Friday 12th November, 1999 G No. 9906جريدة الجزيرة الجمعة 4 ,شعبان 1420 العدد 9906


بنادر
المعاناة الشعرية
علي الشرقاوي

الكثير من القراء البعيدين عن العملية الشعرية يعتقدون ان الشعراء غير المحتاجين ماديا لا يمكن لهم أن يعانوا في قصائدهم ما يعانيه الشعراء الذين لا يحصلون على لقمة خبز كريمة, من هنا يبنون تصوراتهم على ان الشعراء الفقراء المعدمين اكثر معاناة من الشعراء المرتاحين اقتصاديا,.
الفقر في تصوري نوع واحد من أنواع المعاناة عند بعض الشعراء.
أي هو الجزء الصغير من الكل الواسع أو رافد من روافد النهر الشعري الذي عادة يسير في الروح بلا ضفاف.
ومع اقتناعنا التام بأنه لابد أن يتوفر في كل تجربة إبداعية قدرا من المعاناة إلا أن هذا لايعني اقتصار هذه المعاناة على جانب واحد منها وهو الخبز كما قلنا.
لدينا مثل شعبي يقولكل من له شقا اللي له
أي لكل إنسان على هذه الأرض شقاؤه الخاص به دون غيره من الناس, والشعراء من جملة هؤلاء الناس لهم شقاؤهم الخاص وهمومهم وعذاباتهم ومعاناتهم المختلفة عن غيرهم, فالإنسان كما نعرف جيدا لا يمكن أن يحقق جميع رغباته, ولو أشبعت جميع رغبات الشاعر، كما قال أحد الشعراء، لكف عن قول الشعر، أي أن هناك ثمة ماينقص الشاعر من هنا يكون البحث عن سد النقص هو المعاناة الوحيدة الحقيقية التي تؤرق هذا أو ذاك من الشعراء.
قد تكون المرأة الحلم التي تأتي ولا تأتي عمرو بن أبي ربيعه + نزار قباني وقد يكون البحث عن طريقة جديدة في القول سانت جون بيرس + رامبو + لوتريامون وقد تكون الحلم بالحصول على ولاية أبو الطيب المتنبي + ابن المقرب وأعيوني وقد تكون عشقا إلهيا رابعة العدوية + الحلاج + ابن عربي وقد تكون تخفيفا من حدة الفقد الخنساء + فدوى طوقان .
المعاناة لا يمكن أن نحصرها في لقمة الخبز وإلا شطبنا أهم شعراء العربية وهو أبو الطيب المتنبي من قائمة الشعراء المبدعين لأنه لم يكن عمليا يعاني من مشكلة الجوع التي كان يعاني منها على سبيل المثال أبو الشمقمق الذي كانت اغلب مواضيع شعره عن الجوع الذي يعانيه هو وعياله, معاناة أبي الطيب الحقيقية، كما نراها الآن بعد اكثر من ألف عام، كانت في حلمه بالحصول على مكانة ارفع مما وصل إليها وهي توليه مدينة أو ولاية ربما يريد من خلالها إقامة مدينة فاضلة هي مدينة الشعراء.
الجوع للخبز لايصنع شعرا وإلا رأينا كل جوعى العالم شعراء الجوع الذي يصنع الشعر هو جوع مجازي رمزي أسطوري, جوع للكمال وجوع للحرية وجوع لاكتشاف أقاليم جديدة في الكلمة واللغة وإذا شعر أي صاحب موهبة شعرية بهذا النمط الفريد الغريب من الجوع الكوني الذي يحتوي بين يديه الأنماط الأخرى اليومية في هذه اللحظة لن نرى هناك من يفرق بين شعرية المرتاح من الناحية المادية وشعرية الذي ينام بدون عشاء.
المعاناة الحقيقية الوحيدة التي نعتمدها في التفريق بين شاعرية الاثنين هي درجة الشعرية في قصائدهما وما عدا ذلك فهو زوائد لا تصلح إلا لجلسات المقاهي.
رجوعأعلى الصفحة
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
الثقافية
أفاق اسلامية
ملحق الميدان
محاضرة
لقاء
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved