ذات النفوذ الاقتصادي على الساحة العالمية يعتبر مطلبا استراتيجيا يجب العمل على تحقيقه.
وفي هذا الخصوص أرى بأن من الأهمية بمكان أن يضطلع المجلس بدراسة تأثير انضمام المملكة على قطاعاتنا الاقتصادية المختلفة حتى يستطيع توجيه الوزارات والجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة للحد من المؤثرات السلبية التي سيخلفها الانضمام للمنظمة الدولية, كما أرى بأن من الأهمية بمكان معرفة الأسباب التي أجلت انضمام المملكة إلى هذا الوقت خاصة ونحن نعلم بأن هناك العديد من الدول التي تصغرنا حجما وتأثيرا سواء في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي.
إن معرفة هذه الأسباب تساعد وبشكل قاطع في علاج الواقع الذي يحتاج لجراحة تجميلية ربما تكون معقدة وصعبة ما لم يلق المجلس بثقله الإداري الكامل لإنجاحها وبأقل تكلفة ممكنة.
5- يعاني سوق العمل السعودي من عشوائية كبيرة أدت إلى بروز العديد من الظواهر الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والفكرية والسياسية التي زادت من معاناة صانع القرار والمواطن على حد سواء, لعله لا يخفى على الجميع الحالة الغريبة التي نعايشها في الوقت الحاضر نتيجة لعدم وجود سياسة عمالية واضحة تحفظ للمواطن حقه المشروع بالحصول على فرصة عمل مناسبة على أرضه الطاهرة.
المجلس الاقتصادي الأعلى مدعو لمساعدة مجلس القوى العاملة في صياغة نظام عمالي وسياسات عمالية متكاملة تستهدف تنمية القوى البشرية الوطنية وتوظيفها في المجالات العامة والخاصة بعيدا عن المنافسة الشرسة التي فرضت عنوة من قبل العمالة الأجنبية.
لقد أدت غالبية العمالة الأجنبية مشكورة دورها وآن الأوان لنقول لها وداعا إلى الأبد حتى نستطيع مواجهة معدلات النمو السكانية المرتفعة وحتى نحفظ للأجيال القادمة شيئا من مكاسبنا الاقتصادية التي ساهمت طفرتنا الاقتصادية في تحقيقها.
6- يعاني الاقتصاد السعودي من غياب شبه كامل في الأنظمة والتنظيمات المتعلقة بحماية البيئة مما زاد من حالات التلوث بأشكاله المختلفة, ونعلم كاقتصاديين أن المستثمر لا يأخذ في الاعتبار التكلفة البيئية عند حسابه لتكلفة مشروعه الاستثماري ما لم تتدخل السلطات المعنية وتحدد رسما مقابل ما يسببه المشروع من آثار سلبية على البيئة، كما نعلم بأن فرض هذا الرسم يواجه صعوبات تطبيقية وتنفيذية بالغة لصعوبة تقدير الأثر الكلي والحدي للمشاريع الاستثمارية، لكن يمكن الاستعانة بتجارب الدول المتقدمة التي استطاعت أن تنقل الاهتمام بالبيئة إلى مقدمة الأولويات عند التصريح للمشاريع الاستثمارية, وعليه فإنني اعتقد أن المجلس الاقتصادي سيولي هذه القضية اهتماما بالغا لعله يستطيع أن يحدد المعايير والمقاييس البيئية المناسبة التي تحافظ على أجوائنا ومياهنا وتربتنا نقية من مخلفات الأنشطة الاستثمارية المختلفة.
7- عاش الاقتصاد السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية حالات من التقلب السريع الذي غير التركيبة الأساسية للأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة, إلا أن المتابع يلاحظ أننا لم نحقق تقدما ملحوظا في مجال نقل التقنية حيث ساهم الاعتماد الكبير على العمالة الأجنبية في حجب التقنية عن أذهان وعقول شباب الوطن, لذا فإننا كمواطنين نأمل أن يكون للمجلس الاقتصادي الأعلى خطة واضحة تستهدف تحديد المستوى التقني الحالي والمستقبلي للبلد بالإضافة إلى تحديد النمط التقني الذي يتناسب ومتطلبات التنمية.
8- لقد تحمل القطاع العام خلال العقود الماضية أعباء كبيرة نتيجة لاضطلاعه بمهمة تأمين الكثير من السلع والخدمات التي هي في الأصل من اختصاص القطاع الخاص.
وإذا كان ذلك مقبولا في السابق نتيجة لضعف القطاع الخاص وزيادة الإيرادات العامة، فإن الواقع الحالي يفرض علينا الإسراع في التحول نحو القطاع الخاص حتى نستطيع التخفيف من أعباء الموازنة العامة وحتى نساهم في تحسين مستوى الكفاءة الاقتصادية وتحقيق الاستغلال الأمثل لمواردنا الاقتصادية.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved