Thursday 14th October, 1999 G No. 9877جريدة الجزيرة الخميس 5 ,رجب 1420 العدد 9877


الحجي سيزيف الجزيرة

الألم العظيم عاطفة خالقة، عاطفة مولدة، عاطفة تصنع الابداع العظيم وتمنح الخلود، وحمد الحجي شاعر صنعه الألم وخلده في ذاكرة الابداع في المملكة العربية السعودية، والم الشاعر حمد الحجي صعب قياسه وتقصيه، فهو يتسرب الى اغلب موضوعات قصائد ديوانه عذاب السنين ، ويعلن حضوره عبر الأوزان والقوافي، والصور والمعاني، ويمكن اعتبار الديوان قطعة ألم كبيرة خرجت من نفس الشاعر وبثت في شعره، خرجت لتطرح أسئلة كبيرة، أسئلة تتعلق بحياة الشاعر، ووجوده، وطموحه، وذكائه، وعبقريته، ونظرته الشاملة للكون والأصحاب، والحبيبة والانسان، وكأن الشاعر في النهاية يسائل ألمه: أتحملني أم أحملك؟!
اتفضحني أم أفضحك؟! أتتركني أم أتركك؟! أتميتني أم أميتك؟!
ان حمد الحجي كان يحتاج الى الشعر والشعر كان محتاجا اليه، وهذه العلاقة النفعية غير المقصودة اظهرت اسم الحجي الشعري، وجعلته شامخا ليتأمله الجميع من أسفل، وفي ضوء هذا الفهم يأخذ ألم الشاعر بعدا أسطوريا، ويكون محمد الحجي سيزيف حامل صخرة الألم الذي لا يصل الى قمة الجبل، يدحرج صخرة الألم من سفح الجبل، واذا ما أوشك على الوصول الى القمة انزلقت الصخرة من يديه وعادت الى السفح وعاد يكرر المحاولة دون نجاح، كما تقول بذلك الأسطورة اليونانية.
وديوان الحجي الوحيد عذاب السنين يحوي اسئلة كثيرة، الأسئلة الكثيرة تلك تحبل بأسئلة ولا نجد إلا قليلا من الأجوبة، فهناك العديد من الأسئلة الحارة تتدلى من قصائد الديوان:
1- ما مصدر ألم الشاعر؟ ما جذوره؟ هل تبرعم؟ هل مدّ غصونا وأوراقا؟.
2- ما سر روح الشاعر المتشائمة؟ هل أنتج الألم التشاؤم؟.
3- ما القضية التي خلص لها الشاعر؟ وهل تعددت القضايا؟ هل هو عاشق هائم؟ هل هو انسان مغدور؟ هل هو طامح مخذول؟ هل هو وطني؟ هل هو قومي؟ هل هو إسلامي؟ هل هو كل ذلك؟ هل هو أكثر من ذلك كله؟
4- ما مفتاح الدخول الى شعر الشاعر؟ سيرته؟ أم لغته؟ أفكاره أم مرضه؟ موته في الحياة أم حياته في الموت؟
5- ما معجم الشاعر؟ هل هو كلاسيكي خالص؟ هل هو رومانسي مجدد؟ هل هو كلاسيكي ورومانسي في آن واحد؟
لاشك ان الحجي شاعر يحاور ألمه، يسرد تاريخه العاطفي الشخصي، ويحاول ان يخلع حزنه على المتلقي، ان يلبسه إياه كثوب ملءَّ لباسه، هو شاعر طالما يعاني ألماً وصباً، وإذا ما زايله هذا الباعث العاطفي انتهى كشاعر يحتفي بعذابه، ويقدسه، انتهى كشاعر لانتهاء توتره.
الحجي شاعر لا يحير، غير ملغز في شعره، وهو واضح كل الوضوح وشاعريته في وضوحه، وهل يقبل الألم شيئا غير الوضوح؟!، أتاه الابداع من انتكاساته العاطفية الحادة، ذلك أنك تراه يلامس الشعر ملامسة اذا ما كتب شعرا في الوطن، أو في العروبة، أو في المناسبات، فهو عقلاني منضبط اذ الفواجع لم تمارس جبروتها في وجدانه.
والنبرة الشاكية والتوجع الدائم رهانة الشعري الوحيد، أو ورقته الرابحة في اللعب في ميدان الشعر.
الوطن في ديوانه يمكن ان يختزل في قصيدة واحدة وكذلك قصائده في العروبة، وفي الحب، وفي الطموح، وفي الطبيعة، هو شاعر يكرر الموضوع ولا يكرر اللغة والصور.
أما المعاناة في ديوانه فهي التي لا يمكن ان تختزل، إنها تبدو قاتلة لا تحتمل، غير قابلة للتشظي أو التفتت، فقد حاول ان يفرغها في الشعر وما فرغت من نفسه، حاول أن يفرغها في الطبيعة فما قويت على امتصاصها، حاول ان يبثها الأصحاب فما استطاعوا حملها ونفروا منها، لقد نقعت في وجدانه حتى صارت جزءا منه، أو صار هو جزءا منها،يمشي بها أو تمشي به، وظل ينزف ابداعا، وهما، وخوفا، وقلقا، وضياعا، واضطرابا حتى مات.
ناصر سالم الجاسم

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved