Friday 24th September, 1999 G No. 9857جريدة الجزيرة الجمعة 14 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9857


الحبارى في التراث العربي
هناك ثلاث سلالات من الحبارى تعيش في روسيا والصين وافريقيا

* يقول المعلوف 1932م في كتابه معجم الحيوان : ان الحبارى Bustard طائر من طيور البر بعظم الدجاجة لا طويلة الرجلين ولاقصيرتهما طويلة العنق والذنب تعرف بهذا الاسم في جميع البلاد العربية, ومن اسمائها دجاجة البر والخزب وهو ذكرها او الكبير منها والحُبجر والحباجر والحبرج والحبارج, والحبرج شائعة في مصر, والخرب والحبارى في العراق, والحبارى في الالفاظ الفارسية المعربة تعريب أبره وفي عجائب المخلوقات الحبارى طائر يقال له بالفارسية جرز.
حبارى كبيرة Great bustard. Otis tarda
رعاد, موطنها اوربا والاناضول وشمال سوريا والعراق.
حبارى صغيرة Little bustard. Otis tetrax
صُو, في العراق, تفرخ في العراق واواسط اوربا وآسيا.
حبارى, حُبرج Houbara Bustard. Chlamydotis undulata
هي آبدة في العراق وجزيرة العرب وتأتي الى مصر.
حبارى عربية Paaww bustard. Choriotes arabs
وهي حبارى كبيرة متوجة موطنها اواسط افريقيا وجزيرة العرب ولعلها الخرب الواردة في كتب اللغة.
ويقول التميمي 1992م في كتابه الصقور والصيد عند العرب ان هناك ثلاث سلالات من طائر الحبارى المعروف Houbara abustard. Chlamydotis undulata الذي يعيش في شمال قارة آسيا في مناطق مختلفة من جنوب الاتحاد الروسي واجزاء من الصين وشمال غرب قارة افريقيا وكذلك في مناطق مختلفة من قارة اوربا بصورة اقل شيوعاً, وهناك ثلاث سلالات من هذا النوع من طيور الحبارى وهي:
1- حبارى جزر الكناري C. Undulata fuertaventurae
ويكون حجم طائر الحبارى من هذه السلالة اصغر من السلالات الاخرى ولونه اكثر سواداً, وتستوطن طيور هذه السلالة في جزر الكناري.
2- حبارى القارة الافريقية C. Undulata undulata
تتميز الحباريات من هذه السلالة بوجود خصلة من الريش في قمة الرأس يكون لونها ابيض, ويكون لون الجزء الخلفي من الرقبة والظهر اعلى الذيل رماديا رمليا, اما لون الوجه ومقدمة الرقبة والصدر فيكون لونها ابيض, ويكون عرف الذكر طويلاً ولونه في الاجزاء العليا اسود ووسطه ابيض اما نهايته فسوداء اللون, اما لون الرئيس المغطي للجناح فهو اسود مع وجود خط ابيض في قاعدة الريشة, ولون ريش القوادم الطويل للجناح فهو اسود ونصفه الاسفل ابيض في الريشات الخمس الاوائل, ويكون الذيل طويلاً ولونه رملي او بني فاتح وتوجد فيه اربعة خطوط واضحة بلون اسود مائل الى الازرق.
وتعيش هذه السلالة وتستوطن مناطق شمال افريقيا, ونادراً ما توجد بعيداً عن مناطق تكاثرها, وتوجد في معظم الاجزاء الغربية من شمال افريقيا في الجزائر والمغرب وموريتانيا والنيجر ومالي.
3- حبارى القارة الآسيوية C. Undulata macqueenii
يكون حجم طيور الحبارى من هذه السلالة اكبر من باقي السلالات الاخرى، ولونها يكون فاتحاً اكثر من السلالات الاخرى, وتكون خصلة الريش في قمة الرأس اكثر سواداً من السلالة الافريقية, ويكون لون الاجزاء العلوية من جسم الطائر بلون رمادي رملي، وفيها نقطة سوداء اللون, ولون الريش المغطى للجناح يكون ابيض, اما عرف الطائر الذكر فيكون معظمه ابيض اللون, ويوجد في الذيل خطان او ثلاثة خطوط عرضية, وتعيض طيور هذه السلالة في مناطق كثيرة من الشرق الاوسط بامتداد شرقي الى منطقة جبال التاي في منغوليا, وتعتبر مستقرة في الاجزاء الجنوبية من مناطق تكاثرها في آسيا, وهي مهاجرة في الاتحاد الروسي ويهاجر معظمها من الاتحاد السوفيتي سابقاً في فصل الخريف باتجاه الجنوب والجنوب الغربي، لكي تقضي فصل الشتاء في باكستان والمناطق المجاورة من شمال غرب الهند وايران والعراق والجزيرة العربية وتصل الى مناطق غربية ابعد في سيناء وفي مصر, وقد تصل الى مناطق ابعد جنوباً حيث شوهدت في منطقة بورسودان مرة في شهر نوفمبر من عام 1920م, اما عن موعد هجرتها من الاتحاد السوفيتي سابقاً باتجاه الجنوب فهو شهر سبتمبر ويبدأ ظهورها في بلدان المهجر منذ اواخر شهر اكتوبر, اما موعد هجرتها مرة اخرى الى المناطق الشمالية فان اوائل ظهورها في جنوب الاتحاد السوفيتي سابقاً فيكون في حوالي شهر مارس وابريل, اما عن وجود طائر الحبارى من هذه السلالة في بلدان غرب اوربا فقد شوهدت خلال سنوات مضت وبأعداد قليلة في بلدان مختلفة وفترات مختلفة ايضاً.
ان طائر الحبارى وبصورة عامة معروف بأنه طائر خجول جداً ولا يرغب في العيش قرب التجمعات البشرية ويفضل الابتعاد قدر استطاعته عن الانسان, ومعظم المناطق التي تلجأ اليها الحبارى- ان لم تكن كلها- انما هي اراضي صحراوية او شبه صحراوية, وتعتمد في غذائها في هذه المناطق على الثمار البرية والبراعم النضرة والازهار في الشجيرات الصحراوية والنباتات والحبوب في المراعي الطبيعية, كذلك فانها تعتمد الى حد كبير على الحشرات مثل الجراد والخنافس والنمل والزواحف الصغيرة والفئران الصحراوية الصغيرة.
وتعتبر طيور الحبارى متكيفة نتيجة لمعيشتها الصحراوية فهي تستغني عن شرب الماء الى حد بعيد اما اذا وجدت الماء فانها تشرب وتأخذ حاجتها منه, ولكنها تعتمد اساساً في حصولها على ما تحتاجه من الماء بما تتناوله من ثمار النباتات الصحراوية والبراعم النباتية خلال الصباح الباكر عندما تكون هذه الثمار والبراعم مغطاة ومحتوية على نسبة جيدة من رطوبة الجو.
تعيش طيور الحبارى بشكل منفرد او على شكل تجمعات قليلة وذلك في غير موسم التزاوج والتكاثر، وهذه التجمعات قد تتراوح بين 4 الى 10 طيور وقد تقل او تزيد على ذلك قليلاً, ويزيد العدد هذا خلال فترات الهجرة.
من المعروف ان فصل الربيع هو موسم تزاوج طيور الحبارى، وتضع انثى الحبارى عادة ثلاث بيضات وفي بعض الحالات من 4 الى 5 بيضات، وتقوم الانثى بحضن البيض اضافة الى رعاية الافراخ بعد فقسها وخروجها من البيض, وقد يقوم الذكر في بعض الحالات بمساعدة الانثى بحضن البيض، ولكنه بصورة عامة يبقى بجوار الانثى اثناء فترة حضانة البيض وبعد الفقس ورعاية الصغار, وتبلغ مدة حضانة البيض حوالي 23 يوماً اما المدة التي تقضيها الصغار تحت رعاية الابوين فهي تصل الى حوالي 35 يوماً.
وتقوم الحبارى في موسم التكاثر ببني اعشاشها على مسافات ما بين 5 الى 10 كيلو مترات بين العش والآخر، ولكن قد تقل هذه المسافة بين الاعشاش في بعض المناطق الجيدة الى اقل من كيلو مترين.
ويتم التزاوج بين الذكر والانثى على الارض وخلال فترات الليل, وبعد وضع البيض تبقى الانثى محتضنة له طوال الليل اما الذكر فيحاول دائماً البقاء قريباً منها وعلى مسافة لا تتجاوز مائة متر, واثناء موسم التزاوج فان ذكور الحبارى تتقاتل وتتصارع مع بعضها البعض ولكن هذا القتال لا يؤدي الى آثار سلبية ضارة في اجسامها.
سلوك الحبارى:
يعتمد سلوك طائر الحبارى في محاولته لتجنب المخاطر على الركض الجري للابتعاد عما يسبب الخوف لديه مثل وجود الانسان او الحيوانات او الطيور الجارحة, ويقف طائر الحبارى عن الجري لفترات متقطعة للنظر لمعرفة مدى الخطر المحيق به، ولكن في بعض الاحيان اذا ما تكرر تعرضه للخطر فانه يبادر بالطيران بسرعة وبقوة للابتعاد عن مصدر الخطر ويكون طيرانه عادة على ارتفاعات منخفضة.
وعندما يهاجم الصقر طائر الحبارى ويكون كلاهما على سطح الارض فان الحبارى تنفش ريشها وقد تحاول الدفاع عن نفسها بضربة بمنقارها او خفقة بالجناح او رفسة بالرجل، وقد تدير ظهرها للصقر وتفرش ذيلها الى اقصى حد وبشكل المروحة وتمد جناحيها وتهزهما لتصدر اصواتاً تتوقع من خلالها اخافة الصقر وتحاول اخفاء رأسها بين الجناحين وتطلق في معظم الاحيان من فتحة المخرج برازاً مخلوطاً بمادة لزجة اذا اصابت وجه الصقر اشغلته وقللت من حدته وسعيه في طلبها ولو لبعض الوقت، ويقال ان هذه المادة اللزجة التي تطلقها الحبارى والتي تسمى سلح او طمل تسبب العمى المؤقت للصقر الذي يتعرض لها المطمول اذا اصابت عينيه.
وقد ينجح طائر الحبارى في التخلص من الصقر في بعض الاحيان بهذه الوسيلة الدفاعية, ان جميع الوسائل الدفاعية سابقة الذكر تستخدمها الحبارى في الدفاع عن نفسها وعن عشها وصغارها ضد المخاطر المختلفة.
ومن ابرز ما تتميز به طيور الحبارى ايضاً هو قدرتها وقابليتها على التخفي بين الشجيرات الصحراوية الصغيرة والاحجار الى حد بعيد وقد يستحيل اكتشاف وجودها وان كانت على بعد امتار من القناص اذا ارادت الاختفاء خوفاً من المخاطر المحدقة بها وهنا لا يكون من السهل اكتشاف وجودها من دون وجود صقر لديه قوة البصر وقدرة على رصد ابسط تحركاتها, ومما يساعدها في هذه المقدرة على التخفي هو لون ريشها الذي ينساب يتجانس مع لون الطبيعة الصحراوية.
بعض مما ورد عن الحبارى في التراث العربي القديم:
ورد في كتاب الحيوان للجاحظ- الجاحظ: ابو عثمان عمرو بن بحر، توفي سنة 255ه - عن الحبارى ما يلي:-
قال ابن الاعرابي: انه ليقتل الحبارى هزلاً ظلم الناس بعضهم لبعض وقالوا في المثل: مات فلان كمد الحبارى وذلك ان الطير تتحسر تخرج عن الريش العتيق- القديم- الى الحديث وتتحسر معها الحبارى- اي يسقط ريشها القديم- ويخرج لها ريش جديد .
والحبارى اذا نتف او تحسر (سقط ريشها القديم) ابطأ ريشها الجديد في الظهور فاذا طار صويحباتها (الطيور الاخرى بعد ان يخرج ريشها الجديد لانها اسرع في ذلك من الحبارى) ماتت الحبارى كمداً حسرة .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى يضرب بالحبارى المثل بالموق عدم اهتمامها بصغارها .
سلاح الحبارى:
قال: وللحبارى خزانة بين دُبره وامعائه، له فيها ابداً دائماً سلح رقيق يعني انها تحتوي دائماً على ذرق لزج لين فمتى ألح عليها الصقر طلبها وقد علمت ان سُلاحها ذرقها من اجود سلاحها وانها اذا ذرقته (ذرقت على الصقر) بقي كالمكتوف او المدبق لا يستطيع فرد جناحيه كالمقيد او المدبق الذي لزق به الدبق وهو حمل طلع شجر في جوفه داخله مادة كالغراء تلزق بجنح الطائر فيصاد به فعند ذلك تجتمع الحباريات على الصقر فينتفن ريشه كله طاقة طاقة ريشة ريشة وفي ذلك هلاك الصقر.
وقال: وانما الحبارى في سُلاحها كالظرابي الظربون في فِسائها, وقال: الخرب: ذكر الحبارى، والنهار: فرخ الحبارى وفرخها حارض الضعيف الجسم ساقط لا خير فيه.
وقالوا في المثل ايضاً: وعيد الحبارى الصقر والحبارى طائر حسن, وقد يتخذ في الدور يربى وناس كثير من العرب وقريش يستطيبون يحبون محسي الحبارى جداً.
وقال: والحبارى اشد الطير طيراناً سريعة جداً وابعدها مسقطاً واطولها شوطاً اي تطير لمسافات طويلة واقلها عرجة- اي ان تعرج تميل على المنزل المكان وتحتبس تستقر به , وذلك انها تصطاد بظهر البصرة فيشق عن حوصلتها فيوجد فيه الحبة الخضراء غضة لم تتغير ولم تفسد.
والحبارى مع انها احمق الطير تحوط بيضها او فراخها اشد الحياطة وبأغمض معرفة اي لا يعرف كيف تفعل ذلك , وورد في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري كمال الدين الدميري عن الحبارى ما يلي:
الحبارى: طائر معروف, واهل مصر يسمون الحبارى الحبرج وهي من اشد الطير طيراناً وابعدها شوطاً، وذلك انها تصاد بالبصرة فيوجد في حواصلها الحبة الخضراء التي شجرها البطم ومنابتها تخوم الشام, ولذلك قالوا في المثل: أطلب من الحبارى , والحبارى طائر طويل العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول, وقال الجاحظ: الحبارى لها خزانة في دبرها وامعائها لها ابداً سلح رقيق، فمتى ألح عليها الصقر سلحت عليه فينتف ريشه كله وفي ذلك هلاكه.
وقد جعل الله تعالى سلحها سلاحاً لها وفي ذلك قال الشاعر:
وهم تركوك أسلح من حبارى
رأت صقراً وأشرد من نعام
ومن شأنها انها تصاد ولا تصيد.
وهي من اكثر الطير حيلة في تحصيل الرزق ومع ذلك تموت جوعاً لهذا السبب!
وقالوا في الامثال:
أكمد من الحبارى و كل شيء يحب ولده حتى الحبارى وانما خصها بالذكر لانه يضرب بها المثل في الحمق فهي على حمقها تحب ولدها فتطعمه وتعلمه الطيران كغيرها من الحيوان, وقالوا: أسلح من الحبارى لحالة الخوف, وقالوا: الحبارى خالة الكروان , وقالوا: اقصر من ابهام الحبارى .
الخواص:
لحم الحبارى بين لحم الدجاج ولحم البط في الغلظ وهو اخف من لحم البط لانه بري وهو حار رطب جداً واجوده المخاليف المكدودة قبل الذبح وهو نافع لتسكين الرياح ولكنه يضر بالمفاصل و يورث القولنج، ويدفع ضرره الدارصيني والزيت والخل ويتولد منه دم بلغمي ويوافق اصحاب الامزجة الباردة من الشبان لاسيما اذا أكل في الشتاء وفي البلاد الباردة, وقال صاحب تقويم الصحة الطبيب يكره لحم الحبارى لغلظه وعسر انهضامه واجوده ما طبخ بعد ان يمضي عليه يومان ثم يغرز في صدره وافخاذه الثوم الكثير والفلفل ويعمل بالأبازير وهو اذا انهضم ولد غذاءً كثيراً وما كان منه مخلفاً خير مما كان عتيقاً ويجب ان يتناول بعده حلواء العسل.
وقال القزويني صاحب كتاب عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات يوجد في حوصلته حجر اذا علق على الانسان لا يحتلم مادام عليه وان كان به اسهال حبس بطنه، واذا علق قلبه على من يكثر النوم قل نومه, وقال ارسطاطايس في النعوت بيض الحبارى ماكان منه ذكر يسود الشعر ويبقى صبغه سنة لا ينصل وما كان منه انثى لا يسود الشعر ويعرف ما يسود بأن يؤخذ خيط فيدخل في ابرة ويدخل في بيضة فاذا اسوّد الخيط صبغ بها والا فلا.
التعبير:
الحبارى في المنام رجل سخي صاحب دخل وخرج بلا منفعة كثير الاكل والتعب لا يفتر ليلاً ولا نهاراً.
والحبرج ذكر الحبرى واليحبور ولدها وقيل اليحبور من طير الماء.
ورود في كتاب صبح الأعشى للقلقشندي عن الحبارى ما يلي:
الحبرج هو الحبارى ويقع على الذكر والانثى ويجمع على حباريات, والحبارى طائر في قدر الديك كثير الريش ويقال لها: دجاجة البر, وهي مما يعاف لانها تأكل كل شيء حتى الخنافس, وحكمها: الحل لانها من الطيبات.
ويقول الصالحي 1402/1981م في كتابه الصيد والطرد في الشعر العربي حتى نهاية القرن الثاني الهجري عن الحبارى ما يلي:
الحبارى: بضم الحاء طائر بحجم الديك العظيم له ريش كثير وهو اسم جنس يدعى به المذكر والمؤنث ويشمل المفرد والجمع, ويجوز ان يجمع على حباريات.
والخرب: بفتح الخاء والراء ذكر الحبارى وجمعه خراب واخراب وخربان, ونجد الشمردل شاعر ذكر في احدى طردياته ووصفه بالذل:
وخرب ذل بعد الفقس
كالبكر يعطي رأسه للعكس
وتتخذ الحبارى من سلحها الرقيق الذي تختزنه في دبرها وامعائها سلاحاً فهي: اذا قصدها الصقر لا تزال تعلو وتنزل مع الصقر حتى تجد فرصة فترميه بزرقها، فيبقى الصقر مقيداً مثل المكتوف، فعند ذلك تجتمع عليه الحباريات وتنتف ريشه وفي ذلك هلاك الصقر , واسترعت الحبارى في حالها هذه انتباه زهير فجعلها مدعاة للاستهزاء برجل هجاه فشبه بالحبارى، وهو يحاول الاجتراء عليه:
يكن كالحبارى ان اصيبت فمثلها
اصيب وان تفلت من الصقر تسلح
والحبارى تسلح خوفاً، فان وصفوا احداً بالجبن قالوا: اسلح من الحبارى ويلوح يظهر فزع الحبارى في ناظرتيها عينيها اذا هاجمها الصقر فأخطأها وبها شبه ابو ذؤيب شاعر عيني امرأة خائفة مذعورة تستتر وتنظر من خلف جبل:
توقي بأطراف القران وطرفها
كطرف الحبارى اخطأتها الاجادل
الاجدل: الصقر
وصيد الحبارى كان مألوفاً عند العرب، لكنه ضئيل الجسم قليل اللحم، وربما جرى ذكره في مجال الاستصغار والقناعة، نستشف ذلك من بيت للفرزدق يتمنى فيه ان يعيش مع من يحبها على لحم حبارى يكلف صاحباً له دربة على صيده.
واشلاء لحم من حبارى يصيدها
اذا نحن شئنا صاحب متألف
متألف: اي ربيناه وتألفناه وعلمناه الصيد, واشلاء: بقايا، واحدها شلو.
والحبالة من الوسائل التي شاعت في صيد الحبارى، فهذا الراعي النميري شاعر يتهدد خصومه قائلاً لهم: ان شتمكم لي لن يذهب هدراً لاني لست عاجزاً عن الأخذ بحقي كالحبارى التي تقع في حبالة الصائد فلا حيلة لها سوى ان تقلب عينيها ذليلة:
حلفت لهم لا تحسبون شتيمتي
بعيني حبارى في حبالة مغرب
رأت رجلاً يسعى اليها فحملقت
اليه بمأقي عينيها المتقلب
والمغرب: الصائد لانه لا يأوي يرجع الى بيته.
ويذكر العالم 1407ه/1987م في كتابه وصف الطبيعة في الشعر الاموي عن الحبارى ما يلي:
وذكر الشعراء الحبارى التي عرفت بسلحها الذي تختزنه في دبرها وامعائها وتتخذ منه سلاحاً, وقد ضرب المثل بها في الموت, وقالوا: مات فلان كمد الحبارى، لانها اذا نتفت او تحسرت طرحت ريشها ابطأ نبات ريشها فاذا طار صويحباتها الطيور الاخرى ماتت كمداً, واغلب النماذج الشعرية التي وردت على لسان الشعراء اشارت اليها في موضع الهجاء حيث يشبهون الهجو بها في الهرب والسلح والجبن والضعف, فجرير الشاعر عندما اراد ان يهجو شبة بن عقال لم يجد بداً من اقامة مناظرة بين طائر الحبارى الضعيف وبين من تعود اكل اللحم، فشبة يشبه الحبارى، وقبيلة قيس هي آكلة اللحم، يقول:
يا شب ان الحبارى لن ينظارها
مستلحم اسفع الخدين مبكار
والمستلحم: المتعود أكل اللحم، والاسفع: الصقر الاسود المشرب حمرة، والمبكار: المبكر, وقال ايضاً يهجو تغلب فشبههم بالخربان وهي ذكور الحبارى التي تفر تهرب من الصقور:
وكأن تغلب يوم لاقوا خيلنا
خربان ذي حسم لقين صقورا
ويشبه الفرزدق مهجوه بالخرب الذي عرف عنه الجبن والبلاهة والخوف، يقول:
جاءت به حرة كالشمس طالعةً
للبدر شيمتها الاسلام والحسب
كم من رئيس فكى بالسيف هامته
كأنه حين ولى مدبراً خرب
وهو الفرزدق يفخر بقومه ويهجو الناس من دونهم مشبها قومه بالصقور والناس بالحبارى، فيقول:
ونحن ضربنا الناس حتى كأنهم
خراريب صيف صعصعتها صقورها
وصعصعتها: فرقتها.
وقال ذو الرمة يمدح بلال بن ابي بردة مشبها اياه بالباز ومشبها الناس من حوله بالخربان:
ولكنني اقبلت من جانبي قسا
ازور امرئاً محضاً نجيباً يمانيا
من آل ابي موسى ترى الناس حوله
كأنهم الخربان ابصرن بازيا
ويقول ابو سويلم 1403ه/1983م في كتابه الطبيعة في شعر العصر العباسي الاول عن الحبارى ما يلي:
وتحدث الشعراء ايضاً عن الحبارى، وصوروا فزعها خوفها وهربها السريع من جوارح الطير، وهجوا بها عندما يريدون ان يسبغوا على المهجو صفات الخوف والهلع والفزع والهرب والجبن.
قال بشار بن برد يذكر الخرب وهو ذكر الحبارى ويصف به اعداء موسى الهادي الجبناء:
مصيخين من وقع السيوف كأنهم
خراب تلوذ من صقور فلاة
والحبارى من الطيور الضئيلة اللحم والتي توصف بالجبن والخور الا انها تملك وسائل للدفاع عن نفسها: اول هذه الوسائل سرعة الطيران وهي اشد الطير طيراناً وابعدها مسقطاً واطولها شوطاً, وثاني هذه الوسائل: السلاح الذرق ويضرب بسلاحها المثل في كثرته, قال الجاحظ: وللحبارى خزانة بين دبره وامعائه له فيها ابداً سلح رقيق لزج فمتى ألح عليها الصقر وقد علمت ان سلاحها من اجود سلاحها وانها اذا ذرقته بقي كالمكتوف او المدبق المقيد، فعند ذلك تجمتع الحباريات على الصقر فينتفن ريشه طاقة طاقة وفي ذلك هلاكه.
قال ابن ابي فنن يصف ناساً من الكتاب في قصيدة له ذكر فيها خيانتهم ويشبه سلاحهم عند الضرب بسلاح الحبارى لكثرته:
رأوا مال الامام لهم حلالاً
وقالوا الدين دين بني صهارى
ولو كانوا يحاسبهم امين
لقد سلحوا كما سلح الحبارى
وللحبارى ريش جميل مزركش لفت نظر ابي نواس فاثبته في احدى طردياته فشبه حباريات جلهتي ملحوب موقع؟ وهن يرفلن بثياب الريش القشيبة وبالبرانس المجرة الموشاة بجماعات من النصارى تلمع صلبانهم على ثيابهم الجديدة الموشاة التي يلبسونها في يوم عيد بهيج من اعيادهم، قال:
يا رب غيث آمن السروب
حباريات جلهتي ملحوب
فالقطبيات الى الذنوب
يرفلن في برانس قشوب
من حبر عولين بالتهذيب
فهن امثال النصارى الشيب
في يوم عيد مبرز الصليب
ذعرتها بملهب الشؤبوب
القطبيات، والذنوب: من ديار بني اسد، وقشوب: بيضاء نقية, ملهب الشؤبوب: الصقر.
ويقول شاكر 1405ه/1985 في كتابه الحيوان في الادب العربي عن الحبارى ما يلي:
ومن اسماء الحبارى:
الخرب بفتح الخاء والراء وهو ذكر الحبارى، والجمع اخراب وخراب وخربان الحبارج والحبرج واليحبور من اسماء الذكر ايضاً.
ويسمى فرخ الحبارى:
الحارض والحبربر والحبربور والحبرور والحبرير والنهار واليحبور,ومما ورد عنها في الامثال:
اذرق من حبارى ، و اسلح من حبارى
لانها ترمي الصقر بسلحها ذرقها اذا اراغها فتلوث ريشه بلثق سلحها.
اطير من حبارى .
قال الجاحظ: والحبارى من اشد الطير طيراناً وابعدها مسقطاً واطولها شوطاً واقلها عرجة العرجة: ان تعرج على المنزل وذلك انها تصطاد بظهر البصرة عندنا فيشق عن حواصلها فيوجد فيها الحبة الخضراء غضة لم تتغير ولم تفسد, واشجار الحبة الخضراء بعيدة المنابت منا وهي علوية او ثغرية او جبلية.
اكمد من حبارى و فلان ميت كمد الحبارى .
لانها تلقي في التحسير حذف الريش عشرين ريشة دفعة واحدة فتقعد عن الطيران ثم تبطىء, فاذا رأت الطير تطير كمدت وربما ماتت كمداً.
أموق من الحبارى .
ذلك ان الحبارى تأخذ فرخها قبل نبات جناحه فتطير معارضة له ليتعلم منها الطيران فتعرضه لخطر السقوط.
ان الحبارى لتموت هزالاً بذنب بني آدم .
جاء في حديث انس، ويعني: ان الله يحبس يمنع المطر بشؤم ذنوبهم وانما خصها بالذكر لانها ابعد الطير نجعة.
سلاح الحبارى
يضرب مثلاً للضعيف يستعين بالآلة اللئيمة على مقاومة من هو اقوى منه.
كل شيء يحب ولده حتى الحبارى ويذف عنده
مثل سائر عند العرب، وورد في حديث لعثمان بن عفان رضي الله عنه, ومعنى قولهم: يذف عنده، اي تعارضه بالطيران ولا طيران له لضعف خوافيه وقوادمه, وقال ابن الاثير: خص الحبارى بالذكر في قوله: حتى الحبارى، لانها يضرب بها المثل في الحمق، فهي على حمقها تحب ولدها فتطعمه وتعلمه الطيران كغيرها من الحيوان.
وعيد الحبارى
يضرب مثلاً للضعيف يتوعد القوي, ومن امثال العرب تقول: وعيد الحبارى الصقر، قال الشاعر:
اقل عناءً عنك ابعاد بارقٍ
وعيد الحبارى الصقر من شدة الرعب
مما ورد في الشعر:
قال المتنبي:
فلا تنلك الليالي ان ايديها
اذا ضربن كسرن النبع بالغرب
ولا يعن عدواً انت قاهره
فانهن يصدن الصقر بالخرب
وقال قيس بن زهير صاحب داحس:
متى تتحزم بالمناطق ظالماً
لتجري الى شأو بعيد وتسبح
تكن كالحبارى ان اصيبت فمثلها
اصيب وان تفلت من الصقر تسلح
وقال الشاعر:
ما رأينا خربا نق
ر عنه البيض صقر
وقال ديك الجن:
وسرب حباريات فوق طرد
اشبهها بمشيخة جلوس
وقال متمم بن نويرة من قصيدة يرثي بها اخاه مالكاً:
وارملة تمشي بأشعث محثل
كفرخ الحبارى رأسه قد تضوّعا
المحثل: الذي اسيء غذاؤه، وتضوع: تفرق والمراد شعر رأسه.
وقال زهير بن أبي سلمى من قصيدة:
تراخى به حب الضحاء وقد رأى
سماوة قشراء الوظيفين عوهق
تحن الى مثل الحبابير جثّم
لدى سكن من قيضها المتفلق
تراخى: تطاول وتباعد، والضحاء: للابل: مثل الغداء للناس، وسماوة الشيء: اعلى شخصه، قشراء: نعامة منقشرة السابق لا ريش عليها، والوظيف: عظم الساق، وعوهق: طويلة العنق، تحن: اي النعامة والحبابير: جمع حبارى وقد شبه فراخ النعامة بها والقيض: قشرة البيض.
وقال أبو الاسود الدؤلي:
وزيد مائت كمد الحبارى
اذا ظعنت لطيقة او ملم
وقال ذو الرمة جمهرة اشعار العرب
كأنهن خوافي اجدل قرم
ولّى ليسبقه بالامعز الخرب
والخوافي من الجناح هي اربع ريشات, وريش الجناح عشرون ريشة اربع قوادم واربع مناكب واربع اباهر واربع خوافي واربع كلى, والاجدل: الصقر سمي بذلك لشدة فتلة في خلقه, وقرم الى اللحم: مشته له، والامعز: ما غلظ من الارض وكان فيه حصى والخرب: ذكر الحبارى وجمعه خربان.
وورد في كتاب انتهاز الفرص في الصيد والقنص للامام تقي الدين ابي العباس حمزة الناشري اليمني الزبيدي- المتوفي سنة 926ه وتحقيق عبدالله محمد الحبشي- عن الحبارى ما يلي:
حبارى: طائر يقع على الذكر والانثى، واهل مصر يسمونه الحبرج.
قاله ابن الوراق، وتسميه اهل زبيد حبروج .
وهو طويل العنق، رمادي اللون، في منقاره بعض طول، وهو كبير الجثة طويل الرجلين، ولحمه بين لحم الدجاج والبط, يزيد في الباءة الجماع وهو يأكل الثعابين الكبار.
ومن شأنه ان يصاد ولا يصيد، وفي الامثال اسلح من حبارى , واذا لج عليه طائر ليصيده سلح عليه فيتمعط ريشه, وتقدم في الاحاديث عن سفينة قال: اكلت مع رسول الله صلى عليه وسلم حبارى, رواه الترمذي.
وقد ورد في مجمع الامثال للميداني الامثال التالية عن الحبارى:
اجبن من نهار والنهار: اسم فرخ الحبارى و خربان ارض صقرها ملت, وألت الصقر: اذا ادخل رأسه تحت ريشه, يضرب هذا المثل لقوم يعيثون في ارض غفل صاحبها عنهم, و شهدت بأن الخبز باللحم طيب وان الحبارى خالة الكروان ,و ما رأيت صقراً يرصده خرب يضرب للشريف يقهره الوضيع, و نقي نقيقك فما انت الا حبارى .
د, عبدالرحمن بن سعود الهواري

* المراجع:
- ابو سويلم انور عليان، 1403ه-1983م, الطبيعة في شعر العصر العباسي الاول دار العلوم للطباعة والنشر.
- التميمي، فارس، 1992م, الصقور والصيد عند العرب ,- مطابع علي بن علي- الدوحة- قطر.
- الدميري، كمال الدين, حياة الحيوان الكبرى وبهامشه كتاب عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات لزكريا بن محمد القزويني, دار الفكر, بيروت- لبنان.
- شاكر هادي شاكر، 1985م , الحيوان في الادب العربي .
- عالم الكتب- مكتبة النهضة العربية.
- الصالحي، عباس مصطفى، 1402ه- 1981م, الصيد والطرد في الشعر العربي حتى نهاية القرن الثاني الهجري , المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- بيروت- لبنان.
- المعلوف، امين 1932م, معجم الحيوان
- دار الرائد العربي, بيروت- لبنان.
- القرشي، أبو زيد محمد بن ابي الخطاب, جمهرة اشعار العرب في الجاهلية والاسلام تحقيق علي محمد البجادي.
- الميداني، احمد بن محمد بن احمد بن ابراهيم النيسابوري, مجمع الامثال تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد, جزء 1،2 دار الفكر 1393ه- 1972م.
- الناشري، الامام تقي الدين أبي العباس حمزة انتهاز الفرص في الصيد والقنص تحقيق: عبدالله محمد الحبشي, الدار اليمنية للنشر والتوزيع 1405ه- 1985م.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
محاضرة
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
اليوم الوطني
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved