Friday 24th September, 1999 G No. 9857جريدة الجزيرة الجمعة 14 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9857


سلوة الصابرين وعزاء المبتلين

لقد خلق الله الانسان مركباً من مادتين، مادة اصلها من السماء وهي تمثل جانب الخير فيه، ومادة من الارض وهي تمثل عنصر الشرفية، لقد خلقه الله من روح علوية، ومن طين ارضي،فالانسان روح وجسد.
ان الانسان ماهو الا مجموعة من المشاعر والاحاسيس، وكتلة من القدرات والطاقات.
هذا الانسان يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، يتسع صدره وتضيق نفسه بحسب احواله، وما يعرض له في حياته من امور.
ولقد عرض الله هذا المخلوق العجيب لجملة من الاختبارات ولكن كل إنسان قد ابتلاه الله بما يناسبه من البلاء، وذلك حتى يظهر الممتثل المطيع، والمعرض العاصي.
فمن الناس من يبتليه الله بالغنى، ومن الناس من يبتليه الله بالفقر, ومن الناس من يبتليه الله بتكرار المصائب عليه في نفسه وماله وولده، بل هناك من يبتليه الله بفقد كل شيء، فقد الولد، والاهل، والمال، بل وحتى بفقد بعض اعضائه وهذا الابتلاء يختلف شدته وخفته باختلاف قوة الايمان في كل انسان، فكلما قوي الايمان قويت المصيبة، وكثرت واشتد وطؤها على هذا المخلوق الضعيف، وكلما ضعف الايمان خفت المصيبة لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل).
فمن الناس من تزيده المصيبة صلابة، وقوة ، وثباتاً على الايمان، وصدقاً في اليقين، وطمأنينة بقدر الله، ورضى بقضائه، وهذا هو المؤمن الحق, وكم من انسان قد فقد عزيزاً لديه، ومع ذلك اذا اتيت لتعزيته،وتسليته عن مصيبته تجده اشد منك رباطة جأش، تجد انه يعزيك ويسليك, نعم ذهبت لتعزيته فوجدت انك انت المعزى وانت المسلى وما ذلك الا للطف الله بهذا الإنسان الضعيف، وانزال السكينة والطمأنينة على قلبه، ومن احسن ما سمعت في السلوة عن المصيبة، ماقاله عروة بن الزبير رضي الله عنه وارضاه عندما مات ولده، وقطعت رجله من مرض اصابها فيقول لك الحمد يالله فإن كنت قد اخذت فقد اعطيت، وان كنت اصبت فقد ارضيت، ان كنت قد اخذت رجلاً فقد اعطيت اخرى، وان كنت قد اخذت ولداً فقد رزقت آخر فلك ما اخذت ولك ما اعطيت فلك الحمد .
فهذا هو الصنف الاول وهو صنف المؤمنين المتقين، اما الصنف الآخر, فهو صنف الجازعين، القانطين، الذين اذا اصابتهم مصيبة ناحت نسائهم،وبكت رجالهم واعترضت ألسنتهم على خالقها واصبحوا يرددون لماذا فعلت بنا هذا يارب!!؟ وهذا من ضعف اليقين بلقاء الله، ومن نقص العقيدة، ووهن الايمان بقضاء الله وقدره، لذلك قال أحد السلف لاحد ابنائه انك لن تجد طعم الايمان حتى تعلم ان ما اصابك لم يكن ليخطئك وما اخطأك لم يكن ليصيبك
لذلك كانت مرتبة الصبر مرتبة عظيمة لايصل اليها الا افذاذ الرجال، وعظماء النساء كالخنساء التي فقدت اربعة من الولد، فما دمعت لها عين وماناح لها لسان، وكأسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها عندما صلب الحجاج ولدها وفلذة كبدها عبدالله بن الزبير فعندما بلغها خبر قتل ولدها وصلب الحجاج له قالت وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها انه الايمان، انه التوفيق من الله تعالى، والتثبيت له، فاللهم ثبتنا على الايمان وبلغنا مرتبة الصابرين الذين قلت فيهم إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب .
ووصيتي الاخيرة لمن اصابته مصيبة ان يلتجىء الى الله عز وجل وينكسر بين يديه، ويتضرع اليه تضرع الضعيف الذي لاحول له ولاقوة الا بالله العظيم، وان يستعين بالصبر والصلاة فإن الله مع الصابرين يثبتهم ويفرج همومهم ويوسع صدورهم، ومن ابتلى بفقد عزيز عليه فليذكر مصيبة العالم كله بفقد الرسول صلى الله عليه وسلم فكل مصيبة بعد فقد حبينا صلى الله عليه وسلم فهي قليلة وبسيطة.
ومن يستعن بالله يعنه، والله معين الصابرين.
أبو الوفاء

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
محاضرة
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
اليوم الوطني
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved