Friday 12th November, 1999 G No. 9906جريدة الجزيرة الجمعة 4 ,شعبان 1420 العدد 9906


فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(3)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقياس صلاح الأمة وفسادها

* استطلاع : بكر بن علي البكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة أساسية وقاعدة مهمة من قواعد الإسلام,, فبه يتميز المجتمع المسلم ويسمو عن المجتمعات البهيمية التي لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً والعمل به يجلب الخيرية للأمة ويحقق الأمن والامان والاستقرار للفرد والمجتمع وبتعطيله يكون سبباً لهلاك الامة وسوء حالها وما وقع ويقع من العقوبات بالأمم التي تنتشر فيها المنكرات لأكبر دليل على سوء حال من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد لعن بنو إسرائيل على لسان الأنبياء بسبب تركهم لهذه الشعيرة,, من هنا نتبين الحاجة الماسة للمجتمعات الإسلامية للعمل بهذه الشعيرة العظيمة وهو ما سيبينه لنا هذا التحقيق مع بيان المنكرات التي يلزم الأمة محاربتها وثمرة قيام الأمة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي قام به سلف الأمة حق القيام حتى أصبحت مجتمعاتهم خير المجتمعات وأطهرها على وجه الأرض.
حاجة المجتمعات الإسلامية المعاصرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن حاجة المجتمعات المسلمة الى هذه الشعيرة العظيمة يحدثنا الشيخ نايف بن مشل الشمري مساعد المدير العام لفرع الرئاسة بمنطقة حائل فيقول:إن الله عز وجل كتب لهذا الدين الخلود وجعله يقوم على أصول ثابتة وقواعد راسخة صالحة لكل زمان ومكان قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا),وإن من أهم الأمور التي جاء بها وحث عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الأمر العظيم الذي عده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (إذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي فإن الأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف, والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر,,) أ,ه.
وكما هو معلوم ان من طبيعة البشر الائتلاف والاجتماع وإذا علمنا أن النفس البشرية آمرة ناهية بذاتها فلا بد من توجيهها للحق ليكون الأمر وفق أمر الدين والنهي عما نهى عنه، ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إصلاح المجتمع فقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه حال المجتمع كسفينة فأصحاب المنكرات في اسفلها ويقومون بخرقها بمنكراتهم وأهل الصلاح في أعلاها فإن تركوا الإنكار على اصحاب السفينة غرقوا جميعاً وإن أنكروا عليهم نجوا ونجوا جميعاً فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحاب الصلاح فلا يكفيهم صلاحهم بأنفسهم فهو لا ينجيهم من الغرق وهذه سنة من سنن الله في المجتمعات، والذين يقومون بمهمة مقاومة المنكرات وأهلها والعمل على إضعاف شأنهم هم الطائفة المنصورة وهم المحققون لعبودية الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذا فهم أفضل من المتفرغين للذكر والقراءة والصيام وغيرها، المعتزلين الناس فلا يأمرون ولا ينهون وفي الحديث ما يدل دلالة واضحة على أهم دوافع وأهداف إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي منها:
رجاء ثواب الله عز وجل والخوف من العقوبة على تركها.
الغضب أن تنتهك محارم الله عز وجل.
النصيحة للمؤمنين والشفقة عليهم والعمل على إنقاذهم من الوقوع في المعاصي التي تعرضهم لسخط الله وغضبه في الدنيا والآخرة.
إجلال الله وتعظيمه ومحبته وأنه أهل لأن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر وبتحقيق تلك الدوافع والأهداف يتحقق للأمة أمور منها:
أولاً: حفظ الدين وصيانة الأمة من الوقوع في المهالك وإكسابها الفلاح بذلك ومن أفلح فقد فاز فوزاً عظيماً قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
ثانياً: اكتساب الخير قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
ثالثاً: الولاية بين المؤمنين قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
رابعاً: التفريق بين المؤمنين والمنافقين قال تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف).
وعليه ندرك مدى حاجة مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة لإقامة هذه الشعيرة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما بعد ما عُطلت هذه الشعيرة في الكثير من المجتمعات الإسلامية فقد أصبح المعروف منكراً وأضحت المنكرات مألوفة وقد يخجل الدعاة والمصلحون في تلك المجتمعات من الحديث عن كونها منكراً فما بالك بالنهي عنها والدعوة إلى ضدها.
ومن هذا التشخيص لحال معظم المجتمعات الإسلامية المعاصرة تظهر أهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في محاربة البدع والمنكرات وإصلاح المجتمعات ورأب الصدع الذي أصابها لغياب هذه الشعيرة, وإن ما تقوم به المملكة العربية السعودية في مجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لهو خير مثال يحتذى لبقية المجتمعات الاسلامية التي تصرخ تحت وطأة البدع والمعاصي والشركيات التي انتشرت بغياب النهي عنها.
ولقد وفق الله ولاة أمر هذه البلاد إلى احتضان هذه الشعيرة حيث جعلوا القيام بها من أساسيات نظام الحكم فأنشىء لها جهاز مستقل يعنى بشؤونها ممثلاً بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يسعى العاملون فيه جهدهم لصيانة المجتمع من المخالفات والأخذ على يد من يريدون له السقوط في الهاوية, حفظ الله ولاة أمرنا وسدد خطاهم ووفق الله ولاة أمور المسلمين عامة إلى اقامة هذه الشعيرة لما فيه خير مجتمعاتهم في دينهم ودنياهم.
أنواع المنكرات التي يلزم الأمة محاربتها
من جهته بين الشيخ أحمد بن عيضة مساعد مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الباحة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الحصن الحصين للإسلام والأساس الأعظم للدين والدرع الواقي من الشرور والفتن والسياج المانع من المعاصي والمحن، لا يقوم المجتمع إلا إذا شعر كل فرد من أفراده أنه جزء من كل وأن فساد جزء من هذا الكل فساد للجميع,, موضحاً فضيلته أن خيرية هذه الأمة مرتبطة بمحافظتها على ما وصفت به وبقيامها بما كلفنا به من الله لا أن ندعي تلكم الأوصاف حيث اختار الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم للقيام بهذه الأوصاف واختارهم واصطفاهم واجتباهم لها.
ثم يتطرق الشيخ عيضة للمنكرات المنتشرة في هذه الآونة فيقول,, حينما نتكلم عن المنكرات وأنواعها فهي كثيرة للأسف الشديد وقد انتشرت انتشاراً كبيراً واستفحل أمرها في هذا العصر من منكرات اعتقادية كالشرك والسحر والشعوذة ومنكرات اخلاقية كالزنا واللواط واختلاط الرجال والنساء وخلع لباس الحشمة في جانب النساء ومنكرات متنوعة كأكل أموال الناس بالباطل والمعاملات التي نهى عنها الله ورسوله وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين وغيرها كثير,, موضحا فضيلته أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب علينا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك: أضعف الإيمان) فمن قدر منا ان يغير المنكر بيده وجب عليه ذلك ومن قدر منا أن يغيره بلسانه دون يده وجب عليه ذلك فإن عجز عن تغييره فليبلغه الى المسؤولين فإذا بلغه اليهم برئت ذمته وسقط الواجب عنه وأقام الحجة وسعى في اصلاح المجتمع وحقق أسباب السلامة من الهلاك قال تعالى:(وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).
ثم يقرر الشيخ عيضة بعد ذلك أنه إذا ارتفعت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قامت قائمة الحق وانهد ركن الشرك وانتشرت الرحمة وعمت الفضيلة وزالت النقائص وقلت الجرائم وصينت الحقوق وعم الأمن والسلام وانكمش الخائن وتاب العاصي وصلح الفاسد وتميزت السنة من البدعة وعرف الحلال من الحرام اما اذا تعطلت هذه الشعيرة ودك هذا الحصن وحطم هذا السياج فقل على معالم الإسلام السلام، وويل لأهل الحق من المبطلين وويل لأهل الصلاح من المفسدين.
نماذج من الأمر والنهي في حياة السلف
ويقتبس الشيخ عبد العزيز بن داود الفايز رئيس هيئة محافظة الزلفي بعضاً مما جاء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة السلف,, فيقول: ان المتأمل بسيرة السلف الصالح في جميع الجوانب يرى أروع الأمثال وأجملها، كيف لا وهم قد ساروا على نهج الكتاب والسنة ومن ذلك هديهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لهم عناية تامة بتعريف صاحب المنكر بمخالفته للكتاب والسنة وأن فعله هذا مخالف للشرع المطهر باسلوب يناسب حال المخاطب ومن ذلك الوعظ للمخالف بطريقة الترغيب والترهيب مما يجعله والحالة هذه يترك المعصية ويسلك الطريق المستقيم ويحرصون على نصح من يقع بالذنب من غير تأخير ويكررون له النصيحة من غير ملل ويستخدمون التعنيف عند الحاجة وربما التغيير باليد اذا لزم الامر وأحيانا بالتهديد بالضرب ويشرعون بذلك عند حصول مخالفة توجبه, وسيرهم مليئة بالقصص التي تؤكد ما ذكرناه بل ويحرصون كل الحرص انهم لا يشاهدون منكرا الا غيروه وأنكروا على صاحبه حتى في أصعب المواقف وأحرجها.
بعد ذلك يسرد الشيخ الفايز قصة الفاروق عمر بن الخطاب في الأمر والنهي فيقول: بهذا الأنموذج الذي سطره التاريخ في سيرة الفاروق عمر بن الخطاب الذي يعتبره البعض المنظّر لشؤون الحسبة وذلك عندما دخل عليه الشاب بعدما طعن وعرف الناس أنه ميت فقال له الشاب (ابشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الاسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة، قال عمر رضي الله عنه وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي فلما أدبر فإذا بإزاره يمس الارض فقال (ردوا علي الغلام، قال: يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك) فهذا الفاروق رضي الله عنه على فراش الموت ومع ذلك لم يترك هذا الواجب العظيم الذي بقيامه الأمن والاستقرار والتمكين وبتركه ضياع الدين وانحلال عرى الإسلام.
ثمرة قيام الشعيرة
وعن ثمرة القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعات المسلمين يقول مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة جازان الشيخ احمد بن يحيى عطيف,, ان الله تعالى قد امتن على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها خير أمة اخرجت للناس، وهذه الخيرية كما هو مبين في الآية الكريمة مقيدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يتبعهما حيث قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله),, فهذه الآية مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به فإذا تركوا النهي وتواطؤا على المنكر زال عنهم اسم المدح وكان ذلك سبباً لهلاكهم وسوء حالهم.
ويوضح الشيخ عطيف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضتان عظيمتان وشعيرتان جليلتان وهما اصل من أصول الاسلام ودليل الايمان وهناك صلة وثيقة بينهما وبين الايمان وقد جاء في القرآن الكريم تقديمهما على الايمان الذي هو اصل الدين واساس الإسلام كما في قوله تعالى: (كنتم خير أمة,, الخ), وفي آية اخرى قدمها على الصلاة وهي عمود الإسلام وما ذلك إلا لبيان أهميتها وعظيم شأنها وشدة الحاجة إليها ولذلك كان تنكير المنكر بالقلب من أضعف الإيمان ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتبر هذه الدرجة من أضعف الإيمان من حيث أنها لا تقضي على المنكر الا انها قوة لا يستهان بها لما فيها من الدعم العظيم لهذا الواجب الشريف ومساندة أهله، ومن جانب آخر فهي تعزل الفسقه واصحاب المنكرات وتجعلهم بمنزلة المنبوذين في المجتمع وفي ذلك ضمان لعدم سريان عدواهم الى الغير وهما عنوان الخيرية ودليل الصلاح والفلاح قال تعالى: (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) والفلاح كلمة طيبة تشمل كل خير وهذا يدل على عظيم شأن هذا الواجب وما يترتب عليه من الآثار الهامة والثمار الطيبة والمصالح العامة والخاصة.
ثم يقول الشيخ العطيف مسترسلاً أن قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو جهاد دائم لصيانة المجتمع من أسباب الفساد ودواعي الفتنة وقطع دابر الفساد فيسود الأمن ويعم الرخاء وتتوحد الكلمة وتتحقق المودة وتتأصل في القلوب كراهية الباطل وعداوة أهله وفي إقامته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد جليلة ومصالح عظيمة ومن ثمار القيام به تنمية الخير وتقويته وتكثير أهله وإضعاف الشر وتقليله او القضاء عليه وقطع اسبابه وفي تكراره واستمراره وتعليمه تربية للأمة بأكملها من تعليم الجاهل وتذكير الغافل وتنشيط المتكاسل ونشر الفضائل واختفاء الرذائل واقامة الدين وتحقيق مصالح المسلمين قال تعالى: (ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً واذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً).
رجوعأعلى الصفحة
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
الثقافية
أفاق اسلامية
ملحق الميدان
محاضرة
لقاء
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved