Thursday 30th September, 1999 G No. 9863جريدة الجزيرة الخميس 20 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9863


هواجس جامعية للحوار
(1)
إلى معالي وزير التعليم العالي مع التحية *
فوزية ابوخالد

كانت الصغيرة تجلس على الارض تتصفح الجرائد بعد عودتها من المدرسة عندما ندت عنها صيحة استغراب جعلتني - وهذا لا يحدث كثيرا - أرفع رأسي عن الكتاب الذي كنت انكب عليه بشغف وكأننا لسنا في عصر الكمبيوتر والستالايت,, وقبل ان اقمعها بنظراتي على تلك الصرخة كالامهات المهيبات او اللواتي يتصنعن الهيبة وجدت سيلا من الاسئلة يغمر ارضية الغرفة: اين ستعمل خالة د, هناء المطلق وخالة د, حنان عطا الله من قسم علم النفس,, اين ستعمل خالة د, مي العيسى وخالة د, عواطف سلامة، وخالة أستاذة ابتسام البسام وخالة د, نورة النعيم وخالة د, عائشة ابوالجدايل من قسم التاريخ، ماذا ستفعل بشهادة الدكتوراة خالة هنوف الفاسي إذا ناقشت رسالتها؟؟
لم اكن أعلم ان الصغيرة تعرف هذا العدد من الزميلات بتخصصاتهن واقسامهن، فنحن لا ننتبه ان الصغار يعلمون ويلاحظون اكثر مما نقدر الا انني لم الق بالا في هذه اللحظة لتلك الملاحظة واجبتها بتبرم ونفاذ صبر لا يخلو من استغراب لتلك الاسئلة: أين يعملن، يعملن بالجامعة، ماذا دهاك لطرح هذه الاسئلة الغُرابية، وقد انتبهت الى الصحيفة في يدها بتهكم سألت: هل قرأت خبر تسريحهن من الجامعة، الا انها بحماس طفولي ودون ان تعير اهتماما لنغمة السخرية في سؤالي الاخير اجابت : لا طبعا هذا بإذن الله لن يحدث ابدا فهن نجمات الجامعة,, وواصلت الاسئلة ولكني لا افهم الخبر، أين سيعملن واين سيذهبن اذا كان مكتوبا بالجريدة انه سيلغى قسم التاريخ وقسم علم النفس,, اسئلة هذا الجيل الصغير اكبر من عمره وهو لا يقرأ الا ليولد اسئلة تستشرف المستقبل وتستكشف ما خلف الكتابة,, وماذا سألت بانشداه وحيرة وقد انتقلت اليّ عدوى الاسئلة والحيرة، ولم يخل الامر بطبيعة الحال من خشية شخصية ان يصار الى الغاء اقسام اخرى بالجامعات قد يكون قسمي وتخصصي واحدا منها.
تذكرت ذلك القول ل (آرمسترنج) الفضائي الشهير اواخر الستينيات وفضائيين آخرين في العقود اللاحقة من الذين قضوا جزءا من زهرة اعمارهم في وكالة ناسا الفضائية يتدربون على مهارات الفضاء، بأنهم عندما عادوا الى الارض لم يجدوا عملا يتعيشون منه الا العمل في محطات الوقود لعدم تناسب مهاراتهم مع عروض العرض والطلب الارضية, وتساءلت بتوجس، هل يتعين على عدد من الاكاديميين بالجامعات في مستقبل غير بعيد ان يستعدوا للانضمام الى جحافل البطالة؟!
اسقط في يدي عندما اعادني صوت الصغيرة من هواجسي بأسئلتها الملحاح,, ماذا اقول لها هل اقول ان الخبر الذي تشير اليه قد لا يتعدى ان يكون (كلام جرايد) ولكن كيف تقبل بعد ذلك تحمل تدريباتي اليومية لها ولاخوتها على القراءة ومنها قراءة الجرائد لمتابعة ما يجري كما اقول لهم بتكرار ممل.
هذا وعدا عن مأزقي الامومي الخالص فانني نفسي حقيقة لا ادري ما هي حقيقة الخبر,, وبغض النظر عن دقة ذلك الخبر في تلك الصحيفة او سواها، فهناك حوارات تدور في الوسط الاكاديمي والعام حول هذا الاحتمال هذه الايام، (احتمال الغاء بعض اقسام الجامعات).
ولقد قرأت ايضا في ملحق جريدة الحياة الخاص بالشباب (12/6/1420ه) وكذلك ملحقها عن يوم المملكة الوطني تحقيقات عدة عن التعليم العالي, وكان في احدها على ما اذكر اشارة الى مقال الدكتور محمد عبده يماني بجريدة المدينة المنورة طالب فيه كما ذكر التحقيق الذي عدت اليه عند كتابتي لهذه المقالة بالغاء بعض الكليات بالجامعة ومنها تلك التي لم تعد الدراسات فيها مجدية مقابل التركيز على انشاء كليات جديدة تتفق مع متطلبات المرحلة الحاضرة وسوق العمل,, وان كنت أثمن الجزء الاخير خاصة من اقتراح استاذ جامعي وعميد سابق لأحدى الكليات العلمية الحيوية، الا انني لابد ان اذكر تحفظي الشديد على مسألة الغاء شيء من التخصصات والاقسام او الكليات الغاء تاما,, وأرى ان البديل هو تقليص القبول في بعض التخصصات وبالتحديد تلك التخصصات النظرية التي تشبع سوق العمل بفائض خريجيها هذا مع التوسع في كليات التخصصصات العلمية والتقنية التي يتطلبها السوق, وان كان الاقتراح الغاء بعض الكليات النظرية والاقتراح البديل بتقليص وليس الغاء بعض التخصصات، منطلقات فكرية مختلفة لكل منها تتعلق بسؤال الهدف من التعليم الجامعي، وهل التعليم الجامعي في تخصصاته المتعددة ومنها النظري هو قيمة معرفية بحد ذاته او قيمة استهلاكية ونفعية او تنموية، فإنه طالما ان الجدل لم يحسم بعد,, ويبدو انه لن يحسم في الاجلين المنظور والبعيد نظرا للاهمية الفكرية لتلك التخصصات النظرية ليس فقط في اشباع الفضول المعرفي المحض لدى الاجيال ولكن ايضا نظرا للثورة المعرفية التي حدثت للعالم مع نهاية القرن العشرين معرضة كل بناه الفكرية وأنساقه الاجتماعية وحالته النفسية وسياقاته التاريخية لضرورة اعادة التفكير وإعادة تنظيم العلاقة بين المجتمعات بعضها البعض وبينها وبين انماطها الحياتية الداخلية المعهودة وفي هذا فإن من غير اللائق ولا حتى على اساس (برجماتي) بحت ان يبحث العالم بتخصصاته النظرية المختلفة في اسئلة القرن الجديد الفكرية والتاريخية والاجتماعية والنفسية وسواها من الاسئلة النظرية والفلسفية بينما نقوم نحن بالغاء تلك المنافذ العقلية التي قد تجعل لمنطقتنا ومصالحنا دورا للمشاركة الحضارية في بحث تلك الاسئلة.
*صورة الىمدراء الجامعات,,مع التحية.
*صورة الى عمداء الكليات .
*صورة الى رؤساء الأقسام.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved