Monday 6th December, 1999 G No. 9930جريدة الجزيرة الأثنين 28 ,شعبان 1420 العدد 9930


أبعاد حديث الأمير سلطان في الجامعة
علوي طه الصافي

في حوار مفتوح يتميز بالوضوح,, والصراحة,, والعقلانية,, والموضوعية التقى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام مع المشاركين والحضور في (المؤتمر الثالث لدراسات التصحر والبيئة) الذي رعاه سموه الكريم مساء يوم الاربعاء 24/8/1420ه الموافق 1 ديسمبر 1999م.
وكان يفترض كما يقضي البروتوكول,, والتقاليد الرسمية ان يكون الحوار المفتوح مع سموه في حدود (موضوع المؤتمر),, لا يخرج عنه,, لان اي مسؤول يدعى لرعاية مؤتمر له موضوعه (المحدد) ,, يفترض ان اي حوار او حديث، يعد نفسه,, وقد يحضر في عقله,, او عن طريق القاء كلمة عن المؤتمر الذي يرعاه,, واهدافه,, ومراميه,, وأبعاده المختلفة,, واهمية قيام مثل هذه المؤتمرات الانسانية في بلادنا,, ومردوداتها على مجتمعنا بصورة خاصة وعلى بقية المجتمعات الانسانية خارج بلادنا مستقبليا.
ولكن,, لان لبلادنا,, والمسؤولين,, والقادة (بروتوكولاتها),, وتقاليدها الرسمية الخاصة التي قد تخرج وغالبا,, ان لم يكن دائما في مفهومها,, وخصوصيتها,, وثوابتها الدينية,, والاجتماعية على وجه الخصوص عن الالتزام المفروض عن كل (بروتوكولات),, و(تقاليد) المجتمعات,, والبلدان الاخرى.
فمن ثوابتنا (الاجتماعية),, و(الرسمية) ان العلاقات القائمة بين الحاكمين,, والمحكومين,, او بين المسؤول,, والمواطن,, هي علاقات حميمية,, تتخطى الحدود,, والسدود,, والحواجز,, ابتداء من (الملك),, وانتهاء باي مسئول,, وزيرا كان,, ام غير وزير,, اميراً كان,, أو مواطنا عادياً,, وابواب مكاتب كل راع,, وحاكم,, ومسؤول,, في بلادنا مفتوحة لاي مواطن دون النظر الى موقعه الاجتماعي,, غنيا كان,, ام فقيرا,, ودون التركيز على مكانته في اعراب (الجملة المسؤولة),, او (الجملة الاجتماعية),, فالجميع سواء,, وهذه الثوابت القائمة في بلادنا هي من (الثوابت) الراسخة في ديننا الحنيف العادل,, وسنتنا النبوية,, التي تطبقها بلادنا بين الحاكم,, والمحكوم فللجميع (حقوق) مصونة لا يعتدي عليها اي انسان مهما كان مكانه,, ومكانته,, ومركزه,, او منصبه رفيعا,, ام غير رفيع ,, وعلى الجميع (واجبات) يجب ان يؤديها كل واحد,, بأمانة,, وصدق,, واخلاص,, ونزاهة,, وتعامل حسن مع الآخرين,, يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (القرآن الكريم) الكتاب الخالد,, والصالح لكل جماعة بشرية,, في اي زمان,, ومكان,, وهو (دستور) كل المسلمين عربا,, واعاجم,, على اختلاف اقطارهم,, وبلدانهم,, وانواعهم,, واشكالهم,, واختلاف ألسنتهم,, لغاتهم,, يقول الله في هذا الكتاب الحق: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) سورة (الحجرات),, آية 13,, وقال الرسول المصون سيد الخلق والانبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام من جاء برسالة الحق,, والعدل والهدى,, والايمان,, والعلم,, والثقافة,, والحضارة,, والامن,, والامان,, والاستقرار,, والطمأنينة,, قال: (الناس سواسية كأسنان المشط لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى),, والرسول عليه الصلاة والسلام كل ما يقوله,, ويسنه,, ويشرعه ان هو الا وحي يوحيه الله سبحانه وتعالى خالق السموات,, وما بينهما,, له، فيقوم الرسول الكريم بتوصيل هذا الوحي إلى عباد الله,, وهذا يعني ان (السنة النبوية) قولا,, وفعلا,, وهي المصدر الثاني للتشريع الاسلامي بعد (القرآن) الذي لا يأتيه,, ولا يأتيها الباطل من بينهما,, او من خلفهما,, ان السنة وحي من الخالق,, وهذه من ثوابت بلادنا,, وأنظمتنا,, وتوجهاتنا.
فلا يستغرب,, ولا يدعو للدهشة,, والاستغراب ان يكون لبلادنا خصوصياتها (الثابتة) التي قد لا تتفق مع غيرنا من البلدان غير الاسلامية، ولهذا اعتدنا جميعا الالتقاء بأي مسؤول حاكم يملك حق اصدار القرارات مثل الامير سلطان وغيره من الامراء الحكام ممن تحكم اقوالهم,, وافعالهم المصداقية,, والمسؤولية,, والصدق.
وحكامنا لا يكتفون بلقاءاتهم (الرسمية) مع المواطنين,, بل يفتحون قلوبهم,, ومنازلهم لكل فرد ومواطن,, ويتناولون معهم اغلب وجبات الطعام,, لهذا فهم في شغل شاغل مع الوطن,, والمواطن,, وما فيه مصالحهم في جل اوقاتهم,, ولا يكتفون بالعمل اثناء الدوام الرسمي,, كما هو الحال,, والمعروف لكل موظف من المواطنين,, بل يعملون اكثر ساعات ليلهم,, ونهارهم,, ولا يترددون في حل المشكلات الشخصية للمواطنين,, صغيرهم,, وكبيرهم,, وفقهم الله جميعا لما فيه خير دينهم,, وبلادهم,, وأمتهم.
من هذه الثوابت,, والمنطلقات لا يستغرب الانسان قيام المواطنين على اختلاف مناصبهم,, ومكاناتهم ليتحدثوا مع الحكام في كل شأن من شؤون الحياة المتعددة,, والمتنوعة,, وفي أية مناسبة من المناسبات.
لهذا جاء الحوار مع الامير سلطان بن عبدالعزيز في مؤتمر موضوعه (التصحر,, والبيئة) شاملا لكثير من القضايا,, كقضايا التنمية,, ومعطياتها في الشؤون الصحية,, والتعليمية,, والمواصلات,, ومكانة المرأة ودورها في التنمية,, والعمل,, والعمال,, وغيرها سواء بالنسبة للقطاع (العام),, ام القطاع (الخاص),, وكان لهذا الحوار مجموعة من الابعاد أبرزها ما يأتي:
(1) عن الصحة
تعد صحة المواطن,, وسلامة البيئة من أهم القضايا وأبرزها,, التي تشكل هموم الدولة,, وتعد وزارة الصحة هي (رأس الحربة) في المنظومة الوزارية,, لانها تمس أهم شيء في حياة المواطنين ليس في بلادنا فحسب,, بل في كثير من دول العالم وهو صحتهم,, وحين تأسست المملكة العربية السعودية اول ما تأسست كان من ابرز اهتماماتها بعد ترسيخ العقيدة الصحيحة السليمة,, وتحقيق الامن,, والامان فيها ثلاث قضايا كان لها الاولوية من بين قضايا,, ومشكلات المملكة الحديثة المعاصرة التي اقامها,, ورسخ اركانها المؤسس الكبير (أب الجميع,, ورمزهم الوحدوي التاريخي) الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه هذه القضايا المهمة هي مقاومة,, ومحاربة (الجهل,, والفقر,, والمرض).
من هنا تأتي اهمية الصحة,, ووزارة الصحة,, لهذا قال سموه مبتدئا حديثه عن (الصحة),, ومرافقها,, وخدماتها المقدمة للمواطنين دون مقابل مادي (انه لفخر لنا جميعا ان نسمع ان عددا من المستشفيات العالمية في الولايات المتحدة الامريكية تفضل من تخرج,, او عمل في المستشفى الجامعي).
(ليس الفخر بالمادة التي تصرف على الجامعة,, او على المستشفى,, ولكن الاخلاقيات التي يتحلى بها رجل الجامعة في المستشفى,, وغير المستشفى).
وهذا البعد الذي تحدث عنه سموه يعني ان الصحة,, وصحة المواطن على وجه الخصوص ليست محصورة في انشاء المستشفيات,, وتوفير الاجهزة الطبية الحديثة, وتوفير الادوية لكل الامراض,, وإنما الاساس في كل ذلك هو السلوكيات الانسانية,, ومعاملة المواطن والمريض بالحسنى,, واللطف,, والصبر,, والتحمل من قبل العاملين في المستشفيات,, استقبالاً,, ورعاية,, وتطبيبا,, وعلاجا لكل مواطن بصرف النظر عن مكانته الاجتماعية,, فقره او غناه,.
(2) المرأة,, دورها,, ومكانتها
قضية المرأة ومكانتها في بلادنا,, وفي المجتمع هي قضية (قديمة/ جديدة),, ويحلو لاعداء ديننا,, وبلادنا,, وامتنا,, بل,, واعداء المرأة السعودية المسلمة التي جاءت ثوابتنا الإسلامية لتحريرها من ربقة عبودية,, وجهل,, ووأد الجاهلية الوثنية,, يحلو لهؤلاء الاعداء الطعن في مكانتها,, وهضم حقوقها في مجتمعنا الاسلامي لجهلهم من ناحية لخصوصية وضعها التي تختلف عن كل امرأة,, في اي بلد من بلدان العالم,, الغمز واللمز من مكانتها,, وحقوقها المهضومة زورا وبهتانا.
ولانه كما قلنا ان قضية المرأة في بلادنا قديمة/ جديدة رغم ان ديننا الاسلامي الذي تلتزم به بلادنا قد حسم هذه القضية قبل ما يقارب القرن ونصف القرن فإننا لن نسهب في الحديث عنها,, عن هذه القضية,, او البعد قال سموه في معرض اجابته عن الاسئلة الموجهة لسموه:
(ان المرأة,, في بلادنا تحظى بكل الاحترام والتقدير,, ولها مكانة عظيمة عندنا,, ويكفينا ويكفيها فخرا ان الشريعة الاسلامية أعطت المرأة حقها بالكامل,, وكل ما هناك من دعم لهذه المرأة المسلمة العربية,, من علوم,, وتقنية,, ورفعة,, سنبذل الجهد كاملا غير منقوص).
وسمو الامير سلطان حين يتحدث عن المرأة في المملكة انما ينطلق من واحدة من ثوابت ديننا ومجتمعنا التي تلتزم بها بلادنا,, وحكامنا,,ومجتمعنا,, لا احد يختلف في قضية دور ومكانة المرأة المسلمة,, ولا يسمح لاحد بالمساومة عليها بأية حجة من الحجج.
ولو عدنا لحديث صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد و نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني لوكالة الانباء السعودية قبل فترة قصيرة تعد بالايام,, سنجد سموه الكريم انه حين تحدث عن المرأة في بلادنا,, ودورها في التنمية,, ومكانتها في المجتمع,, تحدث عن واحد من ثوابتنا الدينية ,, والاجتماعية التي تلتزم بها بلادنا,, وهو ما تحدث عنه الامير سلطان,, وقبلهما خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله.
تحدث سمو ولي العهد قائلا: (المرأة السعودية هي مواطن بالدرجة الاولى,, له حقوقه,, وعليه واجباته,, ومسؤوليته,, وذلك وفق الضوابط الشرعية التي حددها لنا ذكرا أو انثى الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز,, وبعث نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم,, قولاوعملا,, وعندما نتحدث عن النهضة التنموية الشاملة التي تشهدها بلادنا في جميع المجالات لا يمكن ان نتجاهل بأي حال من الاحوال دور المرأة السعودية,, ومشاركتها في مسؤولية هذه التنمية,, وخدمة دينها,, وبلادها,, وبناء الوطن باعتبارها نصف المجتمع,, والمشاركة الفعالة للمرأة السعودية في مجتمعنا لم تأت من فراغ بقدر ما جاءت نتيجة حتمية للاستثمار الكبير الذي اولته الدولة جل اهتمامها في قطاع التربية,, والتعليم لجميع مواطنيها رجالا ونساء,, الذي استطاعت المرأة السعودية من خلاله ان تحقق أعلى المؤهلات العلمية, الامر الذي مكنها من البذل والعطاء في العديد من المجالات الوظيفية,, والمهنية,, التي وفرتها لها الدولة,, واثبتت انها قادرة على تحمل مسؤوليتها بكل جدارة,, واقتدار,, سواء من خلال وظيفتها الاسمى كمربية أجيال,, ام في حياتها العملية,, واننا نتطلع ان يكون للمرأة دور كبير بحيث لا يحكمنا في هذا المجال سوى ميزان الشرع,, بما يحقق مصلحة الأمة).
(3) مناطق المملكة,, والتنمية
البعد الثالث المهم الذي تحدث عنه سمو الامير سلطان بن عبدالعزيز هو التركيز في المرحلة القادمة التنموية على مناطق المملكة,, غير المدن الرئيسة,, وهذا لا يعني ان هذه المناطق قد حرمت من التنمية,, بالعكس لقد شملت تنميتنا الكبيرة,, المدن الكبيرة,, والقرى النائية,, لكن الدولة تدرك ان المدن الرئيسة الكبيرة بلغت في التنمية مرحلة (التشبع),, او ما يقارب هذه المرحلة,, وحان الوقت كما تقضي خطط التنمية للالتفات الاكثر,, والاهتمام الاكبر بمناطق المملكة,, وقراها.
والمعروف ان بلادنا في اتساع مساحتها,, وانتشار المواطنين على ارض هذه المساحة الكبيرة,, ليست بلدا صغيرا,, وإنما هي كالقارة كما قال سموه:
(واقع الحال ان المملكة العربية السعودية قارة ,, وليست منطقة,, هذه القارة ,, وهذا الشعب الكبير المنتشر في هذه القارة الكريمة يحتاجان الى عناية كبيرة),, وضرب سموه مثلا انشاء المستشفيات العظيمة في مناطق المملكة.
وقال عن المدن الكبيرة في مجال انشاء المستشفيات العظيمة كمثال قال سموه: (لو اخذنا الآن عدد مستشفيات المملكة سواء الحكومية,, أو الاهلية لوجدناها بشكل غير معقول بالنسبة لنسب الفرد في الدول الاخرى لجيراننا,, او غير جيراننا,, وعندنا مستشفيات عالية الانتاج,, وعالية العلم والمعرفة,, وهناك تعاون كبير من الاهالي في ايجاد المستشفيات الاهلية,, وقامت بمجهودات كبيرة,, اننا يجب ان نهتم بالمناطق,, غير المدن الكبيرة التي فيها كثافة سكانية,, وان نعمل لمناطق اخرى بأن نمنع التضخم في داخل المدن الكبيرة,, والمستشفيات الكبيرة),, واكد سموه في معرض اجاباته (ان الامور لا تؤخذ بالعجلة,, ولكن تؤخذ بالدراسة العلمية,, والدراسة النافعة).
وكأن سموه يريد ان يقول ان المسألة,, مسألة وقت لتنفيذ كل مشاريع المناطق المختلفة سواء في شمالي المملكة,, او جنوبيها,, او شرقيها,, او غربيها,, وهذه لفتة كريمة من سموه مؤكدا ان كل مناطق المملكة سوف تأخذ كل ما تحتاجه من مشاريع التنمية دون اي تفريق بينها,, فكل مناطق المملكة وسكانها في عقولنا,, وتفكيرنا,, وقلوبنا بوجود خطط تنمية,, او عدم وجودها.
هذه الثلاثة الابعاد لحديث سمو الامير سلطان لا تعني بقية الابعاد التنموية الوطنية في المملكة,, ولكن من وجهة نظرنا المتواضعة انها تمثل في حديثه الكريم ابرز الابعاد التي تحدث عنها سموه حفظه الله في حواره في المؤتمر الذي اشرنا اليه في بداية الموضوع.
وفق الله الجميع حكومة,, ومواطنين إلى ما فيه خير ديننا,, ووطننا,, والله الموفق,, وهو من وراء القصد.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الادارة والمجتمع

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved