Thursday 14th October, 1999 G No. 9877جريدة الجزيرة الخميس 5 ,رجب 1420 العدد 9877


الشيشان أرض للإرهاب الروسي
رضا محمد لاري

يدخل العالم من بوابة العنف في العلاقات الدولية بعد ان اغلقت بوابة الحوار، وكان من الطبيعي ان يؤدي ذلك الى ظهور استخدام القوة في الصلات التي تربط الناس بعضهم ببعض، حتى ظهر في القاموس السياسي الارهاب الذي اصبح ظاهرة دولية يلاحق الممارسين له لتقديمهم للمحاكمة عن الجرائم التي روعوا بها الآمنين.
خلط الاوراق عند التحدث عن الارهاب جاء متعمدا من الدول المتسلطة حتى تدخل الكفاح والنضال تحت مظلة الارهاب، وحتى تخرج عدوان الدول على بعضها من تحت مظلة الارهاب الذي تحول الى لفظ كلي مستغرق كما يقول فلاسفة المنطق ليشمل كل العنف الذي يمارسه الافراد بغض النظر عن دوافعه واهدافه، وتحويل ارهاب الدول الى اعمال بوليسية لملاحقة الافراد الذين يمارسون العنف.
هذا الخلط بين الاوراق عند التحدث عن الارهاب أدى الى ظهور ادران سرطانية في العلاقات الدولية فاصبح حجم الارهاب اكبر من واقعه بعد اعتبار النضال والكفاح إرهابا وزاد من الورم الارهابي ان الدول تواجه الارهاب ضدها بارهاب معاكس على غيرها من دول كضرب امريكا لمصنع دواء في السودان بعد ضرب سفارتيها بنيروبي ودار السلام دون ان يكون تحت يدها دليل قاطع بمشاركة السودان في هذا العمل الارهابي ضدها في تنزانيا وكينيا، ودون ان تعرف ماضربت حيث كان ظنها ان ما ضربته مصنع للسلاح وليس مصنعا للادوية فوقعت في الاثم بالفعل والظن معا.
بداية الارهاب كظاهرة دولية لم يكن شعبيا وانما جاء رسميا وجاء ذلك باختطاف فرنسا في عهد الجمهورية الرابعة طائرة الزعماء الجزائريين الخمسة احمد بن بيلا ورفاقه وتقديمه للمحاكمة في باريس بتهمة ممارسة العنف في داخل الجزائر والارهاب ضد السلطات الفرنسية بها، في الوقت الذي كانت فيه ادوارهم اعمالا نضالية وكفاحا ضد الاستعمار الفرنسي، وقدم هذا النضال مليون شهيد في سبيل استقلال وطنهم الجزائر.
انتقال الارهاب الرسمي الى ممارسات تقوم بها عصابات متخصصة في الارهاب لم يلغ السمات الرسمية عن الارهاب لان هناك دولا لاتزال تمارس الارهاب في ثوبه الرسمي كاختطاف امريكا للرئيس البنمي مانويل نوريجا وتقديمه للمحاكمة في واشنطن بتهمة ملفقة ادت الى حكم جائر بسجنه.
وبدأ يعرف في الافق الدولي نوعان من الارهاب اخطرهما ارهاب الدولة الذي تمارسه في وضح النهار وعلى عينك يا تاجر دون ان يسألها احد عليه خصوصا بعد ان وظفت هذه الدول الارهابية الامم المتحدة واتخذتها مظلة تضفي الشرعية الدولية على الاعمال الارهابية التي تقوم بها الدول المتخصصة في الارهاب أبرزها اسرائيل على المستوى الاقليمي في الشرق الاوسط، والولايات المتحدة الامريكية على الكرة الارضية، فأين ما وليت وجهك رأيت الوجه الامريكي القبيح الذي يضر بمصالح الشعوب في الارض.
اما ارهاب الافراد فهو نتيجة طبيعية لارهاب الدول لان الارهابيين نقلوا عن الدول العمل الارهابي واخذوا يمارسونه على المستوى الدولي، وتطورت اعمالهم الارهابية الى الدرجة التي جعلتهم يمارسون الارهاب بالنيابة عن الدول المختلفة اكبر شاهد على ذلك دول امريكا اللاتينية التي اتخذت من رجال الارهاب مقاولين من الباطن لاعمال ارهابية تعود بالنفع عليهم وعلى الدول التي استأجرتهم وسهلت لهم مهمتهم مثل تجارة المخدرات وغسل الاموال وكثير من اعمال القتل للخصوم السياسيين والنهب لاموال الغير.
لا نبالغ لو قلنا ان دول امريكا اللاتينية قامت بخصخصة الارهاب واصبح يعرف في عالم الارهاب (البارونات) الذين حققوا ثروات طائلة خيالية من اعمال ارهابية، واصبح هذا المال الحرام يقدم الحماية لهم ويقدم التسهيلات لاعمالهم الارهابية.
في ظل هذه الحماية للنفس والتسهيلات للاعمال اصبح الارهاب مهنة لها ضوابطها وكوادرها الوظيفية المتخصصة حتى اصبحت مكافحتها محفوفة بكثير من المخاطر لردود فعلها العنيفة ضد كل من يقف في طريقها، وزاد من خطورتها امتلاكها لاسلحة الدمار الشامل الذي حصلت عليه من حراج السلاح النووي الروسي، وهو ما جعل القضاء على الارهاب مستحيلا ومكافحته حلما غير قابل للتفسير، واصبح العالم كله يعيش في كوابيس الارهاب لا تخرجه منها يقظة دولية تطالب بعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الارهاب، لان الدول نفسها اما متورطة في الارهاب باعمالها واما متعاملة مع الارهابيين واما عاجزة عن الوقوف في وجه الارهاب بقدراته الاجرامية الكبيرة والمتطورة.
لا اريد ان اصل معكم الى مراحل الاحباط في مكافحة الارهاب على المستوى الدولي بعد ان اصبح ظاهرة عالمية وانما اريد ان اقول بان بداية المكافحة للإرهاب تأتي من امتناع الدول عن ممارسة الارهاب بصورة مباشرة او تحت مظلة الشرعية الدولية (الامم المتحدة) كما حدث مع الصومال او من خلال المقاولين من الباطن كما يحدث في امريكا اللاتينية فتتفق الدول ببعدها الفعلي عن الارهاب الى تحديد معالمه والفصل الواضح بينه وبين النضال الشعبي حتى يمكن اعتباره جريمة دولية يعاقب مرتكبها بعقوبات محددة لكل جرائمه مثل ما فعلت بعض الدول ومنها بلادنا بفرض عقوبة الاعدام على مهربي المخدرات اليها ومروجي المخدرات بها.
يصعب الوصول الى هذه المحاربة للارهاب في المدى القريب او حتى البعيد طالما تواصل الدول ممارسة الارهاب، والعالم يختلف في معاملته مع ارهاب الدول وفقا لمكانة الدول المجرمة بالارهاب مثل محاربة الصرب على ارهابها بقوات حلف (الناتو) وارسال الخبير الدولي الى كوسوفا واتهام سلوبودان ميلوسيفيتش بالقتل الجماعي للانسان، ولم تتمكن الاسرة الدولية من خلعه بنزع الحكم منه وتقديمه للمحاكمة الدولية في لاهاي لان روسيا تقدم الحماية له وتمنع الدول من المساس به وتساعده في قمع المعارضة المطالبة باخراجه من السلطة والحكم.
الوضع في اندونيسيا اخطر واضل سبيلا لان امريكا ومن خلفها الامم المتحدة تجرم جاكرتا لرفضها القبول بانفصال اقليم تيمور الشرقية عنها، وقامت واشنطن بالاشراف على ارسال الجند الدولي الى الاقليم لفرض انفصاله عن اندونيسيا تنفيذا لاستطلاع رأي مصطنع قامت به الامم المتحدة.
يقابل كل هذه المواقف ضد الارهاب في الصرب والقيام بالارهاب في اندونيسيا صمت كامل علىما تقوم به روسيا من ارهاب ضد داغستان حتى تمنع حصولها على الاستقلال الذاتي، واندفعت بجندها الى جمهورية شيشان المستقلة لمعاقبتها على تقديم العون للمناضلين في داغستان ضد التسلط الروسي عليهم.
رفضت موسكو الوساطة الدولية بين الدولتين الجارتين روسيا والشيشان وحذرت من تدخل القوات الدولية بفض الاشتباك بينهما، واعلنت موسكو بانها ستلغي استقلال هذه الدولة وتفرض عليها التبعية الكاملة لروسيا.
لقد مضى عشرون يوما على العدوان الروسي ضد الشيشان، وقتل الجند الروس الغازون الكثير من المواطنين جلهم من المدنيين العزل، والدنيا باسرها تقف متفرجة على ارهاب الدولة الذي تمارسه روسيا خوفا من الصدام معها لما عندها من اسلحة الدمار الشامل ومنها القنابل النووية التي يمكن ان تصيب كل بقعة في الارض، بذلك يمكن ان نسمي ارهاب الدولة الروسية لا يقف عند حدود ضرب جيرانها لفرض ارادتها عليهم بالقوة وانما يمتد ارهابها الى تخويف العالم من سلاحها النووي في حالة رفع الصوت الدولي المعارض لتصرفاتها الارهابية ضد غيرها من الدول والشعوب التي تشاركها الحياة في الاقليم.
هذا الارهاب المركب للدولة الذي تقوم به روسيا يفرض القلق الدولي من موسكو في مستقبل الايام لأن عدوانها على داغستان ومن بعدها الشيشان في اقليم القوقاز يعطي المؤشر على مواصلة العدوان ضد الدول التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ويأتي هذا العدوان الروسي عليها تنفيذا لخطة موضوعة من الكرملين تستهدف اعادة بناء نفسها من الداخل حتى تستعيد مكانتها الدولية السابقة.
تزايد القلق الدولي مما تفعله روسيا في داخل اقليمها بمردوداته على المسرح الدولي تحاول ان تواجهه الدول بالفكر النظري الذي تنادي به الاسرة الدولية وهو تحريم استعمال القوة في تسوية المشاكل العالمية واللجوء الى الحوار بين اطراف هذه المشاكل لايجاد حلول منطقية لها، ولكن هذه المواجهة للارهاب الروسي ضد جيرانها لا تزال وربما ستظل تدور داخل آخر الامال ولا ترتقي الى التنفيذ لان العوائق التي تضعها موسكو تعثر خطوات العالم في الطريق السلمي حتى يفرض عليها القبول بالتعامل مع معطيات الحرب والقتال اللذين تريد موسكو اعطاءهما شرعية دولية زائفة من خلال قبول العالم بتلك المعطيات للحرب والقتال.
يضاعف نتائج الاعمال الارهابية لروسيا في اقليم القوقاز انه يستند الى التفرقة العنصرية المرتكزة على العداءات الدينية والصراعات العرقية، وعلى الرغم من وقوف العالم ضد هذا المسلك الدولي العنصري الا انه يعجز عن التحرك ضد روسيا لايقاف ممارساتها العنصرية واقتصرالدور الدولي على التعبير عن ارادته بالكلام دون ان يمتلك القدرة على ترجمة هذه الآراء الى الممارسة الفعلية، مماجعل الارادة الدولية سلسلة من العبث والانصرافية لان المبادىء التي تنادي بها في واد والواقع الفعلي على الارض في واد اخر.
ان ادوار روسيا الفعلية في داخل اقليم تواجدها وتوجهاتها لفرض نفسها مرة اخرى كقوة عالمية مؤثرة تشكل خطورة بالغة خصوصا بعد أن اختلطت افكارها بين اليمين المتطرف العنيف وبين اليسار المتطرف العدواني من خلال تجربتي الماضي الشيوعي والحاضر الرأسمالي المحتكر بكل تأثرهما على المسلك السياسي الذي يتسم بالديكتاتورية المتسلطة في داخلها ومن اقليمها وفي العالم اذا استطاعت استعادة نفوذها الدولي وتأثيرها على العلاقات الدولية.
ما نراه اليوم في داخل روسيا يجعلنا نتخوف من قيام نازية شيوعية تستهدف السيطرة على العالم وهذا يتطلب اتخاذ خطوات سريعة من قبل الدول لمنع توسعها في داخل اقليم القوقاز وغيره من اقاليم اخرى يعطيها القدرة على القفز للعالم لتفرض سيطرتها عليه من خلال استراتيجية روسية، يجب العمل الدولي على تدميرها قبل فوات الاوان.
طريق النجاة الوحيد من خطر روسيا هو محاربتها اقتصاديا لان تدني امكاناتها يعجزها عن مواصلة القتال ضد غيرها من الدول في منطقتها الاقليمية، وبالتالي يتعذر عليها اعادة بناء نفسها من الداخل، ويفقدها الامل في استعادة مكانتها الدولية السابقة ويحرمها من النفوذ الذي تتطلع الى ممارسته فوق المسرح العالمي.
الوصول الى هذه النتائج التي تعوق روسيا ليس بالقضية السهلة لان ردود فعلها العنيفة تؤدي الى احتمالات المواجهة العسكرية معها خصوصا لو نجحت في استقطاب الدول الانفصالية الى جانبها ولكنها في نفس الوقت قضية ممكنة لان تدني قدرتها المالية يحد من استمرارية مواجهتها للعالم عسكريا، ولكن هذا العجز المالي لا يلغي بصورة نهائية ادوارها العسكرية لانها ستواصلها من خلال التوسع في ممارسة ارهاب الدولة ضد العالم.
الاستعداد لذلك يتطلب اعادة ترتيب البيت الدولي واعادة بناء قيمه ومثله وما يفرضه ذلك من صلابة في مواقفه بصورة تكسبه القناعة ضد الارهاب والقوة في مواجهته في كل مراحله والبدء بتطبيق ذلك ضد الارهاب الروسي الحالي في القوقاز والارهاب الروسي المحتمل ضد العالم.
هذا التعامل مع الارهاب يتطلب الاتفاق الدولي على دلالات الارهاب الحقيقية واهدافه المستقبلية والعمل على قمع ممارساته الحالية فورا حتى نمنع الوصول الى ارهاب اكبر يقطع سبل الحوار للحياة في سلام ويفرض سبل القتال التي تؤدي الى حرب تدمر الحياة على الارض.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved