Friday 24th September, 1999 G No. 9857جريدة الجزيرة الجمعة 14 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9857


المبدعون : إننا نكتب لجمهور لا يقرأ
المبدع والمتلقي في عصر العولمة
عقبات وأشكال جديدة تحول بينهما
الحداثة والمرئيات ومعاناة الأديب أنفاق مظلمة لقطع الصلة بين المبدع والمتلقي

تأخذ العلاقة بين المبدع والمتلقي ابعاداً خاصة وجديدة في اطار التحولات الهائلة الجارية في عالم اليوم، هذه التطورات والتحولات غيرت العديد من المفاهيم التي كانت سائدة من قبل حول العلاقة بين المبدع والقارىء وبالتالي حول وظيفة الادب، ولماذا الكتابة ومعاناة الاديب؟
وتطرح العلاقة نفسها بقوة وسط عالم المرئيات الطاغي وتقلص دور الادب المكتوب في ظل تصاعد الحديث عن عصر العولمة حتى اصبحت الشكوى الدائمة على لسان المبدعين,, اننا نكتب لجمهور لا يقرأ ونكتب لانفسنا فالاديب الكبير نجيب محفوظ رغم شهرته العالمية وترجماته لا يوزع من كتبه اكثر من 500 نسخة على اكثر تقدير فما بالنا بباقي الادباء؟!
الجزيرة استطلعت اراء نخبة من الادباء والمبدعين والنقاد حول هذه القضية.
يرى الاديب يوسف القعيد أن الكاتب والاديب لدينا يعاني من اجل اثبات نفسه ومكانته وبعد ان يتخطى كل الحواجز والمعوقات يجد نفسه اخيراً امام جمهور لا يقرأ,, فالكاتب لدينا اصبح ضحية تخلف مجتمعه وانصرافه الى الاشياء المسطحة والافكار التي تبثها المرئيات التي لا تهتم بالثقافة من بعيد او قريب,, وعندما اقول تخلف المجتمع,, لا اخجل من هذا التخلف لانه يمنح الكاتب,, في تقديري شرعية الكتابة بمعنى ان الكاتب لابد ان يحمل الهم الاجتماعي وشرعية اعماله تأتي من التعبير عن الهم الاجتماعي ولكن ما يحدث حالياً ضد هذا الاعتقاد فالكتاب يبتدعون حيلاً كثيرة للهروب من تحمل الهم الاجتماعي ودليل وجود هذه الحيل الحداثة وانتشارها السريع بفعل الآلة الاعلامية,, فالحداثة عمقت انعزال المبدع عن القارىء.
ويتفق الشاعر الدكتور حسن فتح الباب مع القعيد على ان الحداثة وانتشارها بين الكتاب الانعزاليين احد الاسباب التي صرفت القارىء عن متابعة الابداع كذلك طغيان المرئيات في جميع صورها واشكالها ونحن مجتمع ما يزال لا يعرف كيف يستفيد من وجود المرئيات لخدمة الثقافة وتقليل معاناة الادباء والمبدعين.
ويضيف حسن فتح الباب ان هناك اشكالية اخرى ربما تتعلق بهذا الموضوع وهي ضرورة ان يكون للكاتب مبرر اجتماعي اخر غير الكتابة فقط ففي الغرب يستمد الكاتب او الشاعر قيمته لانه كاتب وشاعر بينما نحن لابد ان تكون لنا وظائف اخرى نستمد منها قيمتنا، كذلك مايزال المبدع لدينا يعمل بشكل فردي هو القلم والورقة ولا يستطيع التعامل مع التقنيات الحديثة او حتى آخرين في جمع معلومات او غير ذلك مثلما يحدث في الغرب، ووفق هذه الاسباب السابقة لا يوجد لدينا ازدهار ادبي والصلة مقطوعة بين المبدع والقارىء منذ زمن وان وجد ازدهار فهو ازدهار بائس كمجموع.
الشكلانية ليست السبب
على عكس ذلك يرى الناقد الادبي الدكتور عبدالمنعم تليمة ان الحداثة ليست وحدها سبباً في قطع الصلة بين المبدع والمتلقي ويضيف كذلك لست ارى ان المسؤول عن تخلف المتلقي العربي هو الاستغراق الشكلاني ذلك ان تخلف المتلقي في حياتنا الراهنة انما يرتد الى عوامل فاعلة كثيرة، اما ما يسمى بالاستغراق الشكلاني فهو محدود للغاية لدى فنانين وكتاب وشعراء قلة، اما عامة الحداثيين فإن الشكلانية لا تستغرقهم.
ومن جانبه يضيف د, سيد البحراوي نقطة اخرى جديدة بجانب طغيان المرئيات وبعض الحداثيين وهي دور السلطة السياسية والثقافية والاقتصادية ويؤكد في دراسة له عن محتوى الشكل ان ابرز المشكلات التي تمنع كتابنا من تحقيق مسعاهم هو انقطاع الصلة بينهم وبين هذه المشكلات الحقيقية للمواطنين العاديين ولاشك ان دور السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية هو امر اساسي في هذا السياق، فثمة موانع عديدة تقف بين المثقفين وجماهيرهم اضافة الى تراث الازدواجية داخل المبدع وتراث انفصاله عن الجمهور.
ويعلق الناقد الادبي فاروق عبدالقادر بقوله ان الاديب لدينا في عراك دائم ومتواصل دون كلل مع اشياء لا تعد ولا تحصى، هي في مجملها هموم الوطن الثقافية والاجتماعية والسياسية.
وهي بالضرورة همومه ولكن للاسف يستغرق فيها فتنتقص من ابداعه وموهبته اكثر مما تزيد فهو يعمل بمشقة شأنه شأن اي مواطن عادي من اجل توفير ضروريات الحياة ولذا يكون عليه جهد مضاعف فعليه ضروريات ابداعية ايضاً مثل القراءة والاطلاع الثقافي ومتابعة ما يجري وما يحدث في العالم وبذل الجهود المضنية من اجل نشر ابداعه ولكن كل هذا الجهد يواجه بأمية ثقافية متفشية، امية في القراءة وامية عقلية، وهكذا يجد نفسه يكتب للقلة القليلة وفاقداً للصلة الواسعة مع الجماهير ويعتمد في النهاية على القراء الذين يعرفونه حتى هؤلاء في تقلص، فيكتشف الاديب انه يجاهد من اجل جمهور منصرف عنه، والحل في رأيي يكمن في دور المؤسسات الثقافية واجهزة الاعلام في الاهتمام بالابداع والادباء والحركة الثقافية بشكل عام حتى تحافظ على الاقل على جمهور القراء دون تقلص او انسحاب.
واذا لم يحدث ذلك وفي ظل تراجع الادب المكتوب وسط عصر العولمة والمتغيرات العاصفة اليوم والعديد من الاشكاليات التي تقف عقبة امام حل المعادلة بين المبدع والمتلقي سيسود الاحباط من الاقدام على فعل الكتابة نفسها ويعيد المشهد نفسه الذي سبق ان قدمه الاديب الراحل يوسف ادريس عندما وقف ذات يوم عقب هزيمة 1967 ليقول بمرارة ,, اي شيء الا ان امسك القلم مرة اخرى، واتحمل مسئولية تغيير عالم لا يتغير وانسان يزداد بالتغيير سوءاً، وثورات ليت بعضها ما قام، واضاف الاديب الراحل: كان حلمي بالكتابة كحلمي بالثورة، كحلمي بالمعجزة .
عثمان أنور

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
محاضرة
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
اليوم الوطني
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved