Friday 26th November, 1999 G No. 9920جريدة الجزيرة الجمعة 18 ,شعبان 1420 العدد 9920


قضية للنقاش
طريق السلام السوري اللبناني
رضا محمد لاري

تريد اسرائيل فصل الجبهة السورية اللبنانية بالغاء المسار السلمي الموحد بينهما بعد أن ثبت لها تعذر فرض ارادتها عليهما بعيداً عن الارادة الدولية التي يتمسكان بها ويعملان على فرضها لتحديد العلاقة مع اسرائيل في مرحلة المفاوضات التي قطعت، وفي مرحلة المفاوضات ان عادت، وفي مرحلة التعامل ان نجحت المفاوضات في تحقيق الصلح واقامة السلام الاقليمي.
يتضح هذا الاتجاه الاسرائيلي من تصريحات رئيس الوزراء يهودا باراك الذي أعلن ان بلاده لم تستأذن من أحد عندما احتلت الجنوب اللبناني في سنة 1982م، وهي ليست في حاجة الى الاستئذان من احد اذا قررت الانسحاب منه في هذا العام 1999م او في العام الذي يليه 2000م الارادة الاسرائيلية المستندة الى مصالحنا هي التي تحكم تصرفاتنا سواء جاءت متناسقة مع الارادة الدولية او جاءت متناقضة مع هذه الارادة الدولية.
في الماضي كانت اسرائيل تريد تعدد المسارات التفاوضية لتصل الى ثنائية المباحثات وحجتها في ذلك ان لكل طرف من الاطراف العربية له وضع خاص وهو ما يستدعي التعامل معه بشكل انفرادي حتى لا تخلط الأوراق في ظل التفاوض الجماعي مع كل الاطراف في وقت واحد.
هذه الحجة الاسرائيلية تعكس رغبتها في فك اختناقها من اتفاقية كامب ديفيد التي حددت بوضوح الأرض في مقابل السلام الذي لا يتكامل الا بالحل الشامل مع كل الاطراف وهو ما لا ترغب فيه اسرائيل لانها لا تريد ان تعيد الارض وتسعى الى ربط نفسها باتفاقيات سلام مع جيرانها العرب.
كان اسحاق رابين يردد بصورة عملية ان اتفاقية كامب ديفيد خاصة بعلاقاتنا مع مصر ولا يمكن ان نطبقها على غيرها من الدول العربية التي رفضت التفاوض معنا في ذلك الوقت، وأخذت تهاجم بضراوة المفاوضات الاسرائيلية المصرية، كما ان تغيير الظروف الاقليمية في ظل مناخ دولي جديد يتطلبان التعامل السلمي بالمعطيات الجديدة الاقليمية والدولية.
نجاح اسرائيل في حل العلاقة الاسرائيلية الاردنية تحت مظلة التفاوض الثنائي بينهما اعطى للطريق التفاوضي معالمه المحددة، ولكن تعثر المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية تحت المظلة الثنائية فرض الخوف من وعورة هذا الطريق خصوصاً وان تل ابيب تقوم فيه بدور قاطعي الطريق الذين ينهبون ويسرقون ويقتلون في سبيل حصولهم على المكاسب من رواد هذا الطريق.
سوريا ولبنان منذ البداية اعلنتا بأن التفاوض معهما لا بد ان يكون تحت مسار سلمي واحد ليسترجعا في وقت واحد مرتفعات الجولان في سوريا وارض الجنوب في لبنان ويتفقا بصورة موحدة على الصلح مع اسرائيل بكل ما يترتب عليه من سلام اقليمي، وظلا يرفضان بصورة قاطعة كل محاولات اسرائيل في التفاوض الثنائي مع سوريا والتفاوض الثنائي مع لبنان، وهو ما جعل اسرائيل تدور حول نفسها فتضرب لبنان لترضخ الى ثنائية التفاوض مع اسرائيل، وتنكر حق سوريا في مرتفعات الجولان على اساس أنها جزء من ارض الميعاد وشعب الله المختار لتقبل التفاوض الثنائي لتستعيد جزءاً من هذه المرتفعات، ولكن كل ذلك لم ينفع مع دمشق وبيروت اللتين واصلتا اصرارهما على التفاوض جبهة واحدة مع اسرائيل في ظل الارادة الدولية القاضية بإرجاع اراضيهما المحتلة بالكامل في مقابل السلام.
كانت واشنطون ترفض تدخل اي دول اخرى للوساطة بين اسرائيل والاطراف العربية، وكان يدعم هذا الموقف الامريكي من الوساطة تل ابيب التي كانت ترفض القبول بوساطة غير امريكية بينها وبين العرب، وظلت الاطراف العربية المعنية بالتفاوض المباشر مع اسرائيل تدور في حلقات مفرغة تجد نفسها بعد اشواط طويلة من المفاوضات تعود الى نقطة البداية الاولى بمؤامرة محكمة الاركان بين واشنطن وتل ابيب.
في مؤتمر قمة اوسلو الأخير وافقت امريكا بدون مسببات او مقدمات السماح لغيرها من الدول القيام بدور الوساطة بين اسرائيل وجيرانها العرب من اصحاب الاراضي المحتلة، واتجهت الانظار العربية صوب باريس، وشاهد قصر الإليزيه زيارات عربية مكثفة جاء في اثنائها ايضا زيارة رئيس الوزارة الاسرائيلية يهودا باراك واجتماعه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي بادر بارسال وزير خارجيته هوبير فيدرين الى منطقة الشرق الاوسط، وقام بجولة شملت دمشق وبيروت وتل ابيب بهدف سد الفجوة بين سوريا واسرائيل حتى تعود المباحثات السلمية بينهما.
يبدو ان امريكا ارادت ان تثبت بصورة عملية فشل غيرها في الوساطة بين اسرائيل والعرب لأن وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين اخفق تماماً في تقريب وجهات النظر بين دمشق وتل ابيب وهذا الاخفاق خيب الآمال العربية في فرنسا خصوصاً وان الوزير الفرنسي اعلن بدون مراعاة للمصالح العربية وحقوقهم المشروعة في الاراضي المغتصبة ان فرنسا جاءت الى الاقليم وتحمل على كتفها مسؤولية تذليل ارضية التفاوض لاسرائيل حتى تحقق الامن لنفسها من قبل وصولها الى السلام مع جيرانها.
تبنى وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين وجهة نظر اسرائيل عندما قال بأن مسألة الجنوب اللبناني هي مشكلة الساعة القائمة في اقليم الشرق الاوسط ويجب ان تحل بصورة منفصلة عن سوريا ومرتفعات الجولان موضوع خلافها مع اسرائيل ونادى بضرورة فصل المسارين السوري واللبناني حتى يتحقق السلام مع لبنان أولاً، ويتم التفاوض على السلام مع سوريا بعيداً عن ضغط مشكلة الجنوب اللبناني بعد الوصول الى حل لها مع اسرائيل.
تتناقض هذه النغمة الفرنسية مع العزف السوري اللبناني الذي يرفض الاخذ بمسارين تفاوضيين لوجود ترابط قوي بين البلدين امتداد جغرافي واحد وترابط بشري والتزام استراتيجي يجعل من سوريا ولبنان كتلة واحدة تتحرك معاً في طريق السلام بقبول التعامل معه او رفض التعامل به.
لم ينفع تهديد وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين المبطن لسوريا بعدم وضع شروط مسبقة على التفاوض حتى لا تعطي الانطباع بانها رافضة للسلام، وحذرت بان في امكان رئيس الوزارة الاسرائيلية اتخاد قرار انفرادي بالانسحاب من الجنوب اللبناني دون ان تلجأ الى التفاوض معها بحكم قرار مجلس الامن 425 الذي لا يلزمها بالتفاوض مع لبنان للانسحاب من اراضيه في الجنوب,وفي نفس الوقت نقل وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين الى سوريا تحذير اسرائيل بشن هجوم موسع على لبنان اذا هاجمها حزب الله بعد انسحابها من الجنوب اللبناني وفهمت سوريا هذا التهديد بان اسرائيل ستقوم بالهجوم على سوريا لو اقدم حزب الله على مهاجمة اسرائيل بعد انسحابها من الجنوب اللبناني.
ردت سوريا على هذا التهديد بأن حزب الله يمثل حركة نضالية ضد احتلال ارض بلاده واستمرار الاحتلال لمرتفعات الجولان من قبل اسرائيل سيعرضها لنضال ضدها من قبل حزب الله الذي تتشكل كوادره من السوريين فهو ليس لبناني الهوية كما تصور اسرائيل وانما هو عربي المحتد يحارب في سبيل تحرير الاراضي العربية سواء كانت في الجنوب اللبناني وسواء كانت في مرتفعات الجولان فانسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني لن يلغي ادوار النضال لحزب الله في داخل اسرائيل طالما ظلت مرتفعات الجولان خاضعة للاحتلال الاسرائيلي.
أوضحت سوريا لوزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين ان سوريا لن تتفاوض حول الارض المحلتة في مرتفعات الجولان وانما تطالب بتنفيذ قراري مجلس الامن 242 و338 القاضيين بالانسحاب من الاراضي العربية المحتلة مما يجعلها تصر على العودة لحدود 4 يونيه من سنة 1967م ليأتي بعد ذلك التفاوض على الصلح الذي يحقق السلام الاقليمي بكل ما يرتبط به من أمن لكل الاطراف في منطقة الشرق الاوسط.
ان محاولة اسرائيل فصل المسار اللبناني عن المسار السوري لم يعد يهدف فقط الى التعامل الثنائي مع الدولتين على حدة وانما يرمي ايضا الى شطر الجبهة السورية اللبنانية واحداث شرخ فيها حتى تستطيع أن تفرض سبق لبنان بالصلح مع اسرائيل في ظل اعادة انتشار قواتها على نفس النمط الذي تمارسه اليوم مع الفلسطينيين فتتمكن بذلك من تطويق سوريا وتحاصرها بعسكرها فترضخ للاستسلام لاسرائيل والقبول بشروطها وبذلك تحقق نتيجة انتصارها في حرب 5 يونيه 1967م باملاء شروطها بعد اثنين وثلاثين سنة من ذلك الانتصار، وهو الأمر الذي يرفضه العرب ولا تقبل به سوريا تحت كل الظروف المختلفة الاقليمية والاوضاع الدولية الراهنة والوصول بالاوضاع الى هذه المعادلة لن تعطي اسرائيل حقوق المنتصر وتخضع العرب لنتائج هزيمة سابقة تؤدي الى وضع اقليمي قابل في اية لحظة الى الانفجار.
لا يمكن لسوريا او لبنان القبول بالوضع الذي تسعى اليه اسرائيل الرامي الى تفتيت الجبهة الواحدة الى جبهتين وكلاهما لا يقبل بالحل الجزئي مع لبنان بعيداً عن الحل السلمي مع سوريا لأن التسوية السلمية تتطلب تسوية مشتركة تجمع سوريا ولبنان معاً، والقول بغير ذلك هو تسويف للسلام وعرقلة للمفاوضات على الجانبين السوري اللبناني,تدخل فرنسا لتضغط بروابطها الحميمة مع لبنان حتى تقبل بالحل السلمي مع اسرائيل في غياب سوريا لا يزيد عن مضيعة للوقت لان بيروت لن تقبل به وستواصل سوريا رفض قبوله واصبح من الضروري البحث عن طريق سلمي جديد يلتزم بالموقف السوري اللبناني المشترك.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

أفاق اسلامية

قمة مجلس التعاون

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved