مدينة الحريق أو وادي المجازة كما كان يسميه العرب ويسمّون جباله المنيعة العُليّة، رحبت بسمو ولي العهد الأمين ترحيباً يشبه مدينة الحريق في عذوبة مائها وطيب نخيلها، ترحيباً يعكس أصل وقوة أهلها يحيط بسموه وهو الذي أحاط الشعب برعايته وتواضعه الدمث الذي لا يستطيع أبو متعب حفظه الله إلاّ أن يفعله دون تكلف:

وللنَّفس أخلاقٌ تدلُّ على الفتى أكان سخاءً ما أتى أم تساخيا

وهو إقباله على الناس واحتفاؤه بهم:

تراه إذا ما جئته متبسماً كأنك تعطيه الذي أنت سائله هو البحر من ايَّ النواحي أتيته فلجّته المعروف والجود ساحله تعوَّد بسطَ الكفَّ حتى لو انّه ثناها لقبضٍ لم تُطعه أنامله ولو لم يكن في كفِّه غير روحه لجاد بها فليتَّق الله سائله

*ولا غرو ولاعجب يا ابن عبدالعزيز فلكم أسلافٌ كرامٌ قاموا بنصرة شريعة الله وحموا الدعوة السلفية التي قام بها الإمام محمد بن عبدالوهاب لتجديد معالم الإسلام وتطهير البلاد من الشركيات ونواقض التوحيد، فناصره وحمى دعوته الإمام محمد بن سعود رحمهم الله حتى أصبح المنهج المحمود سائداً بتقديم الكتاب والسُّنَّة على كل رأي أو اجتهاد والتحاكم إليها وتجريد الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع التي أحدثها الناسُ بعد القرون المفضَّلة.
*ثم إنَّ الله مَنَّ على والدكم صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز في فترةٍ من قلة العِلم واضطرابٍ لحبل الأمن، فوحّد هذه القارة بقبائلها المتناحرة في أعظمِ وحدة عرفها العصر الحديث حتى أصبحوا بنعمة الله إخواناً اجتمعوا على أقوم هدي وأفضل نهج وأوضح سبيل، سبيل الله التي أخطأها الآخرون,, قال عز وجل :وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولاتتبعوا السُّبلَ فتفرَّق بكم عن سبيله .
ولايزال الله بمنّه وحفظه ثم بتطبيق شرعه يمُنُّ فيدفع عن هذه البلاد غوائلَ وعاديات الفتن وغاشيات الحروب.
*لقد رحب بك يا ولي العهد وبصحبك الأفاضل أهالي الحريق وأنتم تفتتحون القاعدةَ العسكرية في الحريق، فلقد وُفِّق المختصُّون في وزارة الدفاع في اختيار الموقع فهو يأتي في سلسلة جبال العارض التي تمتد من شمال نجد إلى جنوبها لتصل قمتها في مدينة الحريق، حيث يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب : إن جبال عُليَّة بها الوادي المفضي إلى نعام، فإذا حُصِّن فم الوادي صارت من أمنع أرض الله .
*واسمحوا لي أن أستطرد في وصف محافظة الحريق (الحريق نعام المفيجر) فهي تشتهر بوفرة مياهها وعذوبتها، مما كان له الأثر في اشتهارها وإلى ذلك يشير الشاعر بقوله:

يعوضك في هجر إلى قل تمره وادي بريك وملهم ونعام

ويزرع بها غالب أنواع التمور من الخلاص ونبت السيف والصقعي والصفري والمنيفي والمكتومي والسُّلَّج، حوالي 30 نوعاً من التمور الجيّدة.
ونجحت زراعة الحمضيات فيها، فبرتقالها ذو جودة عالية وكذلك باقي الحمضيات، والعنب والتين والرُّمان والموز والخوخ وجميع أنواع الخضروات وكذلك الحبوب وعلى رأسها زراعة القمح، وأيضاً البطيح وهو ذو طعم جيد وجودة عالية.
*وتقع الحريق جنوب غرب الرياض على بُعد 220كلم في طريق الخرج الذي يتجه جنوباً ثم يخرج المسافر إلى الهياثم ثم يتجه غرباً صوب الحوطة ثم الحريق، بينما المسافة المباشرة من الرياض حوالي 150كلم وقد بدأ الأهالي مشروع الطريق المباشر الذي توقف في القاعدة، ونحن نطالب بهذا المشروع لأهميته القصوى لأهالي الفُرَع عامة.
ويحدد موقع الحريق شاعر نجد الكبير محسن الهزاني فيقول:

لي ديرةٍ من حلّ في ربعها آمن ولابات في قلبه من الخوف دامع جنوبيها برك وشمالٍ يحدها نساحٍ ولها وادي بريكٍ مزارع إلى ماانقضى النيروز فيها وخوّطت مطافيل غزلان المها كل خايع سقاها الحيا في ليلة بعد ليلة من المزن هتّانٍ حقوقِ الروامع

*وكانت الحريق تُمد قبائل نجد بالميرة من التمور والأرزاق مع ما يجدون من كرم الضيافة وحُسن الوفادة، يقول الشاعر محمد بن هندي بن حميد أمير عتيبة:

انحر عليّا جعل يعمر جباها وسلَّم على ذيك الوجيه المفاليح كم جايع ٍ إلى أصبح نصاها يمشي وينشدهم عن هبة الريح فيها المباني شاق عيني بناها والنجر فيها يجرَّح القلب تجريح

والشاعر القديم قبل الدولة السعودية يقول:

الضيف في الخبراء يقلط على الراس مادوَّروا عند القريب الدنافيس هم بالقصيم وبالجنوب ابن دواس وأهل الحريق وبالشمال السناعيس

*ولقد كان لأهل الحريق والفُرَع المجدُ الأشم في نصرة الدعوة السلفية وإقامة الدولة السعودية الثانية، فيذكر مؤرخ نجد الشهير ابن بشر أن بعض آل الشيخ التجأوا إلى الفُرَع ومنهم العلاّمة الشيخ عبدالرحمن بن حسن واستقرت ذرية حسين بن محمد بن عبدالوهاب في الفُرَع (آل حمد بن حسين في الحريق، وآل عبدالملك بن حسين في الحوطة)، وذكر أن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود التجأ إلى جبال عليَّة وبها كوّن قوةً من أهل الحلوة والفُرَع استرد بهم الحكم في نجد عام 1238 1240ه.
ولما عاد الأتراك مرة أخرى للمنطقة تجمع لهم أهل الفُرَع مرة أخرى (أهل الحريق والحلوة ونعام والحوطة) عام 1253ه، قال ابن بشر:
فحصل بينهم قتالٌ شديد، يشيب من هوله الوليد، وحصلت الهزيمة العظيمة التي ماوقع لها نظيرٌ في القرون السالفة، ولا في الخلوف الخالفة، على عساكر الترك وأعوانهم، وهلكت تلك الجنود مابين قتلٍ وظمأٍ وأطال رحمه الله في وصف المعركة.
ثم قال: فلما علم الإمام فيصل بهزيمة الترك وهو في الإحساء، غزا الرياض بأهل الفُرعَ والاحساء .
ولهذا أثنى عليهم الإمام فيصل بن تركي في قصيدته المشهورة ومنها:

الحمد لله جت على حُسن الاوفاق وتبدّلت حال العُسر بالتياسير هبت هبوب النصر من سبع الاطباق للدين عز ونقمة للخنازير من عظم خطب بيَّن البار والعاق ومن لابة عرفت من فيه لي خير ضفتي هل العارض وعشوك بأشناق وأهل الفُرعَ عشَّوك روس الطوابير حاموا على الملة وقاموا على ساق دون المحارم والغروس المباكير كله لعينا دعوة الله بلا الحاق وغرايس خضرٍ وبيضٍ غنادير

فقارضه الشيخ محمد بن خليفة حاكم البحرين بقصيدة منها:

ضاق المجال وخاطري بات ماراق والقلب كنّ النار تصلاه بسعير الله يعينك يازبن كل مرهاق ياستر بيضٍ محصناتٍ غنادير فيصل إمام الدين ياحامي الساق يا اللي عداه بزود ذل وتذاعير هل الفُرَع درعٍ ضفا لك بلا حلاق درعٍ ذرى لك من سموم الهواجير

*والحريق اليوم تحتاج إلى خدمات ضرورية ومن أهمها الطريق المباشر إلى الرياض، كما تحتاج إلى توسعة وتدعيم فرع وزارة الزراعة ليخدم المنطقة، وكذلك وجود معهد علمي يكفي المواطنين عناء السفر إلى الرياض ويفيد المنطقة.
ويقترح وجود معهد عسكري يمدُّ القاعدة ويوفر فرص العمل لأهالي المنطقة ويخفف الضغط عن الرياض, كما أن المنطقة غنيةٌ بالنفط والغاز، وينبغي على أرامكو فتح باب التوظيف وإعطاء الأولوية لأهالي المنطقة في الالتحاق بالعمل لما يحققه ذلك من توطين أهالي القرى والمدن في بلدانهم ويقلل من الهجرة إلى العاصمة,كما تحتاج المحافظة إلى مستشفى كبير، فالموجود حالياً مستوصف صغير لا يفي بحاجة البلد وقراها وهجرها.
*لقد سعدنا بزيارة سمو ولي العهد ومرافقيه للحريق، سائلاً المولى أن يمتع خادم الحرمين الشريفين متاعاً حسناً وأن يعينَ وليَّ العهد بعونه ومدده وأن يوفقهما لكل خير,, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.