Thursday 14th October, 1999 G No. 9877جريدة الجزيرة الخميس 5 ,رجب 1420 العدد 9877


العولمة والعسكرة في الشرق الأوسط
الأمة العربية على مفترق طرق في زمن العولمة العسكرية
الجيوش العربية مازالت تستورد المذاهب القتالية من الغرب

* القاهرة - مكتب الجزيرة - ريم الحسيني - باهر حسين
العولمة من أبرز الظواهر التي تواجه العالم المعاصر فهي تأتي إلينا ولانقصد نحن إليها، وليس هناك من سبيل الى ردها بقدر ما هناك من سبيل للتعامل معها وتعظيم منافعها وتصغير مساوئها، وظاهرة العولمة ذات ابعاد مركبة اقتصادية وسياسية وثقافية وتكنولوجية وامنية تناولها المختصون في العلاقات الدولية في العديد من جوانبها غير ان المجال الامني والشئون العسكرية لم يتم بحثه ودراسته بشكل موسع، ومن هنا تأتي اهمية الدراسة الجديدة التي اعدها د, هيثم الكيلاني الباحث في الشئون الاستراتيجية والعسكرية عن العولمة والعسكرة في الشرق الاوسط لتغطي هذا الجانب إلى حد كبير مركزاً على الطرفين العسكريين الرئيسيين في المنطقة وهما الطرف العربي والطرف الاسرائيلي.
الطرف العربي والعولمة العسكرية
يرصد المؤلف في دراسته ان العولمة العسكرية أطلت على الإطار العربي منذ ان استخدمت بعض مصطلحات الأمن القومي, فقد اقتبست الدراسات التي انتجها الفكر العسكري العربي مصطلحاتها وبعض مفاهيمها ومضموناتها من المراجع المتعلقة بالفكر العسكري الأجنبي والمذاهب العسكرية الأجنبية واساليب القتال والتكتيكات وما الى ذلك من فنون القتال وعلومه.
ويضيف انه في إطار وسائل العولمة وبخاصة في المجالات الثقافية والساسية والاقتصادية يمكن ملاحظة ان بها وسائل تبغى إيجاد سيولة عامة في الفكر الاستراتيجي العربي يمكن التأسيس عليها لرسم خريطة جديدة للمنطقة العربية وبخاصة ان احداث العشر الاخير من القرن العشرين تسوق الى هذه التصور، وهو تصور من معالمه القضاء على جذور القومية العربية ومظاهرها ومؤسساتها وإقامة نظام اقليمي جديد على انقاض النظام العربي،وطي مايسمى قضايا عربية مشتركة ويدلل المؤلف على ذلك بحالة التشتت التي تعيشها البلاد العربية الى جانب وجود اسرائيل في المنطقة كقوة باغية تريد ان تفرض نفسها وسلامها وامنها وان تسيطر على زمام المنطقة وتحمي الولايات المتحدة واسرائيل في أهدافها هذه حماية قوامها توفير التفوق العسكري والاحتكار النووي لاسرائيل وحدها.
ويضيف المؤلف ان العولمة قد اوقعت الامن القومي العربي في دائرة الشك والشلل منذ ان أوجدت له التناقض الاساسي بين مفهومه وهدفه، ففي حين اتجه الامن القومي نحو أمته ووطنه ليصيغ لهما النظرية والاستراتيجية الخاصة بهما ويدافع عنهما ويؤمن مصالحهما ويصون مستقبلهما، لم يستطع هذا الأمن ان يجمع شمل الأمة المجزأة الى شعوب ينتسب كل منها الى وطن، ولا أن يجمع شمل الوطن المجزأ إلى اقطار كثيرة، لقد ظل الأمن القومي ولايزال يعاين هذا التناقص الأساسي فلا هو بقادر على ان يكون وان يتجسد ليعيش في أمته ولا هو بقادر على ان يوحّد الامة والوطن، وهكذا عاش الامن القومي املاً لايطال.
وعن نتائج انتكاس مفهوم الامن تذكر الدراسة انه تولد فراغ أمني قومي وظهرت مشكلات زادت حالة التشرذم والتناحر تأزماً، وضاعفت الفجوة القائمة بين مايجسده الواقع وبين الرغبة في تحقيق مدرك امني عربي مشترك وتحمل تلك الفجوة فواعل اتساعها وتعميقها، كما ان الامن القومي لايزال يعاني الاختناقات التي خلفتها المتغيرات منذ صيف 1990م حيث تعطل كل تفكير أو تدبير يخص الأمن القومي تحت تأثير ثلاثة اسباب رئيسية اولها ان السلاح العربي الذي يجب الا يشهر في وجه الشقيق قد اشهر وثانيها ان الامن القومي ينبع من المنطقة العربية ويبني بالامكانات العربية وماحدث عكس ذلك وثالثها أن العرب يتحملون وحدهم مسؤولية امنهم وسلامة اقطارهم وماوقع كان غير ذلك وكان من نتيجة ذلك ان انكشف الامن القومي على امتداد الوطن العربي وعكف كل قطر على توفير الامن والحماية لنفسه, وترصد الدراسة العوامل التي اودت بالأمن القومي الى هذهالحال بانه لم توضع معاهدة الدفاع العربي المشتركة منذ بدئها في عام 1952م حتى اليوم في خدمة الامن القومي إلا في حالات قليلة، فقدان الارادة السياسية لدى الدول العربية في مجال تطبيق احكام الامن القومي الواردة في ميثاق جامعةالدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك، تعرض الأمن القومي لمجموعة متتالية من الأحداث أثرت فيه تأثراً جذرياً واخرجته من دائرة العمل العربي المشترك، نشوء نوع جديدمن الصراعات في الدائرة العربية ما جعل الأمن القومي موضوعاً للاختلاف والنزاع بدلاً من ان يكون محور العمل الجماعي المشترك.
السلاح النووي
من ناحية أخرى تشير الدراسة الى ان الفكر العسكري العربي لايزال لايحتسب السلاح النووي في عداد الاسلحة التي يحتمل ان تستخدمها اسرائيل في حرب قادمة ويستند هذا الفكر الى ان هذا السلاح لن يستخدم مستقبلاً في إطار حرب محدودة او صراع مسلح منخفض الشدة وهذا يعني ان الفكر العربي لايفكرفي تجاوز هذين الشكلين من الصراع المسلح وما بينهما من اشكال ويؤكد المؤلف انه ليس من الحكمة الفصل بين السلاح النووي وبين إمكان استخدامه، وإذا كانت مظاهر العولمة وتجلياتها تنطبق أوتنال بشكل ما من مختلف مظاهر الحياة من سياسة واقتصاد وتجارة,, الخ فإن العسكرة العربية دون غيرها من مظاهر الحياة في الدولة والمجتمع قد حسمت الأمر منذ ان استقدمت البندقية المحشوة بالبارود والحصى واتبعتها بالبندقية التي تطلق طلقة فطلقة ثم البندقية ذات المخزن المعبأ بالطلقات صعودا الى احدث الاسلحة واكثرها تعقيداً، وهكذا استوردت الجيوش العربية الاسلحة والمعدات والانظمة الدفاعية من الخارج وفي الوقت نفسه استقدمت الجيوش العربية المذاهب العسكرية.
وتضيف الدراسة انه اذا كان الجيش في المجتمع الأوروبي أو الامريكي او الصيني او الياباني هو ابن ذلك المجتمع وافرازه فإن الجيوش العربية هي كذلك تماما مع ملاحظة الظواهر التالية.
الظاهرة الاولى هي ان الجيوش الاجنبية تتسلح بما تنتجه مجتمعاتها ، اما الجيوش العربية فلاتزال حتى اليوم على الرغم من انقصاء حوالي قرنين على تأسيس بعضها وأكثر من خمسين عاما على تأسيس معظمها تستورد مختلف انواع الاسلحة والانظمة والمذاهب القتالية, الظاهرة الثانية هي ان الجيوش العربية تبدو كأنها منفصلة عن مجتمعاتها، الظاهرة الثالثة هي ان قضية الخصوصية الثقافية تشغل موقعا مهماً في قلب العولمة وافاقها ذلك ان الخصوصية الثقافية العربية تتعرض بصورة اكيدة لتجليات العولمة وتياراتها ويعني هذا ان الجيش سيضم الى صفوفه مواطناً عربياً ملوثا بالعولمة او معولماً وهنا يبرز دور القيادة العسكرية الواعية التي يتوجب عليها ان تسقط من فكر ذلك الجندي ونفسه واخلاقه وسلوكه اللوثة العولمية.
الطرف الإسرائيلي
اما عن العولمة والعسكرة في إسرائيل تذكر الدراسة ان إسرائيل استثمرت تيارات العولمة قديمها وحديثها ووظفتها في سبيل تحقيق اغراضها وانضوت تحت الدولة القائدة للعولمة الولايات المتحدة الامريكية واحتفظت في نفس الوقت بمقومات مجتمعها الرئيسية وفي مقدمتها الصهيونية، اليهودية، العنصرية الاحتلالية وان مايجذب النظر في الادبيات العسكرية الاسرائيلية انها لاتزال تبحث عن سيناريوهات حروب مقبلة وتوحي هذه الادبيات بأن مسيرة السلام لم تسهم حتى الان على مستوى المؤسسة العسكرية على الاقل في تكوين توجه نحو البدء بالانتقال من حالة الحرب الى حالة السلم تعمل اسرائيل لاسقاط فكرة انه لابديل للسلام مع العرب ولإدخال عملية السلام بأسسها ومبادئها ولجانها ومساراتها ونتائجها في دائرة المراجعة والمراوحة واعادة البحث في ذلك كله على اساس الأمن قبل السلام، فإلى جانب الاحتلال والتوسع نما مفهوم الامن المطلق وترسخ ومن أجله سلكت اسرائيل بديلين، اولهما يتجسد في مشروع النظام الشرق اوسطى ومن خلال هذا المشروع تستطيع اسرائيل فرض سلامها، ولأن هذا المشروع تواجهه قوى عربية معارضة فقد طوت اسرائيل هذا المشروع طياً مؤقتاً ومن هنا راحت اسرائيل تقفز على الطوق الجغرافي الذي يحيط بها بعد ان قدرت ضعف ذلك الطوق وتفكك حلقاته وهذا مايفسر توجهها نحو تركيا لتوثيق التعاون العسكري معها.
وحول مبادىء الاستراتيجية الاسرائيلية والاحتمالات التي يمكن ان تطرأ عليها تورد الدراسة ثلاثة احتمالات وهي: التأكيد على الدفاع والهجوم المضاد اكثر من التركيز على العمليات الهجومية، مع احتفاظها بالخيار النووي, كذلك البحث عن شركاء اقليمين سواء من خلال قبول اسرائيل عضوا في منطقة الشرق الاوسط او من خلال القفز على الطوق العربي وهدفها من ذلك هو اسقاط الهوية العربية عن المنطقة العربية وصياغة مشروع تنظيم اقليمي اقتصادي آمن.
وتخلص الدراسة بأنه في زمن العولمة العسكرية يبدو ان الامة امام مفترق طرق بالمعنيين الزمني والجغرافي فالامة العربية في حالة اختيار بين تكامل الوطنيات القطرية وبين الانحدار أكثر نحو تفتيت المنطقة الى دويلات متصارعة وتطالب الدراسة ان نضع انفسنا في خضم العالم الذي نضطرب فيه ومعه.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved