*تطلع الى هالة الضوء في عمود إنارة على الطريق، فستجد أن كثيراً من الكائنات الطائرة قد اقتربت منه ودارت عليه واصطدمت به، في حركة مزدحمة لاتتوقف إلا إذا انطفأ ذلك النور!
صورة حسية من الميدان العام، لكنك تراها ايضا في صورة اولئك الذين يزدحمون على اضواء الإعلام انهم يقتربون منها ويدورون حولها، ويرغبون ان يظلوا في نورها والاينسحبوا عنها إلا اذا اطفئت عنهم!
والإعلام بمعناه العام يضيء على مواقع كثيرة مثل الرياضة والفن فتمتزج هذه مع الصحافة والإذاعة والتلفاز فتتشعب الطرق وتتلون المواقع، ولكن يظل الوادي المضيء يجمع اليه الناس جميعاً، كل يريد ان يدخل في دائرة الضوء، معبراً عن نفسه وعن موهبته، وعن شخصيته وامكاناته! فما الذي يعطيه الضوء للإنسان؟ هل لأنه يعطيه المال؟
فما بال رجال الاعمال والمال إذن يبحثون عن الاضواء؟1 لو ارضاهم المال لما بحثوا عن ارضاء نفوسهم في منطقة الضوء! ثمة انفاق واقبية عميقة في النفس البشرية لها ولهٌ بمزيد من الضوء، ربما لان الجانب المعنوي في الشخصية الانسانية لايتأكد وجوده الا اذا توجهت اليه الانظار، فكيف اذا توجهت هذه الانظار الى ميزة اوموهبة حظي بها ذلك الإنسان، انه في تلك اللحظة يستشعر سعادة فائقة سببها ارتفاع الروح المعنوية التي غذاؤها الضوء اذا كان الطعام غذاء الجسد! ولكن هذا الضوء الذي اولعت به فراشات النور دائماً مايكون مصدر احتراق لها، ثم هي لاتتعظ ولاتترك بل تمضي في دورانها على الضوء في غرام لافترة له!
والضوء الذي يعشقه الإنسان غالبا مايكون مصدر عناء واحتراق له، ولكنه لايتوب ولايقلع بل يظل في دأب سرمدي الى حيث الضوء الذي يكشف شخصيته والمرايا التي تعكس نفسه!
واسالوا ذلك المتشاعر الذي لايملك موهبة الشعر ولاصنعته، ماباله يشتري القصيدة بعصيدة؟ اي ضوء مصطنع يريد شراءه بالمال؟!
وذاك اللاعب الذي يتصنع حركة المهرة من اللاعبين، ويحاول ان يتقمص شخصيتهم!
هل سيصل الى مهارتهم وهو لايملك امكاناتهم النفسية والجسمية!؟ اي ضوء يريد جلبه بالحيل النفسية!؟
وذاك الذي يعرض نفسه للمنصب ويستخدم من وسائل الاستعراض مايستخدم! اي ضوء يتطلع اليه وهو لايملك له كفاءة ولاقدرة؟!
وهذا الذي يبحث عن الدال بشغف يريد ان يُدكتر، لما رأى انها بعد (الواو) ! وان الابواب لاتفتح الا للمدكترين! لقد كتب ملتمسه، ومهر اسمه تحته، وقبل الإسم حرف الدال ثم نطقه بعده، ثم الاسم الكريم! وسألوه ادكتور انت، فاجاب:لا! اذن ما معنى رمز الدال قبل الاسم؟ معناها (دلال) هكذا مهنتي!!
وهذا الممثل المكرر الذي يقول ان عمره الفني عشرون سنة، بينما عمره الفني الحقيقي سنة تكررت عشرين مرة! اترى الضوء له كالبحر المالح للسمكة؟ اتراه يموت لوخرج منه؟!
وهذا الصحفي الثابت ثبوت الصُّم الخوالد لاتراه يجدِّد لانه لايتجدَّد، بل هو ساكن مسكون في دار الصحافة، كل شيء من حوله تغير الا مقامه,, ثابت لايتبدل ولايتحول! ويحسب ان هذه الوسائل التقنية الجديدة المتطورة وهذا المبنى الرخامي المؤطر بالزجاج الملون قد جعلا منه صحفياً على مستوى العصر!
وينسى ان وسائل وطرائق تفكيره لم تتطور، وانه لايبقيه في موقعه الا عشقه للضوء الذي احرق ماضيه، وقد يحرق مستقبله في المهنة!
وتظل منطقة الضوء منطقة جلب، ويظل المبهور بها في سعي حثيث لمعانقة هالتها، والاستمتاع بغذائها المعنوي،واذا كان ذلك من ايجابياتها فإن من سلبياتها انها تعري وتفضح وتحرق! فهي تكشف زيف المدعين وقد يأخذهم وهجها الى حرارتها فيحترقون في اتون عشقهم السرمدي الذي لايرحم!!
عبدالكريم بن صالح الطويان