تذكر الاساطير ان ثلاثة يمتطون صهوة الثيران وحين لمع البرق شاهد احدهم ثوره يضحك فصاح في اقرانه: اذا لمع البرق طالعوا عيون الثيران.
وفي عصرنا الحاضر كأننا نسمع صائحا ينادينا: انتبهوا الى صهوة الحياة,, كل شيء يتغير بسرعة ويجب ان نواكب هذا التغير وفق ما لدينا من ثوابت نعض عليها بالنواجذ,, نحن امة نسوِّق الخير والفضيلة ونتسوَّق في أسواق التقنية للحصول على إبداعات العصر الحديث والتعايش مع ايدلوجيات تجعل العالم بين ايدينا وخصوصا مجال الاقتصاد الذي كثر فيه المنذرون والمحذرون.
والحديث عن الدكاترة كان يطغى على المجالس فيه المبدع المفرح وفيه التدني المؤسف، وفي الاعوام الماضية كنا نسمع ان رجلا استحق منح درجة الدكتوراه كل عشر سنوات في العالم العربي والآن نسمع بمن يمنح هذه الدرجة في كم هائل يتجاوز المئات كل عام، واصبحت الدال تتقدم كل بحث وكل زاوية وكل قصاصة خبر,, حتى ان بعضهم أوصى ابناءه ان يقولوا يا دكتور بدلا من ياأبي، حتى ولو كانوا على مائدة الطعام,, اي غلو هذا في رمز لم يعان فيه صاحبه ما عاناه طالب في الشهادة الثانوية ونقرأ في الصحف السائرة ان فتاة حصلت على الدكتوراه في البطاطا,, وحين قرأ هذا الخبر الاستاذ الكبير محمد حسين زيدان - رحمه الله - وزميله ضياء الدين رجب رحمه الله قال زيدان لضياء الدين (مارأيك لو حصلنا على دكتوراه في البصل المبشور) ولسنا نقلل من شأن الطبقة الراقية من الاعلام والافذاذ الذين حققوا قصب السبق في هذا المضمار واعتبروا انفسهم من طلبة العلم، فهؤلاء احرقوا انفسهم لا للوجاهة ولكن للكسب وللعطاء ولهم دورهم الكبير امام من حصل على الدكتوراه في موضوع (صوت صباح وتأثيره على القضية الفلسطينية) فإنني أناشدكم الله ما هي الظلال الوارفة التي تركها صوت المطربة صباح على القضية وهي التي يعرفها الفنانون والسياسيون وتجد من الفخر والاعتزاز ان تجتمع ببعض المؤهلين من هذه الدرجة ويكبر في عينك حتى اذا احتدم النقاش وجدت إنسانا خلو الوفاض وقد ساهم احد هؤلاء في وجهة نظر في الاذاعة السعودية وأتى بما يضحك فكرة واسلوبا ولغة, ولم يطق زميلنا الاستاذ حمد القاضي صبراً فحبَّر مقالا عنوانه (رفقاً بطلبة الابتدائي يا دكتور) اما الرجل الطيب الذي يشغل منصب وكيل وزارة، فقد حمل حقيبته الى الخارج طلبا للشهادة وخاطبه احد اصدقائه: وأي منصب اكبر مما أنت فيه, قال: (انها للوجاهة يا صديقي) ولقد أسفّت بعض الدور الاجنبية المزيفة فأخذت تمنح الماجستير والدكتوراه في مجالات العلوم الانسانية مقابل مبالغ زهيدة.
والتقيت رجلا يحمل الدكتوراه في اللغة العربية ويدرس المرحلة الابتدائية (خارج المملكة) قلت: ان مؤهلك عالٍ ولديكم الكثير من المتعاقدين فلماذا لا تُدرّس في الجامعة اجاب (الابتدائي,, والابتدائي كثير).
والسؤال الوارد من هم دكاترة الألفين؟؟ في عالمنا العربي المترامي حصلوا على هذه الدرجة في العلوم الانسانية ولم تتح لهم فرصة العمل في الكوادر الحكومية وضاعت اعمارهم متنقلين بين دول واخرى بحثا عن عمل يناسب المؤهل وفي النهاية رضوا بأدنى عمل,, وهل سنفاجأ ببطالة حتى في المؤهل العالي؟
وفي نطاقنا المحلي يسعدنا الشاب المجنح بشعوره الطموح نحو تحقيق المؤهلات العليا، ولكن ببصيرة نافذة تجسدها حاجة العباد والبلاد,, حين نقف على حجم المشكلة ونتصور عمق الحاجة الى تنوع تخصصات ابنائنا فعلينا زيارة المستشفيات والمستوصفات ليرى من الذين يباشرون علاج المرضى في التطبيب والتمريض والخدمات العلاجية الاخرى, وبالتالي سيعرف ماذا حققنا من رصيد في عالم الدكاترة,, إن توجه الشباب يجب ان يكون منطلقا من حاجة البلاد الى خوض معترك العلوم التجريبية وتحقيق اكبر قدر من النجاح، فالحاجة ملحة الى كم هائل من الشباب الطموح,, ولن يكون هناك مجتمع راقٍ متطور الا عن طريق التعليم,, ولن يكون هناك استعداد جسمي وعقلي ما لم تكن هناك صحة,, وعلى المسؤولين في الجامعات ان يتوسعوا في إنشاء كليات الطب وليس من الضروري تحقيق الهدف الكمي بقدر ما نصبو الى رموز كيفية ناجحة,, واعتقد أننا في وضعنا الراهن لا نفتقر الى طبيب يعمل في الشؤون الادارية لأن مباشرة الطب ومواجهة المرض هو العمل الاساسي للطبيب الذي رعته الدولة وباركته حتى تمكن من تحقيق طموحاته وامل بلاده ومواطنيه,, لقد استطاعت الدولة ان توجد جنودا لمحاربة الجهل بكفاءة وطنية ضافية وهي بحول الله قادرة على محاربة المرض بكفاءات وطنية مخلصة واعدة.
عبدالعزيز بن محمد النقيدان