Monday 6th December, 1999 G No. 9930جريدة الجزيرة الأثنين 28 ,شعبان 1420 العدد 9930


مساقات
نقدنا الحديث وأيديولوجيا القوائم,,!
د, عبدالله الفَيفي*

المساق 135:
هناك مقولة تزعم فيما تزعم أن النقد الأدبي قد بات في المملكة على مسافات فلكية من مستوى الأدب.
والحق أن النقد الذي ينبغي أن يصدق عليه هذا الحكم لا يتعلق من النقد التطبيقي بشيء مقدار تعلقه بالنقد التنظيري، ذلك لأن الناقد اليوم إمّا هارب الى غيابة الماضي أو فارّ إلى غيب التنظير والأيديولوجيا، فهو إمّا مأدلج بالماضي من أرباب التراث للتراث أو مأدلج بالحاضر، في حداثة وجهه الشكلاني, وفوق هذا وذاك هو في الغالب مهموم بنفسه وبشأن ترقيّه الاجتماعي أو الاكاديمي، لا بدّ له من الانتقاء الحصيف والارتقاء الآمن.
على أن الأمر في ثقافتنا العربية بعامة والمحلية بصفة خاصة مرتبط بما هو أدقّ من ذلك، من حيث إن الأديب يقف من ورائه مجتمع لم يتربّ بعد على قبول النقد بصدر رحب، فمن لناقد ازاء غضبة المنقودين من عشائر الشعراء والأدباء!، الذين سيعدّون ما يقوله فيهم طعناً في أعراضهم الانتمائية قبل أن يكون طعناً في إبداعهم الأدبي، وسيعدون له ذوداً عن حياض أنفسهم ما استطاعوه من قول القول وربما الفعل, فأي ناقد إلا سيؤثر السلامة!، فالموضوع لن يتعلق آخر الأمر بالمنقود وحده، لكنه سيتعداه ليطال أهله وقبيلته، ليكون تعرض الناقد للمنقود بمثابة استعداء ضد نفسه، وضرباً من الإلقاء إلى تهلكة، لن يعدم باقترافه تألب حملة شعواء في وجهه، يشنها كل غيور على الذمار من الانتهاك والانهتاك والدمار!.
الميدان الميدان يا حميدان !، فإن كانت لك حاجة في نفسك فالنجاء النجاء!,.
وليس أدل على هذه الحساسية المفرطة المخيفة التي تدفع الناقد إلى مأمن الماضي، أو تحمله على منجاة التنظير، أو تغريه بالتحول من عالم الجمال ودرس فنونه إلى عالم المجاملات وقوانينها ليس أدل على تلك الحساسية ممّا يدور على صفحات الصحف بين الأكاديميين العربان أنفسهم طيلة قرنهم العشرين، في داحسياتهم وغبرائياتهم التي ما انفكت تزكم العقول والنفوس بأتربة الماضي, هذا وهم صفوة القبيلة، ونخبة المجتمع، وطليعة الاستنارة، الذين كان ينتظر فيهم عقلانية الارتفاع عن نرجسيات الذات الممعنة في ذاتيتها، وسماحة النفس المنعتقة عن حمية جاهليتها، الموغلة في تقوقعها على الرأي الواحد واللون الواحد والحزب الواحد والذوق الواحد، لتطبيق ما علموه نظرياً عن الموضوعية والتجرد واقعاً عملياً، وهم يتفاعلون مع زملاء المهنة على الأقل.
2
ولقد باتت الشكوى من تجاهل النقد الحديث للأعمال الجديدة ظاهرة عامة، حتى إن شاعراً مخضرماً كمحمود درويش يشكو من تجاهل النقد شعره، حيث لم يجازف بدخول قوانين شعره الداخلية ونظامه الداخلي، وتأسيس قراءة جديدة له تكشف عن ما أضاف لتجربة الستينات في الشعر العربي (كما يرد عنه في: مجلة نصف الدنيا ، العدد 506،15 رجب 1420ه = 24 أكتوبر 1999م: ص 86).
وإذا كانت تلكم هي أسباب خارجية لتقاعس النقد، فهنالك من جهة أخرى أسباب داخلية، تتصل بقوائم جاهزة بمن تكتنفهم حبوة النقاد عادة, قوائم كتلك التي كتب عنها ذات مرة الدكتور حمزة المزيني، تقوم على الاختيار المنحاز، واختيار المرء وافد عقله ، كما قيل, اختيار للأسماء لا للأعمال، ينمّ على أننا مازلنا في مواضعاتنا الثقافية، رسمية كانت وغير رسمية، لا نفرق كثيراً بين مقام العلم والنقد ومقام المآدب الاجتماعية، حين ندعو اليها المعارف من الأهل والأقارب والأصدقاء، حريصين كل الحرص على اجتناب تلك الدعوة الجفلى، خارج من تربطنا بهم صلة رحم أو قرابة أو معرفة أو مصلحة أو مجاملة، بل محترزين حسب مقاماتنا مؤخراً ومقامات المآدب فينا والآدبين من حضور أطفال في الضيوف، أو طفيليين، او مغاتير .
قوائم الأدب ودرسه قائمة جاهزة لدينا كقوائم المآدب، مثلها مثل مختلف القوائم التي نعيش عليها لتعيش علينا في سائر حياتنا الاجتماعية.
إنه النسق الثقافي الاجتماعي عينه!
إن جنس الشعر تحديداً يشهد اليوم تغييباً مريباً في النقد الحديث, وإن قاربه الناقد صدر عن هوى أيديولوجي، أكاديمي أو عشائري أو طائفي، بصدد ترقٍّ وظيفيٍّ أو اجتماعيٍّ أو كليهما، ومن ثم فالنقد الحديث ليس دائماً بالحكم الترضى حكومته في تعامله مع نصوص الشعر المعاصر، درس او نظّر او انتخب، او حتى صمت.
اما تلك المتابعات الضئيلة المتقطعة لحركة الشعر، فلا تأتي غالباً إلا مكبولة بالصراع بما هو خارج الأدب بوصفه فنّا، كصراع الحداثة والقدامة، أو مزايدة الذكوريين والأنوثيين، كل حزب بما لديهم فرحون , وبالجملة فإن ضروب النقد عشاق ضروباً ، فطائفة من النقدة المحدثين تتبنّى الى جوار همومها المختلفة ضروباً من الشعر لما فيه من حمول دلالية مَرضِيّة ومضامين فكرية مرعيّة، موجهة في الحكم عليها أو لها بنزوعها الثقافية أو الاجتماعية، مهما يكن بعدئذ نصيب النصوص في معيار الشعرية الحقة وفن القول, فلقد ترى (الهمّ النسوي) مثلا يشفع عند بعضهم لأقلام نثرية خطابية صرفة، لا يتخيل أن يكون في أحفاد أحفادها شعر، حذاءها يضرب الناقد عرض النقد بكل معاييره النقدية، لتلمع على يديه أسماء شعرية تعرض أزياءه النقدية، تملّقاً عاطفياً، أو وجاهة ثقافية، أو استراتيجية تتجاوز الأدب والنقد جميعا.
ولقد ترى كذلك إلى (الهمّ النسوي) (هماً حداثوياً) وما احسن النسوية والحداثة اذا اجتمعا! يفرض صوتا واحداً على أنه نهاية التاريخ الشعري وخياره الأخير والأوحد، في مصادرة أمة بأكملها، بماضيها وحاضرها، كي لا يرى الناقد إلا ما يريد.
اذ صار شكل القصيدة العربي وحده لدى هذا الفريق كافياً للنفور، ولأن توصم القصيدة بالتقليدية، دون ان يدرك او دون أن يسمح لنفسه أن تدرك نسبية قيم الحداثة والتقليد وعدم ارتباطها ضربة لازب بشكل أو بزمن، وتراه يتذرع سبة التقليدية دمغة تقليدية جاهزة جائرة على كل مالم يكن في مزاجه التأسيسي ما يبلغ به شأو الاستجابة له بفهم أو وعي أو ذوق، تماماً كما ترى دمغة طرف متطرف مقابل ابن أعرابي تقليدي قح يقف ضد كل حديث، لأنه لم يكن في مزاجه التأسيسي ما يبلغ به شأو الاستجابة له بفهم أو وعي أو ذوق,نحن أمام شعرية معلّبة,, أمام نقدية معلّبة,.
فمن لنابتة الشعر إذن في هذه الأجواء المقفرة يستقرئها ويزكيها، سوى ناقد كره أن يموت حتف نقده، في ماضيه أو حاضره أو تنظيره؟!
أسأل سؤالي هذا وأستغفر الله لي ولمعشر النقاد كلما رأيت ركام الإصدارات الخارجة حديثاً من الطبع، المهدى اليّ بعضها، ثم أبصرت تقصيري كسائر بني غُزَيّة عن قول كلمة حق فيها، ارجو الله مخلصاً ان ترد مورداً خفيفاً لطيفاً على قلوب مرهفة، مسّتهم أو قد تمسّهم بغير ما يشتهون.
* آداب جامعة الملك سعود قسم اللغة العربية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الادارة والمجتمع

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved