Friday 24th September, 1999 G No. 9857جريدة الجزيرة الجمعة 14 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9857


نهج الدعوة
لا يجوز شرعاً إعطاء المتسولين في المساجد
الشيخ إبراهيم بن محمد الضبيعي

لا تخفى فوائد الصدقات وبذل المعروف والإحسان الى الفقراء والمساكين وما أعده الله للمتصدقين، إلا ان المساجد بيوت الله، ويجب احترامها والمحافظة على قداستها، وصيانتها من الدنس والملوثات، وحمايتها من اللغط ورفع الأصوات بإنشاد الشعر او إنشاد الضالة او التسول او ان تكون موضع تجارة وكسب لحطام الدنيا، ومن اعطى الفقير بدون تسول او استجداء فهذا جائز.
ولكننا في هذا العصر اعتدنا يوميا وبعد كل صلاة على مناظر مؤذية، ومشاهد يقوم بتمثيلها طائفة من الشباب المدربين على إتقان صناعة النصب والاحتيال بممارسة مهنة الشحاذة واستدرار عطف المحسنين وذلك بتجبيس الساق او ربط اليد وتغير الصوت ودعوى انه نتيجة حادث او مرض وعليه ديون ولديه أسرة ثم يفتعل البكاء ثم يقسم انه لو لا الحاجة لما وقف هذا الموقف، وبعضهم طور أساليب الشحاذة وسلكوا طرقا مبتكرة لتلائم مقدار العطاء مع مستوى التشخيص ونوع الشياكة، وقد أثبتت الأحداث والوقائع وتحريات فرق مكافحة التسول ان معظم هؤلاء المتسولين اغنياء وينمون تجارتهم بهذه الطريقة المشينة، وقد وجدوا ان هذا المسلك اضمن للربح وأقل تكلفة وذلك نتيجة الجهل بالحكم الشرعي وضعف الإيمان وفقدان الحياء، وجاء في المأثور من الحكم إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
يتفق علماء الإسلام على ان التسول حرام لغير ضرورة ولا يجوز إعطاء المتسولين في المساجد لأن فيه تشجيع لاستمرارهم في هذا المسلك القبيح، وفيه تعطيل لتلك الطاقات عن الكسب المشروع، ويعتمد التحريم على دلالة النصوص وإجماع الفقهاء والأسباب التالية:
1 ما جاء في وعيد المتسول والتغليظ في بشاعة عمله، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم) أخرجه البخاري ومسلم.
2 ان المساجد إنما بنيت للصلاة والعبادة وليست للكسب وجمع حطام الدنيا.
3 ان في المسألة ذل في الدنيا والآخرة، وهي عمل دنيء تمجه الأذواق السليمة بل ان التسول حرفة دنيئة ممقوتة ويستحق عليها الوعيد في الآخرة.
وأما أدلة تحريم التسول فمنها ما أخرجه مسلم في صحيحه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن مخارق (ياقبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل اصابته جائحة واجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش او قال: سداد من عيش، ورجل اصابته فاقة حتى يصيب قواما من عيش او قال سداد من عيش، فما سواهن من المسألة ياقبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا) ومعنى السحت الحرام.
وفي حديث أبي كبش الأنماري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) الحديث أخرجه الترمذي، قال ابو احمد الغزالي يرحمه الله: إنما قلنا ان الأصل في السؤال التحريم، لثلاثة اسباب:
1 شكوى الله على الخلق، إذ ان السؤال إظهار للفقر، وإن نعمة الله قصرت عنه وذلك عين الشكوى.
2 ان السائل يذل نفسه لغير الله تعالى وليس للمسلم ان يذل نفسه إلا لله وفي السؤال ذل للسائل، بالاضافة الى إيذاء المسؤول.
3 ان السؤال لا ينفك عن احراج المسؤول وإيذائه، فهو إما ان يعطيه حياء او رياء وبهذا يحرم على المعطي والآخذ، وان منعه تأذى في نفسه حيث انه يتصور انه اصبح من البخلاء وفي إعطائه نقص ماله وفي منعه نقص جاهه، وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب والإيذاء حرام إلا بضرورة.
ويكفي في حقارة التسول انه دليل على ضعف النفس ودناءتها، وأنه يورث سفولا وانحطاطا في المجتمع وانتزاع البركة من المال، وحرمان إجابة الدعاء ودليل على سوء الخاتمة غالبا.
قال الشاعر:
لا تخضعن لمخلوق على طمع
فإن ذلك نقص منك في الدين
واسترزق الله مما في خزائنه
فأمر ربك بين الكاف والنون
ومما سبق تظهر بشاعة الاستجداء واضرار التسول للفرد والمجتمع وانه يؤدي الى موت الهمم، وقبر النبوغ، ودفن الإبداع، وهو طريق موصل الى استباحة أموال الناس بغير حق، وبالجملة فهو مظهر من مظاهر تأخر الأمم والشعوب.
وهنا يثور سؤال عن دور أئمة المساجد، ومدى تحملهم لمسؤولياتهم، وفهمهم لأحكام التسول، وان من واجبهم حماية بيوت الله من أن تشغل في وجه من وجوه كسب المال، وإيذاء المصلين باشغالهم عن التسبيح والتهليل والدعاء، وإحراجهم بأن يعطوا ما لا يجوز إعطاؤه لما ورد (من سأل في المسجد فاحرموه) ونقل ابن مفلح عن خلف بن ايوب قال: لو كنت قاضيا لم اقبل شهادة من يتصدق على من يسأل في المسجد، وأكثر السلف رحمهم الله لا يرون جواز التصدق على من يسأل في المسجد، وقال ابو مطيع البلخي: لا يحل للرجل ان يعطي من يسأل في المسجد، علما بان ولاة الأمور وفقهم الله سبق وان وزعوا تعميما على أئمة المساجد يحتم على الإمام منع المتسول وإخراجه عن المسجد وطاعتهم واجبة فما على الإمام إلا إسكات هؤلاء وتسليمهم للجهات المعنية بمعالجة هذه المهازل.
وختاما نتضرع الى الله ان يعافيهم ولا يبلانا، وان يرزقنا القناعة والكفاف وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
محاضرة
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
اليوم الوطني
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved