Friday 26th November, 1999 G No. 9920جريدة الجزيرة الجمعة 18 ,شعبان 1420 العدد 9920


يرفض الدخول في أنبوب التاريخ ويدافع عن اللغة العربية,,,الروائي الجزائري الطاهر وطار
دخلت في تحد مع الكتاب بالفرنسية وكان لي الانتصار
الكتابة بغير لغتنا زرع في أرض غيرنا

لم ينخدع بالهامش وتمسك بمتن الثقافة العربية وعاش في قلبها وكتب باللغة العربية رافضا الانضواء تحت مغريات الكتابة بالفرنسية كشأن الكثيرين من ادباء الجزائر، انه الاديب والقاص المبدع الطاهر وطار احد الرواد الذين وضعوا اسس الرواية والقصة القصيرة في الجزائر واعطى برواياته اللاز، الزلزال، عرس بغل، القصر، الشمعة والدهاليز، وغيرها مكانة متميزة للرواية الجزائرية في الادب العربي المعاصر، حافظ على التراث العربي ونأى عن محاكاة الكتاب الغربيين او نجيب محفوظ، وادريس وغيرهما،
كتب رواياته بشكل تقليدي ملتزما بالنباء الفني الذي لا يسعى الى اغراب او تعقيد مؤكدا انتماءه للغة العربية الاصيلة ولتراثها وعظمتها يحفظ آلاف الامثال والاغاني الشعبية والفلكورية فجاء ابداعه متضمنا لكل هذا: عمل صحفيا بجريدة الصباح التونسية واسس صحيفة الاحرار واسس الملحق الثقافي لصحيفة الشهر الثقافي وترجمت اعماله الى العديد من اللغات العالمية.
التقته (الجزيرة) في هذا الحوار الذي طاف فيه على مشواره الابداعي وقضية اللغة العربية في الجزائر ودلالات رواياته ومكانتها والعديد من القضايا الاخرى.
في ربوع الجزائر
* كيف كانت طفولتك تلك المرحلة التي يمتزج فيها النقاء والبراءة مع الخوف والقسوة، الخيال والواقع، مع الجمال لينصهر الكل في بوتقة يخرج منها بعد سنوات كاتب واديب عربي اسمه الطاهر وطار؟
انا ابن بادية من قبيلة بربرية شاوية اي انني ورثت تشكيلة لغوية غير العربية في صباي، ولدت في مرتفعات جبلية عالية محاطة بالاشجار فعايشت حكايات الجدات والامهات وسط عواء الذئاب،عملت راعيا او بالاصح كنت اعوض غياب الراعي احيانا، ولانني ضعيف البنية عليل الصحة فقد عشت عدم الانسجام مع اترابي فلا ألعب او امرح معهم بل اعهد دائما للتأمل.
كان يمتلكني هاجس يدفعني للتعبير عن شيء ما في داخلي فحاولت ان اغني وأستمع الى صوتي ثم اكتشفت وانا طالب في قسطنطينية حكايات الف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، جبران خليل جبران والادب العربي الحديث لكني كنت قد انهمكت اثناءها في الموسيقى ثم حاولت ان اقول شعرا فلم افلح في هذا او ذاك.
وانا اعود الى قريتنا كنت اصوغ كل ما قرأته من حكايات باللهجة المحلية او بالدارجة فيجلس الي اخواتي والجيران والاصدقاء يستمعون اليها، وكنت اضيف اليها اشياء من تأليفي واصارحهم بذلك احيانا,, عندما ذهبت الى تونس قرأت مجلة القصة التي تصدر في مصر وهي سلسلة تترجم اكثر مما تنشر وبمجرد ما قرأت العدد الاول منها رحت اكتب قصة وارسلتها الى جريدة الصباح فنشرتها فوجئت بذلك ومن يومها قررت ان اصبح قاصا.
* احب ان اسألك عن الروح التي تريد دائما تجسيدها في اعمالك الروائية؟
انا مسكون بالشعب الجزائري بتعدديته وعظمته وجنونه وانا احفظ عدة آلاف من امثاله واغانيه الشعبية والفلكورية اجلس معه في المقاهي ولي اصدقاء حدادون، نجارون، تجار، ومثقفون ومن مختلف المهن,, وكل هذا معكوس في كتاباتي وانا احمل في روحي تمرد الجزائري على كل ما هو نظام ما شغلني ومازال يشغلني هذه السنوات هو تردد البعض وخيانتهم وانتهازيتهم وكذبهم على التاريخ وتلونهم.
الرواية لا تحمل اللغة الفضفاضة
* بين رواة (اللاز) اولى رواياتك ورواية الشمعة والدهاليز احداثها لاشك ان هناك مؤثرات شكلت وعيك وثبتت اقدامك على طريق الابداع؟
كانت (اللاز) وهي بالاتينية (الاس) والمقصود به هو رمز للشعب الى الواحد المفرد الذي لا تتغير قيمته الا نادرا حتى في الحجر او في الورق وقد فتحت عيني في مرحلة الخمسينات التي تعتبر العصر الذهبي للادب عصر النهضة الحقيقية، عصر نشاط الطباعة والترجمة والتسويق حيث صارت الكتب تتداول بين البلدان العربية بسهولة,, قرأت كل ما نشر ايامها بدءا من خليل جبران الى ميخائيل نعيمة وزكي مبارك وامين الريحاني والحكيم ونجيب محفوظ واستفدت من الترجمات كثيرا.
وفتحت الثورة التحريرية عيني اكثر على الحياة وانا اساس دارس للشؤون الدينية والتراثية الاسلامية فان اتحول الى كاتب رواية وقصة وادرس علم نفس كان شيئا غريبا وغير متوقع، درست في جامعة الزيتونة وتعلمت في معهد عبدالحميد بن باديس ولم اتردد على المدارس الفرنسية وتطورت ثقافتي بعد ذلك فصرت مهجريا ثم تحولت الى التمرد مع اطلاعي على فلسفة امين الريحاني واكتشفت بعدها الوجودية فانهمكت في قراءة سارتر والبير كامي وكتبت وقتها مسرحية (الهارب) على اساس انها معارضة للوجودية وقاطعت الوجودية.
ومدرستي مؤلفة من ثلاثة مصادر كبيرة ترمز الى ثلاثة كتب هم هيمنجواي، سارتر، مكسيم، جوركي فضلا عن كتابنا العرب الذين تعلمت من بعضهم الغوص مع الانسان الى حالته البشرية العارية وهذا واضح في اللاز، الزلزال، عرس بغل، الحوت، القصر، تجربة في العشق,,)
* تأثرت في مصادرك العربية بالمغرب العربي اكثر من المشرق العربي وكتابه رغم ان الحياة الثقافية في الجزائر وتونس تأثرت وقت ظهوركم بالثقافة الوافدة من المشرق بشكل طاغ,, ماتفسير ذلك؟
ربما لان لغتنا في المغرب العربي تتميز عن لغة المشرق بتراثيتها التي وجدت قبل ظهور هذه اللغة الصحفية الخفيفة التي نستخدمها اليوم وهي لغة تتميز بالدقة بفضل احتكاكها باللغة الفرنسية وربما يعود هذا فيما يخصني الى اتجاهي للرواية والقصة القصيرة فالرواية لا تحتمل اللغة الفضفاضة والتعابير التقريبية وانما تحتاج الى تعبير دقيق يعبر عن الحالة والموقف واللون، ولاشك في ان نهضة الترجمة في العالم العربي في الخمسينيات وسهولة انتقال الكتاب العربي المطبوع في لبنان اومصر او تونس افادتني كثيرا مثلما هو شأن كتاب عرب كثيرين.
فرنسة الادب
* اللغة الفرنسية هي السائدة بشكل عام في المغرب العربي وفي الجزائر بخاصة هل كان هذا يمثل مشكلة لكم في ان الكتابة بلغة عربية خالصة بينما الغالبية يكتبون باللغة الفرنسية؟
لم تكن مشكلة بل كانت عاملا مساعدا انا لم اعرف الفرنسية الا اخيرا تعلمتها بجهدي الخاص وبحكم المحيط بي وساعدني وجود كتابة بالفرنسية على التحدي على ان اقدم كتابة جيدة المستوى من حيث انتشار الادب باللغة العربية فهو ينتشر بين القراء اكثر من الادب المكتوب بالفرنسية هناك قراء كثيرون للعربية, , امامي تحد لان الادب المشرقي متطور ومتمكن من اللغة ولاكتساب خبرة او تجربة والادب الجزائري والمغرب المكتوب بالفرنسية ينهل من المنبع مباشرة فضلا عن امكاناته الفنية,, ولهذا استطيع ان اقول ان وجود الادب باللغة الفرنسية كان عاملا مساعدا اكثر مما هو عامل مثبط بالنسبة لي.
لا أكرر لغتي
* تعتني بالابداع في اللغة عند استعمالها ام انك تكتفي بلغة التكرار او الاستنساخ لتأتي الكلمات في قوالب معهودة وتكون سهلة البلع والهضم؟
بحكم انني كاتب سياسي او حتى ايديولوجي فانني لا اجازف ابدا بمفرداتي,, اتوقف عند كل مفردة واقول انه ينبغي الا تكون مفردة اعتباطية او جزافية والا تؤول وانا لا اكرر لغتي كما احاول قدر الامكان الابتعاد عن اللغة القاموسية لتكون لغة روائية مرتفعة عن المستوى العامي وهي لغة ادبية تعرف بالسهل الممتنع,, وهذا عمل مهم جدا في كتابة الرواية التي ينبغي الا تحمل نفس اللغة من بدايتها الى نهايتها, فكل فقرة لها لغتها وكل صفحة لها لغتها كذلك، ولكل شخصية لغتها كما يجب ان تكون هناك هرمونية كاملة في هذه العملية.
* هناك تعتيم معرفي بالادب الجزائري في كثير من البلدان العربية,, ما سر هذاالتعتيم؟
بالنسبة لي انا طبعت في العراق والقاهرة وبيروت كثيرا وربما عدد قرائي في مصر مثلا اكثر من عدد قرائي في الجزائر نظرا لطبعات دار الهلال,, عموما فالكاتب المغاربي يشكو من تجاهل اخيه المشرقي لأدبه وكتاباته من قديم الزمان لكني اعتقد انه في السنوات الاخيرة صار هناك نوع من التواصل القوي بين المشرق والمغرب رغم القطيعة الموجودة بين دور النشر والتوزيع والقطاع التجاري للكتاب بصفة خاصة.
* انت روائي اولا وصحفي ثانيا وناقد ثالثا فهل ترسم لنا خارطة للحركة الثقافية في الجزائر (شعر، وقصة)؟
ستجد عددا من الشعراء هم عز الدين ميهوبي، محمد زاتيني، عبدالعال ارزاقي، عمر ازرج، وادريس بوذيبة وغيرهم لا تحضرني اسماؤهم.
والقصة القصيرة كانت مزدهرة في السبعينات وهناك من كتاب الشعر في السبعينيات احمد حمدي بحري، وابو القاسم خمار,, وظهر في القصة القصيرة عمار ابو الحسن، بقتاش مرزق، الادري شريق.
في السبعينيات ايضا ظهرت مجموعتا (شهداء يعودون هذا الاسبوع) الى جانبها ظهرت اسماء مهمة ومحترمة اما في الثمانينيات وبداية التسعينيات ونظرا لركود المجتمع الاحظ انحسار القصة وعدم ظهور اسماء جديدة مهمة, ربما لضيق وقت القارىء الذي اصبح محاصرا بوسائل الاعلام.
* كتاب القصة القصيرة والرواية الجزائرية هم نقاد اعمالهم الا يوجد نقاد في الجزائر؟
النقد غائب حقا ولهذا توجهت لانشاء جمعية ثقافية مهمتها تسليط الضوء على الانتاج الادبي في الجزائر,, وعن نفسي فانا محفوظ ملأت فراغا في جزائرنا ومعظم النقد يدعم توجهي وانتاجي ويوافق على مدرستي في الكتابة، حتى النقد الذي كان ضدي افادني لانه اشار الى نقائصي والخلل الذي ربما يكون موجودا,, الحمد لله النقد انصفني.
مجدي إبراهيم

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

أفاق اسلامية

قمة مجلس التعاون

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved