Friday 12th November, 1999 G No. 9906جريدة الجزيرة الجمعة 4 ,شعبان 1420 العدد 9906


أطفال الفضاء

30 تموز 1999م ديمتري وتانيا رائدا فضاء روسيان، اخذا موقعهما قرب محطة (مير) والمفروض ان تكون مهمتهما ممتعة لا بل خاصة جدا: وهي حمل طفل في الفضاء، لكن السؤال ماذا يشبه هذا الطفل؟
ومن اجل اي شيء في العالم، لم يخسر (فيتالي دوبريش) مدير البنك الروسي الكبير من ارسال هذه البعثة النهائية نحو المحطة القديمة (مير).
في 22/1/1999م وفي مكتبه في موسكو على بعد 2300 كم من بيكونور، كان ينتظر بفارغ الصبر امام تلفازه ليرى انطلاق آخر الذين وضعوا ايديهم على (مير)، مدركا بذلك ان هذا التحليق يدل على نهاية العصر.
لكنه كان يتساءل دوما لماذا تركت (مير) هكذا؟ ولماذا لم تكن تخدم في مرور الملاحة الفضائية السوفيتية؟
- لقد كانت (فالنتينا تيريشكوف) اول امرأة صعدت الى الفضاء واصبحت رائدة فضاء قبل أي امرأة في الولايات المتحدة، وقد تزوجت بعد فترة قليلة من رائد فضاء ايضا هو (أدريان نيكوليف) وشكّلا معا اول زوج في الفضاء.
وقد ذكر (دوبريش) ان هناك طفلا قد ولد نتيجة هذا الرباط عام 1964م لكنه كان على الارض بعد قيام الزوجين المذكورين بالتحليق الفضائي.
وفي الاصل تم حمل هذا الطفل في الفضاء ضمن منطقة انعدام الجاذبية وكانت الام قد عادت الى الارض لتضع مولودها, وقد تخيل (دوبريش) اعادة حصول تجربة مماثلة، وبعكس ما هو متوقع فقد اقنع بسهولة رئيس (ر,ك,أ) الوكالة الوطنية الفضائية بذلك,, وقد اخذ على عاتقه شراء (سمبوركا) و(سويوز) ب800 مليون روبل ولم يكن يشك ان هذا كان استثمارا وتوظيفا ممتازين.
وقد وجد ان فريق هذه البعثة عادي نوعا ما بين رواد الفضاء الذين يتدربون لمهمات الى المحطة الدولية المستقبلية.
- ديمتري وتانيا البالغان من العمر 28 سنة ألزما نفسيهما بكل ارتياح أن تكون (زفيز دني كورودك) مدينة النجوم مكانا لعقد وربط حبهما وعلاقتهما الحميمة, وكانت التحضيرات سريعة: وبالتالي لم تسفر البعثة عن اية تجربة علمية خاصة, وبالمقابل لم يكن لهما الحق بالفشل.
- 30 تموز 1999م في الانطلاقة السادسة والثلاثين للبعثة النهائية، توصلت (سويوز) لرؤية محطة (مير), وتابعت المركبة المحورية بيفوتا سيرها ببطء وبقيت على اتصال بمركز المراقبة في موسكو, في الليلة الاولى، لم يحصل شيء لأن رواد الفضاء الثلاثة من الفريق السابق وجدوا انفسهم على الهامش، ولكن ورغم كل شيء كان رائدا الفضاء ديمتري وتانيا يعرفان انه من غير المجدي مجابهة الطبيعة.
وفي مدينة النجوم، رئيس الاطباء في مركز التدريب شرح لهما انه في منطقة انعدام الجاذبية يكون الرأس في الايام الاولى نحو الارض وتكون ضربات القلب اقوى ونحو الاعلى من اجل تروية الدماغ لأن الدم ينجذب نحو الاسفل بشكل كبير ويسبب جاذبية، وعندما تختفي ظاهرة انعدام الجاذبية، نتابع وكأن شيئا لم يحدث وتكون زيادة الدم باتجاه الاعلى، ويكون هناك نقص او عجز تحت الحزام ويكون الانتصاب اكثر إمكانية لأن الهيئات البدائية للقضيب لا ترتوي بشكل كاف, ولحسن الحظ فكل شيء يعود الى نظامه خلال ثلاثة ايام.
وقد صبرا على ذلك، وفي الليلة الأولى انزلقا داخل أكياس النوم.
وكانت تانيا تتساءل: هل تظن ان رواد الفضاء الذين كانوا قبلنا قد تحابوا في الفضاء,؟ ويجيبها ديمتري: بدون شك وانا شبه متأكد ان هذا حصل لرائدي الفضاء الامريكيين في سبتمبر 1992م عندما التقى الكولونيل (مارك لي) و(جان دافيس) على متن المركبة الفضائية (أنديافور) وكان عمرهما 38 سنة ولم يكونا يعرفان بعضهما البعض من قبل (مارك) انجز مهمته الاولى عام 1989م ثم تزوجا عام 1999م وهذا اذن ما وضع الوكالة الفضائية في مشكلة جدية, لأن ارسال زوجين الى الفضاء كان منافيا للقواعد لكنهم كانوا يحتملون كثيرا التدريب التخصصي على هذا الطيران وكان تبديل الفريق مكلفا للغاية.
- (نازا) قامت بمخالفة تنظيم الطقوس، والقت نظرة تأملية على سلوك العشق والحب لزوجين من رواد الفضاء في منطقة انعدام الجاذبية, وطبعا كل شيء بحسابه!! حيث تكون أحمق لكن تقوم بالحب والتزاوج في مثل هذه الظروف غير العادية.
- لقد كانت تجربة الانجاب في انعدام الجاذبية مدونة على البرنامج، لكنها كانت تخص ضفادع جنوب افريقيا وليس البشر.
لكن ماذا عن الشباب المتزوجين ,,,, ؟
ألم يقدّروا او يميزوا على الاطلاق الفضول الطائش والاسئلة الغادرة الخداعة التي كانت الموضوع الشاغل؟
- وقد أجابت (جان) في لقاء مع الصحافة قبل انطلاقها الى الفضاء: لا اعرف لماذا يفكر الناس بهذه الطريقة .
ويذكّر (مارك) بالصفة العلمية لمهمته، ويشير إلى ان جدول مواعيد أعمالهم كان موزعا.
وحدها الدكتورة (باتريسيا سانتي) عضوة في الفريق الطبي (لنازا) التي سلّمت بأن البشر يمكنهم التزاوج في الفضاء, حتى أنها اكدت بكل تواضع: يمكننا التزاوج في اي مكان، حتى في الفضاء .
وقد كانت الوكالات الفضائية جميعا صامتة عن هذا الموضوع.
لكن (نازا) كان لديها احتشام وحياء الفتاة الشابة ورمت خلف ظهرها كافة اسئلة المقابلات عن موضوع الجنس في الفضاء, لين ويلي عالم بيولوجيا في جامعة كاليفورنيا كان يعمل لصالح الوكالة الفضائية الامريكية وكان احد الأشخاص القلائل جدا الذين عارضوا هذا الحظر من الجانب الروسي: التصريح الأول الذي جاء كان من قبل مدير المعهد البيولوجي لوزارة الصحة السوفيتية (اولج كازنكو), ففي ديسمبر 1987م اكد في صحيفة (أزفسيتا) انه ليس هناك اي مانع اساسي لولادة الاطفال في الفضاء.
- اما في اليوم الثاني والثالث فقد انطلق ديمتري وتانيا الى الفضاء دون مهمة إلزامية وكان ذلك ممتعا جدا بالنسبة لهما.
وقد اثبتا ان لا شيء يمنع مرح العشاق في انعدام الجاذبية.
وقد اشارا ايضا إلى انه وبسبب انعدام الوزن، كان من السهل عليهما التكيف مع الاوضاع الخاصة.
وكان ديمتري يحلم للحظات بفنادق فضائية مشابهة لتلك التي يتخيلها اليابانيون.
- ان مهمة الآباء الأوائل في الفضاء وصلت لنهايتها ولم تخدم شيئا في التعمق بها، وبقرب دائرة الاخصاب الحاصلة من قبل اطباء مدينة النجوم كان ديمتري وتانيا قد تجاوزا للآن الفترة المناسبة ويحضران نفسيهما للعودة الى الارض.
وكان الوقت مبكرا جدا للقيام بتجربة كبيرة كهذه، لكن الفتاة الشابة كانت متأكدة بأنها حامل وكانت مندهشة بالتفكير بالمستقبل عندما كانت على متن المركبة تاركة وراءها محطة مير القديمة، وبدأت بعض المخاوف المقلقة تنهال على الأم الشابة: ماذا يشابه طفلنا؟ هل سيكون طبيعيا؟,,,
وبالطبع فهي اول من سيعرف ذلك بعد تسعة شهور.
- وكان للفرنسيين دور في مثل هذا: باتريك بودري اصبح أبا للصغيرة تانيا وكلودي اندريه أبا لكارلا,.
- ولكن هل يمكننا اعطاء ملخص نهائي علمي لهذه الاحصائيات؟
- ان الاحصائيات اعطت 100% لكنها لم توضع الا على عدد قليل من الحالات.
وبالطبع كان القلق يستولي عليهما من عملية الاستيلاد هذه في الفضاء؟ خاصة انه لهذه اللحظة كانت المخلوقات الحية الوحيدة التي ولدت في الفضاء هي حيوانات صغيرة وذباب واسماك وضفادع وفئران وسمندل.
وتتابع علماء البيولوجيا على مراحل لكن عند المعارف الحالية لم تكن ملاحظاتهم ووجهات نظرهم تبدو مناسبة تماما, كما ان التجارب التي جرت على بيوض الضفادع أظهرت تشوهات في النمو, وبالضبط بعد اختراق الحيوانات المنوية بدا ان هناك مرحلة صعبة لثلاث ساعات وخلالها كان للجاذبية الارضية دور أساسي.
- اذا تلاشت الجاذبية تتبدل العناصر داخل البيضة ويختل تناظر الجانبين للجنين, وما يهمنا ايضا هو ان تجارب الاخصاب المنتجة التي جرت في البعثات الفرنسية الروسية (انتار) و(بيغاس) مع بيوض الاخصاب في الفضاء يتبعها ولادة في الفضاء ايضا, فقد ازالت التشوهات في بعض مراحل التطور الجنيني لكن بالتساوي في بعض مراحل الاخصاب ذاتها وانقسام الخلايا واغلاق الانبوب العصبي,وقد أكد ديمتري انه في ربيع عام 1998م، كان رواد الفضاء الامريكيون قد حّملوا في مركبتهم الفضائية فئران حوامل للأجنة وذلك لمتابعة نمو صغار الفئران التي تولد في الفضاء, ومع الاسف فإن نصفهم قد مات لسوء العناية: حيث ان اغلبية الامهات انقطعن عن الاهتمام بصغارهن,.
- اذن، لم يكن يجب ان يكون عامل انعدام الجاذبية مهملا في انجاب الكائنات الحية الفقارية, لأنه يبدو ان انعدام الجاذبية كان يلعب دورا صعبا في أدق لحظة للاخصاب وفي بداية نمو البيوض.
ولحسن الحظ فإن التنظيم بدا قادرا على تصحيح هذه التشوهات.
بينما كانت تانيا تتساءل حائرة فيما اذا كانت مستعدة لهذه التجربة وبأنهما لا يلعبان بالنار اذا كبر طفلنا في الفضاء بقرب محطة مثل تلك التي كانت قيد الانشاء فكيف سيكون؟
- عندما يصبح راشدا، لن يستطيع بدون شك العيش على الارض بشكل عادي لأن عضلاته ستكون هزيلة وضامرة وضربات قلبه ستكون بطيئة جدا وعظامه تتكسر كالزجاج بسبب نقص الكالسيوم.
فجميع رواد الفضاء يعانون من النزكلة اي نقص الكالسيوم بشكل كبير ويفقدون المناعة ويقعون في المرض لدى اول تعرض لتيار هوائي مثلا,.
واذا تخيلنا انه في وقت متأخر يولد الطفل قرب المحطة فهذا الهبوط يمكن ان ينطلق وينبعث بعد عدة اجيال بصنف جديد من الجنس البشري.
وستكون هذه مخلوقات فضائية كما ستكون خفيفة اكثر منا وسيكون لها اربعة اعضاء نحيلة جدا لأن العضلات ضمن انعدام الجاذبية لا تفيد بشيء, هذه الاعضاء ستكون بدون شك اخاذة (وهذا وصف يطلق على كل عضو يتميز بخاصية الالتفاف والاخذ كاللسان والذنب عند بعض الحيوانات والحشرات) مثل اعضاء القرود، ويمكن ان نلاحظ انه في منطقة انعدام الجاذبية تنشد وتضمر الايدي اكثر من الارجل وسيكون العمود الفقري للمخلوقات الفضائية هذه ليناً لأنه لن يكون للجسد وزن كبير ليتحمله العمود الفقري ويستند اليه:
وسيكون للإنسان الجديد دماغ ضخم وكبير وستكون عيناه محميتين من الاشعاعات.
- لقد ضحكت تانيا من هذا وسلّمت بأنها لن تقع ابدا في حب نوع مماثل لهذا,اطفال المستقبل الهابطون من الفضاء سيكونون ملزمين بالبقاء هناك في الاعلى في المدار الفلكي لانهم لا يحتملون العودة الى منطقة الجاذبية الارضية.
لكن ماذا لو ولد الاطفال ضمن قواعد يستقرون فيها على المريخ عام 2020م او بعدها؟
- سيكون الامر مختلفا لأنه يوجد على المريخ جاذبية وهي ليست قوية جدا حيت تشكّل ثلث الجاذبية الموجودة على الارض وهذا يكفي لكيلا نصطدم بالصخور او العثرات ذاتها التي في انعدام الجاذبية الكامل.
وبالمقابل، جميع هؤلاء الذين يدرسون هذا الموضوع يسلمون بأنه بالنسبة لمسببات وبواعث التوازن النفسي البسيكولوجي يجب ان نحيي وننشئ الحياة لأزواج من الرجال والنساء في هذه المستعمرات الفضائية المستقبلية.
وسيكون منطقيا ان يكون هناك أطفال,وهؤلاء الاطفال سيكونون مريخيين اي من سكان المريخ, فلنأمل فقط ألا يكونوا صغار الحجم او لونهم أخضر,,
مترجمة عن مجلة العلم والحياة الفرنسية

رجوعأعلى الصفحة
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
الثقافية
أفاق اسلامية
ملحق الميدان
محاضرة
لقاء
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved