Sunday 10th October, 1999 G No. 9873جريدة الجزيرة الأحد 1 ,رجب 1420 العدد 9873


260 مليار ريال يمني تنفق على شراء القات سنوياً
الحملة على القات في اليمن تحظى بتأييد المثقفين
إجراءات صارمة ضد أفراد القوات المسلحة ونقل قادة الوحدات المتعاطين

* صنعاء- الجزيرة- عبدالمنعم الجابري
تواصل الجهات المعنية في وزارتي الدفاع والداخلية في الجمهورية اليمنية اجراءاتها المشددة التي بدأتها خلال اليومين الماضيين لتنفيذ القرار الذي اصدره مؤخرا الرئيس علي عبدالله صالح ويقضي بمنع تناول القات في صفوف افراد القوات المسلحة والامن في المعسكرات واثناء اداء الخدمة سواء داخل الوحدات ومقار العمل او خارجها,, وهو القرار الذي اتبع بآخر شمل الموظفين في مؤسسات الدولة المدنية ويمنع عنهم تعاطي القات كذلك ولكن في اماكن العمل فقط.
وكانت الجهات المعنية بالنسبة لوزارتي الدفاع والداخلية قد باشرت تطبيق القرار وعملت على تنظيم حملات تفتيش واسعة في الوحدات والدوائر العسكرية ومراكز الشرطة ونقاط المرور في عموم المحافظات اليمنية.
واكدت مصادر مطلعة ان عدداً غير قليل من ضباط وافراد الجيش والامن تم ضبطهم منذ اليوم الاول لسريان قرار منع القات نتيجة المخالفة,, حيث ينص القرار على اتخاذ اجراءات عقابية قاسية ضد من يخالف ماجاء به,, وقد اقرت وزارة الدفاع عقوبة المخالفين بالنسبة لقادة الوحدات والدوائر التابعة لها بالسجن لمدة ستة اشهر والابعاد عن المنصب, كما يمنع القرار دخول العسكر بين اسواق القات بلباسهم الرسمي حتى في خارج اوقات الخدمة,
وقد قوبلت هذه الاجراءات بتفاعل وارتياح واسع في اوساط الشارع اليمني وخصوصاً من قبل المثقفين الذين ينظرون اليها بأنها خطوة ايجابية تصب في اتجاه البحث العملي عن المخارج والحلول لمشكلة القات ومعالجة الآثار السلبية المختلفة لهذه الشجرة في اوساط المجتمع اليمني, وبالنسبة لمنتسبي الجيش والامن فان الاجراءات الاخيرة لعل الهدف منها هو بدرجة اساسية لمساعدتهم على التخلص من الآثار السلبية الناتجة عن تعاطيهم وريقات شجرة القات، سواء من الناحية الصحية او المادية، حيث ينفقون معظم ان لم يكن كل مايحصلون عليه من مرتبات على شراء القات مما يترك اثره على الاوضاع المعيشية لاسرهم,, اضف الى ذلك ان القرار يهدف الى تعزيز الانضباط العسكري علاوة على التغلب على المظهر غير اللائق اصلا لتناول القات اثناء العمل واداء الخدمة وخصوصاً عند ارتداء اللباس الرسمي, ومع انه كانت قد صدرت توجيهات مشابهة قبل عام تقريبا بمنع العسكريين من تناول القات ولم تنفذ حينها لسبب او لآخر، لكن الامر في هذه المرة تبدو عليه الجدية والحزم من خلال الخطوات التنفيذية السريعة والاجراءات الصارمة في هذا الجانب.
وجاء هذا القرار في الوقت الذي كانت قد تزايدت فيه الاصوات المطالبة بايجاد الحلول والمعالجات لاضرار ومشكلات القات والتي اخذت تبرز وتتفاقم بصورة مخيفة وبالذات منذ مايتراوح بين 10 الى 15 عاما الاخيرة.
ولعل ابرز تلك المشكلات تتمثل بالجوانب الصحية والاقتصادية والمعيشية للسكان,, وبحسب ما اكدته الدراسات من قبل بعض المتخصصين والمهتمين فهناك العديد من الامراض الخطيرة التي ظهرت وانتشرت بشكل غير عادي في اوساط المواطنين ممن يتعاطون القات خلال السنوات الاخيرة,, ويعود السبب الرئيسي في ذلك الى استخدام مزارعي هذه الشجرة للمبيدات والمواد الكيميائية السامة والقاتلة بصورة واسعة وعشوائية، ونتيجة لذلك فقد ظهرت تلك الامراض التي من ابرزها واخطرها سرطان الفم والرئة والدم وبعض امراض الجهازين التنفسي والهضمي, وفي كتاب القات والعقم وانفصام الشخصية اشار الدكتور ناصر عبدالله عوض الى انه وعلاوة على ماذكر فان عملية التدخين واستخدام التبغ اثناء تعاطي القات تزداد بصورة كبيرة، وبالتالي يؤثر ذلك على النطف المنوية ومن ثم يؤدي الى الضعف الجنسي نتيجة احتواء السجائر على مادة النيكوتين وهي المادة التي ثبت اثرها السلبي على المقدرة الجنسية بالنسبة للرجل، كما ان القات يؤدي الى فقدان الشهية والتوتر العصبي وعدم القدرة على النوم الطبيعي,, ويؤكد الدكتور ناصر عبدالله عوض في كتابه بأن للقات كذلك آثاراً صحية سلبية بالنسبة للاطفال نتيجة تعاطي بعض الامهات الحوامل لهذه المادة الى جانب التبغ حيث يؤدي ذلك الى فقدان الشهية لدى هؤلاء الامهات فتكون التغذية ناقصة وغير سليمة، فينعكس ذلك على تغذية الجنين وتكوينه في رحم امه ومن ثم يكون وزنه ناقصا عند الولادة,, وكذلك الحال بالنسبة للام المرضعة، حيث تقل نسبة الحليب لديها وبالتالي نقص تغذية الطفل بالرضاعة الطبيعية من حليب الام.
وفي سياق ذكر اثر القات على المقدرة الجنسية فان مايمكن الاشارة اليه هنا هو انه لو كان الامر فعلا كذلك، في الوقت الذي تعاني اليمن من انفجار سكاني كبير ومعدل النمو يصل الى 3,7% سنويا وفقا للاحصائيات، فكيف سيكون الحال لو لم يوجد القات؟!
وفي هذا الاطار هناك من الاشخاص الذكور من يجد في تعاطي القات مايعزز من القدرة الجنسية ويرى ان الوضع بالنسبة لهذه المسألة عقب تناول القات يكون افضل مما هو عليه في حال عدم تعاطي هذه المادة,, وفي الوقت نفسه هناك من يجد في ذلك اثراً سلبياً على المقدرة الجنسية، حيث يشعر الشخص بنوع من الضعف وعدم القدرة على اداء المهمة بصورة طبيعية الا بعد زوال مفعول مادة القات والذي يتطلب عدة ساعات,, ولعل هذه الاشياء تنطبق كذلك على النساء اللاتي يتعاطين القات,, وهناك من يربط هذا التفاوت بين الاثر الايجابي والاثر السلبي للقات بالنسبة للمقدرة الجنسية بنوعية وجودة هذه المادة، فهناك انواع متعددة وكثيرة من القات في اليمن وهي تختلف من منطقة الى اخرى.
وكما توجد اضرار صحية توجد ايضا اضرار اقتصادية ومعيشية كبيرة تتسبب بها شجرة القات، خصوصاً في اوساط الفئات الاجتماعية الفقيرة ومحدودي الدخل، حيث نجد الكثير من ارباب الاسر ينفقون على القات اكثر ما ينفقونه على الاشياء الاساسية الاخرى كالمواد الغذائية وغيرها.
وكانت بعض الاحصائيات التي اجريت قبل مايقرب من خمسة اعوام قد اشارت الى ان متوسط الانفاق على القات في اليمن يصل الى اكثر من 20% من اجمالي الانفاق على المواد الغذائية والاساسية, وتقدر الدراسات حجم الانفاق اليومي على القات من جانب المواطنين اليمنيين بنحو 750 مليون ريال، اي مايقارب من 260 مليار ريال في السنة، ولعل من اشهر انواع القات في اليمن مايعرف بالشامي والهمداني والضلاعي والجشي والصبري والشرعي والسوطي وغيرها من الاصناف التي تسمى بأسماء المناطق التي تزرع فيها,بالطبع فان الاسعار تتفاوت بحسب جودة ونوعية القات بحيث تجد ذلك يبدأ من 150 ريالاً للرزمة التي تكفي لشخص واحد وهي من النوعية التي يمكن اعتبارها الاردأ على الاطلاق، ويتصاعد هذا السعر تبعا للنوعية وقد يصل الى خمسة الاف ريال للكمية التي تكفي لشخص واحد,, والانواع الرديئة عادة مايقبل عليها الفقراء ومحدودو الدخل وصغار الموظفين، اما الانواع الفاخرة عادة مايكون الاقبال عليها من قبل التجار وكبار المسؤولين.
ومن الآثار الاقتصادية الاخرى للقات ان هذه الشجرة بانتشارها الواسع قد استحوذت على مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية وحلت محل الكثير من المحاصيل الاساسية ذات الجدوى الاقتصادية,, وتشير بعض الاحصائيات الى ان مساحة الاراضي المزروعة بالقات في الجمهورية اليمنية تصل الى 150 الف هكتار، وهي تعادل مانسبته 7% من اجمالي المساحة الصالحة للزراعة، وتتوسع زراعة القات سنويا الى ما مساحته 2150 هكتار,, وتستهلك شجرة القات مايقرب من 70% من حجم المياه المستخدمة في الزراعة، ويرى الخبراء بأن زراعة القات تعد من الاسباب الرئيسية وراء مشكلة المياه التي تواجهها اليمن جراء انخفاض منسوب الاحواض الجوفية التي يستنزف القات النسبة العالية من مياهها.
واذا كان الرجال عادة مايجتمعون في مجالس خاصة لتعاطي القات، فكذلك الحال ايضا بالنسبة للنساء وان كانت نسبة تعاطي ذلك في صفوفهن اقل من متعاطيه من الذكور,, فهناك تجتمع النساء في جلسات خاصة بهن لتعاطي القات وماقد يتخلل ذلك من استخدام التبغ وتدخين السجائر,, وكما يقال فان بعض السيدات يحرصن على اقتناء اجود انواع القات ويمتزن في ذوقهن عن الرجال,, وفي صنعاء يطلق على جلسة تعاطي القات الخاصة بالنساء الفريطة .
وكانت احدى الباحثات في جامعة صنعاء وهي نجاة محمد خليل قد اجرت دراسة ميدانية شملت 805 نساء يتعاطين القات ومن شرائح مختلفة على اساس الفئات العمرية ومستوى التعليم والعمل وغيره,, واظهرت الدراسة ان اعلى نسبة لتعاطي القات هي في صفوف النساء اللاتي تتراوح اعمارهن بين 25 الى 34 سنة وتصل الى 42,1%، ومن حيث التعليم فان نسبة تعاطي القات في صفوف الجامعيات تصل الى 34,3% وهي اعلى نسبة واقل نسبة 10,1% وهي ممن يقرأن ويكتبن، وبحسب العمل فقد كانت اعلى نسبة في صفوف ربات البيوت وبلغت 66,5%.
وعودة الى قرار منع تناول القات في صفوف العسكريين وكذلك الموظفين في الجهاز الاداري للدولة داخل مقرات العمل وهو القرار الذي وصف بأنه إيجابي على طريق معالجة واحدة من المشكلات الملحة في اوساط المجتمع اليمني يرى بعض المراقبين انه قد يواجه بعض الصعوبات التي يمكن ان تحول دون استمراريته في حال عدم توفر البدائل,, وهذه البدائل يمكن القول انها ذات اتجاهين الاول يتعلق بالمتعاطين للقات والآخر بالمزارعين فبالنسبة للمتعاطين تتمثل المشكلة بعدم وجود البدائل الكافية لقضاء اوقات الفراغ عوضا عن جلسات القات نظرا لقلة ومحدودية المراكز الترفيهية والاندية الثقافية، والحدائق والمنتزهات العامة في اليمن.
اما مزارعو القات في حال ماارادت الدولة تقليص مساحة الاراضي المزروعة بهذه الشجرة فانه لابد اولا من ايجاد البدائل المناسبة لهؤلاء المزارعين، وهذا الامر ليس سهلا ولاسيما اذا ماوجدنا ان عدداً غير قليل من سكان المناطق الريفية وبالذات الجبلية في اليمن يعتمدون كليا في معيشتهم على شجرة القات، خصوصاً وان بعض المناطق غير صالحة لزراعة المحاصيل الاخرى وان وجد ذلك فهو ينحصر على انواع محدودة من الحبوب التي عادة مايكون محصولها ضئيلاً للغاية ولايتناسب احيانا حتى مع حجم مايبذل من جهد أو ماينفق من مال على ذلك.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved