Wednesday 27th October, 1999 G No. 9890جريدة الجزيرة الاربعاء 18 ,رجب 1420 العدد 9890


رؤى وآفاق
الأزهري في أسر القرامطة

الأزهري علم من أعلام اللغة، أفنى عمره في طلبها وخدمها بالتعلم والتأليف، ويعد كتابه (التهذيب) أكبر كتاب ألف في اللغة، فهو يتألف من مجلدات تتجاوز العشرة، وقد ألف قبل اللسان بأكثر من ثلاثة قرون, لقد رحل محمد بن أحمد بن الأزهري في طلب اللغة رحلات عدة، الهدف منها سماع الاعراب كيف ينطقون، والأخذ عن العلماء، وكان يعود من تلك الرحلات بالحصيلة الجيدة، من الالفاظ والعبارات المسموعة، والمسائل المتفق عليها من قبل العلماء، الذين يقابلهم في رحلاته تلك، وفي واحدة من تلك الرحلات انضم إلى قافلة الحج العائدة إلى العراق، وكانت القافلة محمية وكثيرة العدد، وقد خرجت من الحجاز في هدوء وسكينة، وقطعت بلاد نجد في سير حثيث، يتخلله المبيت، والتزود بالماء والعلف للمطايا، وقد سلكت القافلة طريق لينة قاصدة مياهها الوفيرة، وكانت تسير في الدهناء سيراً بطيئاً فلما لاحت لها رمال زرود قصدتها ثم هبطت في الهبير فإذا هي أرض مطمئنة تصلح للاقامة، فعزم الركب على الاستراحة في تلك الارض، ولم يعلموا أن القرامطة يرقبون تحركاتهم خطوة خطوة، وفي خلال ساعات احاط بهم القرامطة فكان نصيب من قاوم القتل، اما من استسلم فقد وقع في الاسر، وكان الازهري من ضمن الفئة الاخيرة، فالقتال يحتاج إلى مران وعدة، والأزهري ما خرج من أجل القتال، ويحدثنا الأزهري عن أسره في مقدمة كتابه (التهذيب) فيقول: (وكنت امتحنت بالإسار سنة عارضت القرامطة الحاج بالهبير، وكان القوم الذين وقعت في سهمهم عرباً نشؤوا بالبادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع، ،يرجعون إلى اعداد المياه في محاضرهم زمن القيظ، ويرعون النعم ويعيشون بألبانها، ويتكلمون بطباعهم البدوية وقرائحهم التي اعتادوها ولا يكاد يكون في منطقهم لحن او خطأ فاحش، فبقيت في اسارهم دهراً طويلاً، وكنا نَتشَتَى الدهناء ونتربع الصُّمان ونتقيظ الستارين، واستفدت من مخاطباتهم ومحاورة بعضهم بعضا ألفاظا جمة ونوادر كثيرة أوقعت أكثرها من الكتاب، وستراها في مواضعها إذا أنت قرأتها علينا,, وإذا كان الاسر ضيق، وامتحان، وابتلاء، فإن اسر الازهري عاد بالفائدة عليه، فهو يبحث عن الاعراب ليستمع إلى كلامهم، وها هو يعيش معهم شتوتين في الدهناء والصمان، فرب ضارة نافعة، فمادة كتاب (التهذيب) استقى جلها عن اولئك الاعراب الذين مازالوا على طبائعهم في نطقهم، فالعبارة مستقيمة، والكلمة موروثة عن الاباء والاجداد، فالقرن الرابع الهجري الذي عاش فيه الازهري مازال يحتفظ بلغة نقية لمن هم بعيدون عن الاختلاط بالاعاجم في بلاد نجد، والدهناء والصمان, ويهيئ الله للأزهري الخلاص من اسره فيعود الى بلاده (هراة) ثم يستأنف رحلاته في سبيل طلب العلم فيدخل بغداد، ويقابل أبا إسحاق الزجاج، وأبابكر ابن الانباري، وكان يبحث عن ابن دريد، ويرغب في مقابلته، وقد تم له ما أراد، ولكنه لم يستفد من ابن دريد، فهو يتحدث عن لقائه بالشيخ (ابن دريد) فيقول: ودخلت داره ببغداد غرة فألفيته على كبر سن سكران لا يكاد يستمر لسانه على الكلام عن سكره فهؤلاء الثلاثة الذين قابلهم لم يأخذ عنهم مع شهرتهم، ورحلته إليهم وأمثالهم في بغداد، ثم قابل نفطويه وأخذ عنه كما أخذ عن ابن السراج, ومما يدل على استفادته من الاعراب أيام اسره انه استنقص علم من قابلهم، فلم يأخذ عنهم إلا القليل من المسائل النحوية، فقد وزن تحصيله بما لديهم فوجده جماً وفيراً، ومن هنا تتضح لنا قيمة الرحلات، والأخذ عن الاعراب، في زمن تدوين اللغة، وتقعيد مسائل النحو، فالسماع مقدم على القياس، وخصوصا سماع الاعراب في بلادهم، وهذا ما هُيِّئ للأزهري، فالثقة في كتابه التهذيب مستمدة من رحلته تلك رحلة المعاناة المثمرة.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
مطار الملك فهد الدولي
منوعــات
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved