Thursday 2nd December, 1999 G No. 9926جريدة الجزيرة الخميس 24 ,شعبان 1420 العدد 9926


اقتصاد الضفادع

يقول نايجل هاريس في كتابه الرائع الاقتصاد العالمي في أزمة : ان العالم الحقيقي هو نظام عالمي وليس نظام قرية.
لذا فإن تعقيدات الفعاليات المتشابكة لا يمكن حصرها وهي تشير الى نقص تصوراتنا عن البلدان الصناعية ونشطاتها, ولا تستطيع هذه النشاطات ان تتوافق مع المفهوم المعروف في كل من البلدان الصناعية بالاقتصاد الأسود كما في بريطانيا او بالاقتصاد الخفي كما في أمريكا او بالعمل الأسود في فرنسا وألمانيا.
إن نمو او اكتشاف الاتجار بالكادحين مسجل بوثائق داخل المناطق المركزية الصناعية فمعهد الأبحاث الاجتماعية (سنسي) قدر ان ما يدعوه بالاقتصاد الموازي قد وفر في نهاية السبعينيات ما بين 4 7 ملايين وظيفة ومن ضمنها الأعمال الاضافية وأعمال بعض الوقت البيتية, كما الاستخدام بدوام كامل.
كما ان وجود قطاع خفي في الاقتصاد قد قطع شوطا لا بأس به حيث ساعد المحللين الاقتصاديين على تفسير عدد من التناقضات الظاهرية: الانجاز القوي للاقتصاد الذي يعاني من إفلاس الصناعة على نطاق واسع، وظهور مستويات عالية نسبيا من الازدهار الى جانب الركود الرسمي.
ومن ثم، فهناك تحبيذ عام للعمل على نطاق ضيق في العالم الصناعي سواء أكان هذا سببا او نتيجة.
وقد قامت الحكومات باجراءات متواضعة لتساعد العمل الصغير، وكانت هناك مقترحات لايجاد مناطق لصادرات هذا الأسلوب الصناعي في البلدان الصناعية.
وكان من المأمول ان تكون مشاتل محمية للعمل الصغير بدل أن تكون ملاذا للفروع الصغيرة التابعة للصناعات الكبرى, إن الاقتصاد الأسود، الاتجار بالكادحين يعمل خارج سيطرة او حتى مشاهدة الدولة وحجمه وتركيبه وتنوعه مع الزمن غير معروفة، ويبدو انه من تأثير قطاعات تتلاءم بطبيعتها مع الأشكال السائدة من المنافسة داخل النظام العالمي وهي ليست بإيعاز اقتصاد وطني.
إنه نظام رأسمالي خاص بالرغم من انه يعتمد على سرقة موارده من القطاع العام، فهو يعمل بشكل مستقل عن رقابة الدولة.
في إيطاليا يُدعى انتاج العالم الثالث وهذه التسمية تسترعي الانتباه ليس فقط لأن المهاجرين هم الذين يمدون الاقتصاد الاسود غالبا بالرجال في بعض أقسام المناطق الصناعية ولكن لأن وراء النطاق الضيق للبلدان الصناعية يقع عالم يسكنه ثلثا البشر حيث الاتجار بالكادحين ليس صفة سرية في النظام بل هو عنصرها الرئيسي, حقا، ان الغالبية الساحقة لقوة العمل في العالم خارج الزراعة كانت منخرطة في مهن الكادحين.
انها عملية شبيهة بقفز الضفادع حيث وصلت بعض البلدان النامية أولا لتجد ان قاعدتها الانتاجية التي بدأت بها قد تحركت الى قطاعات أخرى إذ تغيرت سرعة النشاط الاقتصادي.
والشركات الدولية المتواضعة في مناطق التجارة الحرة كان بودها ان تكون كثيرة الحركة حسب تنوع التكاليف وهي لم تكن واقعة في فخ حكومات معينة ولا عديمة الحركة في توضعها في المنطقة الحرة.
إن جزءا من هذا العالم هو اقتصاد أسود ولكن معظمه أبيض او رمادي على الأقل، وهذا لا يعني بأن الاسود غير مشروع او معترف به علنا فالاقتصاد الأسود هو من اختراع المناطق الصناعية في العالم وهو استجابة السوق الى نظام ضريبي خاص في الاقتصاد الموجه.
والأحرى ان يكون وطنه الطبيعي في قلب مهن الكادحين في البلدان النامية، حتى لو اعطي اسما حياديا كالقطاع غير الرسمي .
لقد ازدهر الاتجار بالكادحين بينما اؤلئك الذين لا يتطلب عملهم كدحا كسد حقهم.
وحين ازدهرت مهن أولئك الكادحين اندمجت في نظام الانتاج العالمي في مرحلة جديدة.
فاخترعت السيارات العالمية بمبادرة من فورد وجنرال موتورز، وصنعت اجزاؤها في البلدان النامية كلها، وبناء السفن والآلات العامة وجموعة واسعة من الكيميائيات لم تعد مقتصرة على المناطق المركزية.
ولو ان العملية استمرت لأدت الى تغير مذهل في التوزيع الصناعي.
ولكن كان هناك كثير من العوائق وليس اقلها الحجم المخيف من الديون المتراكمة وحوافز الحماية الجمركية في البلاد الصناعية, ولكن اذا أمكن تجاوزها، فإن معدلات الربح العالمي قد تستمر.
إن الفجوة بين الأفعال العلنية والحقيقة المستورة هي نفسها في كل البلدان ونفسها في كثير من الأبعاد المختلفة.
إن مجمل الانتاج المحلي قد يقفز قدما ولكن الأرقام لا تتحدث عن عدد الناس الذين يعملون وكم منهم لديهم دخول محتملة ان كل النمو في العالم لم يشبع كل الجياع وحتى في البلدان الصغيرة.
فالغالبية تمارس حياة في غاية التقشف فالدخول بالنسبة لمعظم الناس متدنية والعمل طويل وشاق.
إن اشخاصا بأعمار عشرة أعوام او أكثر قليلا كانوا يعملون 15 ساعة او أكثر في اليوم, وأكثر من نصفهم يعملون 54 ساعة في الأسبوع.
يقول روبرت بورتنر في مقالته كدح الأطفال وما ينشأ عنه من مشاكل ان ما يقرب من 36000 طفل تحت سن الرابعة عشرة يعملون و25000 منهم بدوام كامل.
ان ارقام الذين تحسنت احوالهم كبيرة ولكن بالنسبة للمحتاجين صغيرة.
فمازال معظم الناس في الدول النامية يمشون حفاة، ولا يجدون ما يستر عوراتهم، ويتكومون نياما على الارصفة وفي أكواخ بالية تعصف بها الأرياح وتسقطها الأمطار ولم يتبدل في العالم شيء.
لذا فليس كافيا ان نقول ان التغييرات تحتاج الى وقت.
لقد مرّ عصر، اعمار بكاملها قد انطوت فمثل هذه التطمينات تصدق أكثر لو ان الزمن كان كافيا لينهي الفقر حتى من أراضي المراكز الصناعية.
فهذه هي البلدان المصنعة حديثا، أمثلة على التطور الاقتصادي فبالنسبة للبلدان النامية فان اربعين عاما تقريبا من التطبيق المستمر للتقنية الاقتصادية في فترة عرفت أسرع نمو، تركت مع ذلك عددا هائلا من الناس، 500 مليون او ثمن سكان العالم تقريبا لا يمارسون تحسنا في جوهر حياتهم.
إذن ما هي تجربة التنمية الاقتصادية في فترة الازدهار الكبير؟! إن تصور التنمية الاقتصادية الوطنية هي من اختراع الخمسينات وهي تتضمن على الأقل ثلاثة عناصر: نموا ذاتي الدعم في رصيد البلاد وتغيرا مستمرا في بنية الانتاج وكل هذا على اساس وحدة اقتصادية وطنية.
ختاما أقول ان التفسيرات في المجتمع الاقتصادي ليست اجابات على مشكلة، ولكنها أسلحة في قتال، وهي أساس التجنيد أو اللوم، فدراسة الاقتصاد له ثقوب سوداءو ولكن هذا ليس بسبب عمى الاقتصاديين بل بسصبب عمى النظم الاجتماعية المعاصرة لأن التعامي يقوم بوظيفته في حماية الوضع القائم والدفاع عنه.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved