Sunday 10th October, 1999 G No. 9873جريدة الجزيرة الأحد 1 ,رجب 1420 العدد 9873


الرّواية وممارسة النقد,.
حسين المناصرة

ثمة انفتاح حقيقي للخطاب الروائي على الأجناس الأدبية المختلفة، وهذا أمر قد تناولته الدراسات النقدية الحديثة بشكل واضح بل لافت للنظر,, لكن يبدو ان مسألة انفتاح الخطاب الروائي على النقد مازالت في بدايات تشكلها، وإن كان الأمر لم يخل من دراسات نقدية صاحبت الرواية الجديدة واستلت منها الكثير من الآراء النقدية، بل قد يعد بعض الروائيين روادا في تحويل رواياتهم الى خطاب نقدي او روايات نقدية للرواية, ولأجناس أدبية اخرى عديدة، الى حد تكسرت فيه خصوصيتا النقد والرواية، وتشابكتا، فغدا الروائي ناقدا لأعماله عن طريق نقده لأبطال رواياته، او لذاته من خلال هؤلاء الأبطال.
ولا يكاد يخلو عمل روائي متميز في فضاء الروايات الجديدة، لدى مجموعة كبيرة من الروائيين، من تحول الرواية عندهم الى فاعلية نقدية، إذ نجد هذا الأسلوب شائعا في روايات جبرا، والخراط، وإلياس خوري، ومنيف، ونبيل سليمان، وحنا مينة، وغالب هلسا، وحليم بركات، والعروي وهاني الراهب,, إلخ.
ولو توقفنا على سبيل المثال عند روايات جبرا ابراهيم جبرا لوجدناها تمتلىء بالنقد، الى حد يمكن عد كل رواية من رواياته على حدة حالة نقد أدبي بطريقة او بأخرى، مما يجعل من خطابه السردي خطابا منفتحا ثقافيا على النقد بمختلف اشكاله ومناهجه.
ففي روايته الأولى صراخ في ليل طويل نقد لاذع للروايتين التاريخية والرومانسية، إذ راح البطل أمين ينتقد عملين سرديين يقوم بهما، عمله الوظيفي عند أسرة مقدسيّة طلبت منه ان يكتب رواية عن تاريخ اجدادها، فوجد هذا التاريخ لا يستحق الكتابة، وبالتالي أحرق الرواية التاريخية التمجيدية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فانه أحرق بطريقة نفسية روايته او مذكراته الرومانسية، وعد قصة حبه الرومانسية قصة ساذجة، لا تتلاءم مع المدينة الواقعية الجديدة, وراح بعد ذلك جبرا في رواياته الأخرى يتندر بقصة رومانسية عاطفية أولى كتبها قبل ان يدرك معاني الحياة الحقيقية.
ثم تتطور العلاقة بين الخطاب السردي والنقد في رواية جبرا الثانية صيادون في شارع ضيق حيث أكد البطل جميل فران المثقف, وهو يتداخل نقديا مع الكثير من النصوص الشعرية والقصصية والنقدية لمبدعين على انه يتفاعل مع شخصيات مثقفة تشتغل نقديا في احد اوجهها مع بنية الرواية الجديدة التي كتبها جبرا بالانجليزية, وبذلك احتوت الرواية على نصوص عديدة في النقد ونصوص اخرى اثير حولها النقد فهاهو أحد الشعراء يسخر من المدرسة النقدية الكلاسيكية واصفا شعره بالتحرر شكلا وأسلوبا بطريقة ساخرة ايضا من وجهة نظر الكاتب نفسه, يقول احد الشعراء مخاطبا البطل شيء مؤسف جدا, انتم معشر المدرسين، لكم طريقة في تدريس الأشياء القديمة، تعملون بها على إدامة الأشكال القديمة اما انا فاحسبني متحررا جدا في الشكل والأسلوب، الواقع انا سريالي يعجبني ان أصدم قرائي، يكرهون شعري، ولكنهم يقرؤونه مع ذلك .
وتتوالى احتفالية روايات جبرا بالخطاب النقدي، حتى نجده جزءا مهما في تكوين روايتيه: البحث عن وليد مسعود والسفينة لكنه يصبح من صميم روايته يوميات سراب عفان إذ يدخل ابطال الرواية في قراءة ممتدة مع أبطال روايتين كتبهما نائل عمران بطل الرواية, بل تصبح الكتابة عند جبرا في هذه الرواية نقدا لرواياته الخمس التي كتبها قبل ذلك، يقول البطل رواياتي الخمس قبل المرايا (رواية يوميات سراب عفان), محاولات مني تتكرر في استجلاء هذه الناحية من السلوك البشري، سواء من خلال التاريخ كما أفهمه، اومن خلال تنامي المجتمع كما أراه، او من خلال تداخل التاريخ والمجتمع معاً دون هوادة وباستمرار .
والى حد ما حملت رواية عالم بلا خرائط المشتركة بين جبرا ومنيف نقدا وحوارا بين بطل الرواية علاء السلوم وبعض اشخاص مسرحياته ورواياته, وقراءات نقدية لبعض الاشعار، وهو الهم نفسه الذي حملته ايضا رواية الغرف الأخرى لجبرا، لتغدو هذه الرواية تداخلا مع النص الخرافي، في سياق كتابة كابوسية يتداخل فيها المعلوم والمجهول، او الظاهر والباطن في شخصية البطل المتعدد الأسماء, والمتعدد الثقافات, والناقد لما يدور حوله بل الناقد لنصه بشكل خاص.
ومجمل القول ان الكتابة النقدية داخل بنية الرواية الجديدة تعد جزءا مهما من تشكيل البطل الروائي المثقف الذي يحيل بطريقة أو باخرى الى المؤلف نفسه، هذا المؤلف الذي لم يعد يرضى بدور القاص، وإنما اخذ يتشكل بدور الناقد، لشعوره بقوة التداخل بين القص والنقد، على نحو اصبحت فيه الكتابة النقدية الجديدة تنشىء نفسها في سياق جمالي، او ان شئت فقل غدت تتشكل في جمالية الإبداع نفسها.
والمسألة كما ذكرت، بحاجة الى قراءة جديدة للرواية العربية بوصفها خطابا نقديا، علما بانه قد تنبه الى هذه الإشكالية بعض النقادالعرب، وخاصة النقاد الروائيين، حيث كتبوا بعض القراءات النقدية، أذكر منهم على سبيل المثال نبيل سليمان، وسعيد يقطين، وادوار الخراط.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved