Friday 24th September, 1999 G No. 9857جريدة الجزيرة الجمعة 14 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9857


الكوارث الطبيعية وإدارة الأزمات
د, علي الدين هلال

الكارثة الطبيعية التي اصابت تركيا في شكل زلزال سرعان ما تحولت الى أزمة سياسية، وتم اتهام الهيئات الحكومية المسؤولة بالتقصير وبالتراخي في مساعدة الضحايا، وبالقصور في التنسيق بين المساعدات الخارجية التي تدفقت على تركيا.
والحقيقة، انه كلما حدثت كارثة طبيعية، فإن مثل تلك الاتهامات يتم توجيهها الى السلطات الحكومية، خصوصا اذا جاءت الكارثة زلازل، أو براكين، أو أعاصير بشكل أكثر عنفا أو قوة عما هو متوقع, ونفس ما تردد عن تقاعس السلطات التركية وضعف أدائها تكرر من سنوات بشأن دولة أغنى وأكثر كفاءة هي اليابان، وذلك بشأن الزلزال الذي أصاب مدينة كوبى.
فقد أثارت كارثة الزلزال الذي اصاب مقاطعة كانزاي التي تعتبر قلب منطقة الصناعة اليابانية الكثير من ردود الفعل حول أداء الحكومة اليابانية وقدرتها على التعامل السريع مع الأزمات, وتعرضت الحكومة لانتقادات شديدة بسبب سوء أداء هيئاتها المختلفة تجاه الزلزال، واعترفت الحكومة بالتقصير.
ويمكن تفسير حدة الانتقادات التي وجهت الى الحكومة اليابانية وقتذاك الى صورة اليابانيين عن أنفسهم وعن الاستعدادات الموجودة لديهم لمواجهة الزلازل, فالمعروف ان اليابان تقع في منطقة زلازل، وكانت تفخر اليابان بأنها تمتلك مراكز انذار مبكر للهزات الأرضية، وانها طورت تكنولوجيات متقدمة في مجال البناء، وبالذات بالنسبة للسقوف والطوابق العلوية بما يمكنها من مواجهة الزلازل، ونفس الشيء بالنسبة للطرق والكباري العلوية.
وعندما وقع زلزال مدينة لوس انجلوس في فبراير 1994، كان رد فعل عدد من المسؤولين اليابانيين بأن الخسائر التي حدثت كانت بسبب تخلف التكنولوجيا الأمريكية في البناء والتشييد مقارنة بما حققته اليابان, وجاء زلزال كوبى ليضرب خيلاء اليابانيين في الصميم، حتى أن أحد المعلقين كتب يقول ان اليابان تصرفت وكأنها احدى دول العالم الثالث, فقد انهارت المباني وسقطت الكباري العلوية تماما كما حدث في لوس انجلوس, ونشرت الصحف اليومية صورا للمباني المهدمة ومعسكرات الايواء التي اقيمت على عجل وكتب تحتها هذه ليست سراييفو أو الشيشان,, هذه كوبى .
وكما حدث بالنسبة لتركيا، تركزت الانتقادات الموجهة من أحزاب المعارضة والصحافة على عدد من الأمور, أهمها الفوضى والقصور، وعدم التنسيق بين الهيئات الحكومية، وبالذات بين الهيئات القومية والمحلية مما أدى الى التأخير في وصول المساعدات، وعلى سبيل المثال فإن قوات الجيش لم تتدخل قبل ثماني ساعات لأن القانون الذي ينص على ان تدخلها مشروط بطلب الهيئات المحلية.
وكما حدث في تركيا ايضا، لم تكابر الحكومة اليابانية لأن الفارق بين الصورة والواقع كان كبيرا، واعترفت بالقصور وان كانت قد حاولت ان تجد مبررا له في توقيت الزلزال الذي وقع في ساعات الفجر الأولى, لذلك، قام رئيس الوزراء بانشاء مكتب تنسيق لعمليات الاغاثة يرأسه مسؤول بدرجة وزير، كما وعد بمراجعة قوانين البناء وبتعزيز قدرة اليابان على التعامل مع الكوارث الطبيعية, نفس الشيء قام به الرئيس التركي الذي اعترف بوجود بعض مظاهر القصور، وعزى ذلك الى ان الزلزال حدث خلال الليل.
والحقيقة، ان قضية كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية ما زالت دون حل رغم كل التقدم الصناعي والتكنولوجي الذي حققته الانسانية، وما زال الانسان غير قادر على هزيمة الطبيعة التي تفاجئه بين الحين والآخر بأحداث مثل الزلازل والسيول والفيضانات، والمفاجأة تكون في توقيت الحدث حينا، وفي حجمه ومداه حينا آخر.
ورغم كل الاستعدادات المتقدمة التي أقامها الانسان، فقد ظلت الطبيعة قادرة على تحديها وتحطيمها وتجاوزها, والأدق ان يقال ان جهود الانسان في هذا المجال هدفت في المقام الأول الى تقليل الخسائر وليس الى إلغائها تماما, فعندما تثور قوى الطبيعة في شكل اعاصير أو زلازل أو فيضانات، فإن كل ما يستطيعه البشر هو الانسحاب المنظم وتقليل الخسائر, يحدث هذا في الهند وبنجلاديش بقدر ما يحدث في الولايات المتحدة واليابان.
يبقى ان مصائب بعض عند بعض فوائد فمع اتضاح حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بمنطقة الزلزال في تركيا، بدأت شركات البناء والمقاولات تتطلع الى التعاقدات الكبيرة المتعلقة بإعمار المنطقة والتي سوف تكون ببلايين الدولارات.
وبعيدا عن ردود الفعل العاجلة لآثار الزلزال في تركيا، فإن هناك دروسا وقضايا اعمق يمكن لكل الدول ان تستفيد منها مثل ضرورة وجود خطوط اتصال سريعة بين الهيئات المحلية وتلك المركزية في حالات الكوارث والأزمات، وضرورة وجود خطط عمل جاهزة للطوارىء تحدد مسؤوليات واختصاصات كل مستوى والتنسيق بينها, وفي أغلب الدول المتقدمة، توجد غرف ادارة الأزمات التي يكون لديها خطط سبق اعدادها لمواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات 0السياسية، والخطوات التي ينبغي اتخاذها عند حدوث الكارثة أو الأزمة، وأحيانا، كما حدث في اليابان من عدة أيام، يتم اعلان حالة الطوارىء للتأكد من كفاءة الاستعدادات، وقيام كل هيئة بواجبها في حالة حدوث الكارثة، ورغم ما يقال عن التقدم التكنولوجي في هذا المجال، تأتي الكوارث وكأنها مفاجأة غير متوقعة.
ونقول في مجال التعليق ان العبد في التفكير والرب في التدبير ونقول أن أمر الله نافذ .
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
محاضرة
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
اليوم الوطني
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved