Thursday 14th October, 1999 G No. 9877جريدة الجزيرة الخميس 5 ,رجب 1420 العدد 9877


شدو
وهم العولمة

تطرقت في مقالة سابقة الى الاسراف الملحوظ في استخدام مصطلح (العولمة) وكثرة شيوع هذا المصطلح على ألسنة الكثير من الكتاب والمثقفين,
واستعرضت كذلك اسباب علمية واقتصادية وتاريخية مفادها استحالة عولمة العالم,, وهنا اواصل استعراض بعض الشواهد الدالة على ان العولمة وهم أمَّله الغرب منذ امد بعيد وفشل في تحقيقه,, بدليل شيوع (وانقراض) مصطلحات من قبيل القرية الكونية وصدمة المستقبل ومجتمع ما بعد الصناعة,,, ومنذ منتصف هذا القرن,, بل وبدليل فشلهم عسكرياً في استعمار العالم (فعليا!),, واستكمالاً لهذا التفنيد ابدأ مقالتي هذه بالتساؤل عما قام به مجموعة من علماء الانسانيات الاوروبيين في اوائل قرننا هذا من جهد جهيد لعولمة العالم لغويا وذلك من خلال اختراع لغة عالمية مشتقة من لغاتهم الرئيسية والتي اسموها ب(سبرانتو Esperanto) آملين ان تكون نواة وركيزة للغة عالمية توحد العالم؟!.
ورغم ذلك فشلت تلك العولمة اللغوية بل لم يتبق على قيد الحياة احد لديه القدرة على فك ألغاز وأحاجي تلك اللغة!! بل ماذا عن الماركسية ونقيضها الرأسمالية؟! ألم تدّعيا (عالمية التطبيق والاجتياح؟!),, وهل عاشت الاولى بل وهل حقاً نجحت الثانية نجاحاً باهراً يتجاوز واقعها الى المأمول منها؟1 بل ماذا عن مدرستي الحداثة وما بعد الحداثة؟!,, هل استطاعتا توحيد العالم وصهره في بوتقة ثقافية واحدة؟! ام هل انزوتا (نظريا!) في ركن لا يرتاده سوى ثلة قليلة من المريدين لهما؟! ماذا عن حملات الاستعمار العسكرية وما رافقها من هيمنة سياسية وفكرية وامتصاص لخيرات الشعوب وتلاعب بثقافاتها ولدهور ودهور؟! ومع ذلك فقد تعافت تلك الشعوب واستعادت احاسيسها الوطنية بل - وكردة فعل - رجعت الى اصولها واخذت على عاتقها محاربة كل ما يمت للاستعمار بصلة؟! إن القول بحتمية قدوم العولمة يحمل من (الانتظار على رصيف التاريخ ما يحمل!) بل انه تزييف مناف للواقع التاريخي والسياسي والديني لرحلة الانسانية منذ ان خلق الله الارض ومن عليها, حيث ان مفهوم العولمة يفترض التوافق والانسجام الدنيوي والديني بين مجتمعات العالم (وشعوبها وقبائلها) وهذا امر يرفضه التاريخ وتفنده الجغرافيا وتأباه الطبيعة البشرية, فالدول الاوروبية نفسها ذات نظم سياسية واجتماعية وخبرات تاريخية متباينة، بل ومتنافرة، وما علينا سوى تذكر (الحاضر فقط!) المتمثل بمواقف الفرنسيين العدواني (ثقافياً) تجاه ديزني اوروبا الامريكية او حتى مواقفهم تجاه (هامبورجر) مطاعم ماكدونالدز او الحروب الدينية لاولئك الغربيين والمتمثلة في النزاع الدامي بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا او النظرة الدونية للطوائف المسيحية الاخرى والتمييز ضدها من قبل بروتستانت امريكا، لنرى كيف ان الغرب نفسه ليس منصهرا في بوتقة ثقافية واحدة تسمح له فرض ما يرى والحصول على ما يريد من (الآخر!)، حيث ان كل توجهاتهم الخارجية (تاريخيا) - واقصد الغربيين - ليست سوى هروب من واقعهم المريض سواء كان واقعاً اقتصادياً ام سياسياً ام اجتماعياً,, وعليه فهم اول من يعلم أن عولمة قيمهم المريضة لم ولن تنجح طالما ظلت تلك القيم مريضة في عقر دارها ولم تحقق ولو النزر اليسير مما اراده (الخيال!) منها (يتبع),.
الدكتور: فارس الغزي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved