Thursday 30th September, 1999 G No. 9863جريدة الجزيرة الخميس 20 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9863


(ترجل الفارس المغوار)

يرحم الله الامير فيصل بن فهد رحمة الابرار لقد وقع نبأ موته المفاجىء وقع الصاعقة على كل ابناء هذا الوطن، وابناء الامة العربية شبابه وشيبه,, ومن هول الفاجعة اتجهت النفوس والعقول الى عدم تصديق النبأ وان هناك لبساً,, لان الامير فيصل كان ملء السمع والبصر، للحظات فأخبار تنقلاته بين القاهرة، وتونس، والمغرب، واخيرا بين الرياض وعمان،وزياراته المختلفة لمؤسسات سعودية واردنية,, وتناقلت وسائل الاعلام المختلفة تلك الاحداث وتابعته من حفل افتتاح الدورة العربية التاسعة وهو يلقي خطابه التاريخي رحمة الله عليه الذي كان قطعة فنية من البيان العربي الساحر الى لقاءاته برؤساء الاتحادات الرياضية العربية,, الى زيارته الخاصة لمبرة ام الحسين للايتام وتبرعه بمليون دولار وما افاضت في الحديث عنه الاميرة زين بنت الملك الحسين باكبار عظيم، وتقدير بالغ, نقول ان النفوس جبلت على انكار ما لا تود تصديقه اجل؛ ان موت الامير فيصل المفاجىء مثّل حدثا مريعا لابناء المملكة ألجم الالسنة، واكرب النفوس ، وجرح القلوب وعطل الفكر، وعجزت النفوس عن الكلام، والتعبير عن وقع الفاجعة,,, ولكن سواء صدقت النفوس ام لم تصدق لقد نفذ القضاء، وترجل الفارس المغوار وتوقف عن الركض حيث لبى نداء ربه الرحمن الرحيم ليدخله في مستقر مأسوفا ومبكيا عليه من جماهير الشعب الذي خرج في جموع حاشدة لوداعه، والصلاة عليه,, كيف لا والامير فيصل اعطاهم من ذات نفسه، ووظف كل ما وهبه الله من عقل، وحكمة، وحماس ، وفهم للمسئولية وابعادها وحمل الامانة واداها بتبعاتها الثقيلة، وميادينها المختلفة,, اجل لقد تسلم الامير فيصل مسئولية - رعاية الشباب ,, وليس في طول البلاد وعرضها ملعب واحد يعتد به بالمقاييس الدولية,, واذا بالبلاد طولا وعرضا في خلال سنوات معدودات من جلوس الامير فيصل على قمة هرم مسئولية رعاية الشباب ورعاية الثقافة والاداب والفنون,, انتشرت الاستادات الرياضية، والمدن الرياضية، وبيوت الشباب، ومقار الاندية الادبية، ودور جمعيات الثقافة والفنون، اشبه بحبات اللؤلؤ نثرها فيصل بن فهد في كل مدننا المتباعدة بمساحة المملكة الشاسعة الواسعة,, حتى استطاعت بما اقام لها فيصل من ملاعب دولية استضافة بطولة كأس العالم للشباب في وقت مبكر من عام 1989م واخيرا بطولة كأس القارات التي اعتبرها الاتحاد العالمي لكرة القدم ثاني بطولة عالمية عربية كما ورد، بفضل سعي الامير فيصل لقد بلغت المنشآت الرياضية الضخمة بما فيها استاد الملك فهد العالمي (الذي يعتبر تحفة معمارية، واعجوبة رياضية على المستوى العالمي ويتسع لثمانين الف متفرج) ثمانين منشأة رياضية,, مائة وخمسة وثلاثين ناديا رياضيا,, وثلاثة عشر اتحادا رياضيا سعوديا في مختلف الالعاب الرياضية.
وبلغت معونات النوادي الرياضية اربعة مليارات ريال سعودي ولقد اثمرت جهود الامير فيصل وحماسه ومتابعته وهمته,, فتقدم منتخب كرة القدم السعودي وحقق بطولة كأس آسيا لثلاث مرات في 19984م ، 1988م، 1996م وبذلك احتفظ بكأس آسيا للأبد.
وحقق منتخب كرة القدم للناشئين كأس بطولة العالم للناشئين وقفز المنتخب السعودي الى النجومية والعالمية بوصوله الى بطولة كأس العالم للمرة الثانية على التوالي وهو انجاز كبير بكل المقاييس لتمثل الكرة السعودية الكرة العربية في ذلك المحفل الدولي وان الامير فيصل - رحمه الله - وهو يقود الاتحاد السعودي والعربي للالعاب الرياضية,, ويحقق لها الانجازات الضخمة كان في مقدمتها توثيق الروابط الاخوية بين الاتحادات العربية وحتى بين رؤسائها واعطى - رحمة الله عليه - بسخاء من دعمه المعنوي وحتى المادي,, من توجيهه ونصحه واخلاقياته العالية ما اشاد به ، واكده كل الرياضيين العرب اينما كانوا,, وكم كان اصراره عجيبا، وايمانه قويا على نجاح الاتحادات العربية,, وحاور المشكلين والغائبين بان الاتحاد: وجد ليبقى ، ويستمر ويستمر ليتطور.
وباخلاقياته العالية كان الاعتذار عن غياب البعض عن البطولات العربية انه كان له مسبباته الجوهرية، وكنا في الاتحاد نقدرها لاصحابها,, فمنحناهم الوقت لترتيب اوضاعهم للمشاركة بدون الاخلال بارتباطاتهم.
وفهم - رحمه الله - بان قيادته للرياضة معناها - تربية الشباب وملء اوقاته بما يفيد جسمه وعقله بالاندية الادبية واصداراتها الثقافية,, وحمايته من الانزلاق الى مسببات الانحراف، والضياع بتعاطي المخدرات,, والتوجهات الفكرية المنحرفة التي غررت بكثير من الشباب فأردتهم موارد الهلاك بالعنف والارهاب واخيرا السجون,.
والمنشطات وصمها الفقيد العزيز بماذا؟ بأنها:
عدو الرياضي وهي بداية نهايته في الملاعب!!
وما اثر عنه ليكمل منظومة رعايته للشباب ان الرياضة الحقة اخلاق,, ومحبة ,, وتعاون!! ويتبع القول بالعمل باعتباره راعي الشباب واميرهم,, فقد كبح جماح اي خلل سلوكي من اي لاعب مهما علا مركزه، وحساسية موقعه في المنتخب وشهرته وكفاءته بسطوة القانون ,, وسلطان العقاب.
وافرزت سياسة الامير فيصل وحزمه اخلاقية محمودة، وسلوكية عالية تمثل بها اللاعبون السعوديون في مشاركاتهم في البطولات الخارجية والمحلية.
ان الامير فيصل فقيد الوطن، والشباب ، والرياضيين في كل مكان بشهادة الجميع التي جاشت بها ضمائرهم، وهتفت بها ألسنتهم، وظهرت على سولكياتهم بالرياضة العربية,, وبشر بها في المحافل الدولية وسن سننا حسنة كانت لها آثار عظيمة في تصحيح كثير من المفاهيم، والمسار الاخلاقي,, وانشأ صداقات حميمة مع كل رؤساء الاتحادات الرياضية العالمية,, حتى ان رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم الحالي جوزيف بلاتر اشاد بدور الامير فيصل ونفوذه في فوز ترشيحه لرئاسة الاتحاد,, واضاف بانه احد الرجال القلائل الذي تربطهم به علاقة وطيدة ساهمت في دعم الرياضة العالمية والوصول بالرياضة في المملكة الى ارقى المستويات (ومن جانبه عبر عن صداقته للامير فيصل) رئيس الاتحاد العالمي السابق لكرة القدم هافيلانج، لقد حزنت على هذا النبأ الاليم الذي لم اصدقه لكنني في الاخير أؤمن بالوفاة والتي حزنت لها كثيرا فرجل مثل فيصل له اسهامات كبيرة في بناء الكرة في العالم، وكذلك اشاد بادوار الامير فيصل رئيس اتحاد الكرة الاوروبي، والاسيوي ولعلنا ونحن نصل الى السطور الاخيرة من الحديث عن الامير فيصل بن فهد فقيد البلاد الغالي وواحد من افضل الشباب العربي الذي حمل مسؤولية كبرى في خدمة دينه ومليكه وبلاده بكل الكفاءة والاقتدار ولقد احاط الرياضة بسوار معقود بعمل جبار متماسك لم يهمل جانبا على حساب جانب آخر وامن لها كل احتياجاتها من البشر والمكان,, والامكانات الآلية والمادية والحوافز المعنوية والمالية,, ووجد الحكام الوطنيون من عنايته وتوجيهه الكثير, ورجال الاعلام الرياضيون كان لهم نصيب واتجه علميا لتزويدهم بما يطور كفايتهم المهنية من خلال دورات متخصصة على ايدي كفاءات مشهورة,, والمعاقون اوجد لهم اتحادا وتبرع لهم بمليوني ريال وسبق ان تبرع لجمعيتها بعشرة ملايين ريال بل انه رحمه الله خطط لانشاء صندوق عربي للحالات الانسانية,, والطب الرياضي اخذ نصيبه ودعمه منه رحمه الله - والفرق الرياضية التي تصل الى نهائيات البطولات اقترح على الاتحادات العربية بتكريمهم ودعم ذلك التكريم في موطن البطولة,, ولعل اقرب دليل هو مكافأته منتخب مصر لفوزه بكأس افريقيا لكرة القدم باكثر من 400,000 الف ريال واستضافتهم مع الاجهزة الفنية والادارية لاداء العمرة,, وهكذا اعطى فقيد المملكة العربية السعودية وزينة شباب العرب والمسئول الكبير عن الرياضة العربية افضل الامثلة واصلح القدوة للرائد الفذ والراعي الواعي القدير.
وبعد؛ وان كان حديث الرياضة استغرقنا فلن ينسى رجال الادب والثقافة في بلادنا دور الامير العظيم في النهضة الثقافية، وحركة النشر واحياء التراث فهو رحمه الله وراء انشاء اكثر من اثني عشر ناديا ثقافيا عمت مدن ومحافظات مملكتنا,, استقطبت الادباء والمثقفين وشداة الادب ,, واستطاعت من خلال دعم ميزانياتها المادية ان تساهم في تشجيع الادباء بطبع انتاجهم الفكري,, علاوة على النشاط المنبري الذي اثرى ساحتنا الثقافية,,, وشاهد وحاضر في انديتنا الادبية المثقفون واساتذة الجامعات والعلماء وكبار رجال القلم من خارج حدود بلادنا بل ان انديتنا الادبية قامت بطبع بعض مؤلفاتهم القيمة علاوة على المؤتمرات الادبية والندوات التي تقيمها تلك الاندية بالاضافة الى الدوريات والمجلات الرصينة التي تتنافس الاندية باصدارها مع ملفات ومجلدات اودعتها المحاضرات والدراسات التي هي حصيلتها في مواسمها الثقافية.
ان الامير فيصل هو بحق امير الشباب وراعي الشيوخ التي اطلقها عليه شيوخ الادب في حفل جائزة الدولة التقديرية (1) التي كان للفقيد الراحل فضل السعي في اخراجها وفي انشاء امانة عامة لها ونال ستة من كبار ادباء المملكة جوائزها في تظاهرة ثقافية وعرس كبير شهدته عاصمة الثقافة الرياض برعاية قائد المسيرة وعاهلها المفدى خادم الحرمين الشريفين وشرف الاحتفال صاحب السمو الملكي الامير ولي العهد الامين وسمو النائب الثاني واصحاب السمو الامراء والفضيلة العلماء وجموع حاشدة من مثقفي واساتذة الادب من ضيوف رعاية الشباب من داخل المملكة وخارجها انها مآثر عظيمة للراحل الكبير تذكر له باجلال في سجل اعماله الخالدة في خدمة العلم والمعرفة ولن ننسى رعايته لمؤتمر الادباء الثاني ماديا ومعنويا الذي عقد في مكة المكرمة في العام الماضي 1419ه تحت مظلة جامعة ام القرى, لقد ترأس الامير الاديب الاريب فيصل بن فهد المؤتمر والقى فيه خطابا تاريخياً حيا فيه الادباء وضيوف المؤتمر والجامعة والمثقفين، واكد على دور الادب والفكر في اثراء الوسط العلمي والثقافي، وفي حماية المجتمع من اي فكر دخيل وان في تاريخ بلادنا وحضارة امتنا الاسلامية العريقة ما يجنبنا الزلل ويحصننا من الغزو الفكري ووافق - رحمة الله عليه - فورا عرض رئيس نادي جدة الادبي واقامة مؤتمر الادباء الثالث مغتبطا مسرورا ووعد بدعمه ماديا, وقد قام بتكريم مجموعة من رموز الادب، وافتتح معرض الكتاب ونحن نسجل نتفا من جهوده في نشر الثقافة، ودعم المفكرين، ورعاية حركة النشر والتأليف فان الادارة العامة الثقافية في رعاية الشباب ما فتئت تشارك في معارض الكتب الخارجية والدولية وتعد وتنشر الكتب التاريخية والثقافية وبلغت سلسلة هذه بلادي المائتي كتاب لتعرف الشباب ببلادهم عدا مجلاتها وكتبها، ونشراتها الاعلامية، ومواسمها الثقافية التي تقيمها في عواصم الدول يحاضر فيها المثقفون السعوديون/ وجمعية الثقافة والفنون من خطابه الرائع في حفل افتتاح الدورة الرياضية العربية التاسعة امام جلالة ملك الاردن الذي ختم به نشاطه المنبري المتميز:
صاحب الجلالة: لعلنا ونحن اليوم على اعتاب قرن جديد ندخل الالفية الثالثة من التاريخ الحديث مطالبون اكثر من اي يوم مضى باستقراء التاريخ، والتطلع للقادم من عقوده,, وان نؤصل في شبابنا العزيز مفاهيم المجد والانطلاق، وان نروي جذور الخير التي وضعها الله في اعماقهم منذ اشرق بالنور محمد صلى الله عليه وسلم ليظلوا شباب خير امة اخرجت للناس وان نعزز في جوانحهم مفاهيم القوة التي بنى عليها اجدادهم حضارة النور والايمان التي عجزت عن حجبها غيوم كل الحضارات اللاحقة,, وان نعمق في نفوسهم روح الاصرار والتحدي، والتنافس المحمود الذي سكن صدور آبائهم واجدادهم فتسيدوا به كل مجال، الى ان قال رحمه الله:
,,, ذلك انه ليس على وجه الارض حضارة بناها التمني ولم تعد الاماني وحدها قادرة اليوم في عصر العلوم والتقنية المتلاحقة على تشييد مسكن صغير او فلاحة دونم واحد من الارض في زمن الارادة والاصرار والتحدي,, وشبابنا قادر بحول الله وقوته ان يضيف الى صروح الامجاد العربية لبنات جديدة من المجد والحب,.
الاخوة القراء هذا فيصل بن فهد زينة شباب العرب والرائد الامين وهو يضعنا جميعا امام مسئوليتنا التاريخية لبناء الانسان المسلم وريث حضارة، وصانع امجاد والخاتمة السعيدة للامير الحبيب العبد الصالح ادخرها له ربه رب العزة والجلال بمنه ورحمته ومشيئته قبل ساعات من لقائه بربه ومغادرته دنيانا الفانية فتح الله امامه بابا للخير فاقبل كما تعودت نفسه السمحة واريحيته الكريمة ليزور دارا للايتام,, وشاهد ما هم فيه من حاجة وفاضت عاطفته بكل المشاعر الانسانية التي يحملها قلبه الكبير فقرر ان يبعث لهم شيكا بمبلغ مليون دولار ليضيف الى ارصدته رصيدا جديدا قدمه وهو قاب قوسين من لقاء الله تعالى لتكون خاتمة سعيدة ان شاء الله ولتتناقل المحطات الفضائية مع النبأ الأليم برحيله الى جنات الفردوس الاعلى صورته وهو يحتضن طفلة يتيمة من تلك الدار التي زارها وتبرع لها,, ساعات يا صاحب القلب الكبير والايمان الراسخ والعبد الصالح لرب غفور رحمن رحيم,, بشرى المؤمن يا فيصل اخير عجلها الله لك في الدنيا,, وبشرى اخرى هذه الجموع الغفيرة التي برح بها الحزن واضر بها ألم فراقك لا تفتأ تردد الدعاء لك بجنات العلى مع الاحتساب والتسليم بقضاء الله وهي تتبعك الى مثواك الاخير لتودعك عند مستقر رحمته واذا احب الله عبدا حببه الى خلقه,, وقد قال الرسول الصادق الامين صلى الله عليه وسلم ايضا انتم شهداء الله في خلقه,, وألسنة الخلق اقلام الحق فالى جنة الخلد التي اعدها الله للمتقين,, والله لا يضيع اجر المحسنين والله لا يضيع اجر من احسن عملا فرحمة الله عليك وعلى والدتك ام الجميع في سرر متقابلين في جنات النعيم برحمة الله ومشيئته - آمين -.
والعزاء نرفعه لمقام خادم الحرمين الشريفين ,, والبيت المالك الكريم واخوة الفقيد العظيم وآل بيته الاكرمين الامير نواف ووالدته واخوته وبشرانا جميعا قول الحق تعالى: (وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون) وجعل الله البركة في خلفه سمو الامير سلطان وهو خير من يحمل الامانة ويؤدي الرسالة ان شاء الله.
مصطفى حسين عطار
ساندييجو - أمريكا

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved