Thursday 23rd December, 1999 G No. 9947جريدة الجزيرة الخميس 15 ,رمضان 1420 العدد 9947


مِن غلاك,,,!
د, فهد حمد المغلوث

مهما كان حسن نوايانا، ومهما كان لدينا قدرٌ كبير من حسن التعامل مع الغير، ومهما استطعنا أن نستخدم أساليب غير مباشرة للوصول إلى ما نريده أو معرفة تفاصيله بشكل متقبل وغير مهين أو محرج أو مستخف بعقول الآخرين، رغم ذلك كله، نظل في دائرة الشك والريبة من قبل الآخرين ممن لا يعرفوننا بشكل جيد أو ممن هم حديثو عهد بنا، أو وهذا هو المهم أيضا ممن يتعاملون معنا خاصة في مجال المشكلات الاجتماعية والنفسية، ذلك النوع من التعامل الذي يتطلب منا أدوات مهارية خاصة وعقلية متفهمة واعية ومتفتحة لما يلقى على مسامعها مهما كانت حساسيته أو حتى غرابته وعدم منطقيته!
إن جزءاً كبيراً من سعادتنا التي ننشدها في هذه الحياة ان يكون لحياتنا ولنا معنى وقيمة، وجزء من هذه القيمة التي نبحث عنها بأساليبنا الخاصة، هي أن يتقبلنا الآخرون كما نحن دون رتوش مصطنعة أو أقنعة زائفة أو مجاملات زائدة.
نعم جزء من هذه القيمة ان يتقبلك الآخرون كما أنت دون تردد أو خجل وأن يكونوا صريحين معك دون الحاجة لوقتٍ طويل، ودون الحاجة لاستخدام طرق طويلة ملتوية وهذا في حد ذاته شيء رائع تكون قد حصلت عليه؛ لانك بذلك تكون قد عرفت كيف تدخل قلوب الناس من أقصر الطرق وبرغبتهم وبدعوةٍ منهم هم شخصياً.
وإذا ما كان لديك كل هذا تكون بذلك قد اكتسبت الثقة بنفسك أولاً، ثم ثقة الآخرين بك، ولكن مشكلة الثقة بالنفس قد تكون لديك بحكم تكوين شخصيتك المتزن منذ كنت طفلاً مثلا، ولكن هذا لا يعني أبداً ثقة الآخرين بك، فكثيرون هم من يثقون بأنفسهم لدرجة الغرور والتعالي ولكن هذا النوع من الثقة بالنفس، يفقدهم ثقة الناس بهم وتقربهم منهم أو التودد اليهم بل حتى مجرد الاقتراب منهم عن كثب بسبب تلك الحواجز النفسية, والإنسان منا قبل أن يتحدث حول موضوع معين مع طرف آخر او أطراف أخرى ويدخل في تفاصيله الدقيقة وبالذات مع من لا يعرفهم بعد أو من لا يعرفونه هم جيداً والتي ربما تُفسر بمعان تسيء إليه أو تسيء لفهم الموضوع نفسه، فعليه ان يعرف من يخاطب، ما هو مستوى ثقافته، كيف يفكر، هل هو دقيق في ملاحظاته أم عادي، وهذه الدقة على جانب كبير من الأهمية، لأنك أحيانا وبدافع ايجابي أو أنك بسبب رغبتك الوصول لحقائق معينة صعبة وحساسة عن طرق ملتوية غير مباشرة، تحاول استخدام اساليب قد تكون ضدك منذ البداية من قبل الطرف الآخر مما قد يجعله يتراجع للوراء قليلاً ويعيد النظر في ثقته فيك أو استمراره معك.
ولكي تنجح في تقبل الناس لك وتزيد من ثقتهم بك وتضمن تأثيرك عليهم، فعليك في التفكير في النقاط التالية منذ البداية وقبل التحدث معهم وتوصيل افكارك لهم:
* اعرف قدراتك الذاتية ولا تظن انك أفضل من الآخرين أو تشعرهم بذلك فالتواضع وحسن المعاملة هو أساس الاستمرار وبناء الثقة.
* فكر فيما قد يقوله الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى عنك, فقد يقولون إنك متعال، أو لا تعطي فرصة لغيرك أو متسرع أو تريد ان تعرف كل شيء مرة واحدة,,, الخ؛ لذلك حاول أن تسأل نفسك من هذه الاسئلة وتجيب عنها وتتجنبها قدر الإمكان.
* لا تستعجل في الرد على التساؤلات، بل فكر في اجابتها على مهلك ولا تحرج من ان تقول: لا أعرف بل بإمكانك ان تعيد السؤال بسؤال آخر مرتبط به.
* فكر في ردود فعل الطرف الآخر تجاه كل كلمة توجهها إليه او لغيره وأحسبها جيداً؛ ذلك أن هناك أناساً دقيقين جداً في ملاحظتهم ولا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويحللونها ويقارنونها بما قلت ويربطونها بأمور أخرى ربما سمعوها منك أو من غيرك أو لمسوها في تصرف منك دون أن تشعر، في الوقت الذي أنت بعيد فيه عن كل ما يفكرون به.
* فكر في من أنت بالنسبة للطرف الآخر، ومعرفتك لمكانتك الحقيقية تساعدك كثيراً في التصرف وتمنعك من الاحراج وخاصة إذا ما كنت تمون عليه كما نقول نحن.
* تحدث فيما يفضل الطرف الآخر سماعه، عن هواياته مثلا عن طموحاته واحلامه، أو عن نفسك إذا لمست منه أنه يريد معرفة المزيد عنك ولكن بشكل غير مبالغ عنك وهذا يجعله يرتاح إليك لأنك تتحدث معه فيما يتوقعه منك.
* اختر العبارات المناسبة والمريحة التي تجعله يشعر بأنك افضل أو أعلم منه وتلك العبارات المريحة التي تجعله يشعر بالأمان لوجوده معك، ومن تلك العبارات مثلا: ما شاء الله عليك أو ماشاء الله تبارك الله فهذه العبارات تذكره بالله وهناك عبارات تزيد من ثقته بنفسه ومنها: كلك ذوق ، آمر ، خذ راحتك ، أنا حقيقة استفدت منك بعض الأشياء ,, الخ من تلك العبارات الكثيرة والبسيطة ايضا التي لها مفعول السحر.
* تحدث كما لو كنت تتحدث مع نفسك بمعنى أنك لا تنفعل بل كن هادئاً في ردود أفعالك حتى مع تلك العبارات أو الكلمات أو التهم الموجهة لك أو التي لا تحبذ سماعها بل تقبلها بصدر رحب، ناقشها ان شئت، أو اعتذر عن فتح باب المناقشة فيها بلطف, وتذكر جيداً انك لست ملزماً بالرد على كل سؤال يوجه إليك أو التعليق عليه من قريب أو بعيد فأشياؤنا الشخصية ملكٌ لنا (لي ولك).
بالاضافة إلى أمور كثيرة أودّ ذكرها بهذا الخصوص، ولكن المجال لا يسمح كون مثل هذه الأمور تحتاج دورات تدريبية مكثفة تعودنا ان نقوم بها لأيام، فما بالك بمساحة صغيرة كهذه؟!
قد تنزعج من كلامي هذا وقد تعتبره نوعاً من التدخل في اشياء شخصية بحتة ولكن لو جلست مع نفسك الآن تحديداً وفكرت في بعض المواقف المشابهة التي شكلت لك احراجاً مع الطرف الآخر أو أي أناس آخرين تكن لهم كل الاحترام والتقدير فإنك قد تلوم نفسك على بعض التصرفات المتسرعة في نظرك ولكنك حينما تعلم يقينا انك أمام إنسان متفهم واع ومصدر ثقة، فحينئذ سوف تقول لنفسك: يا الله لم يكن هناك داع لأقول له عبارات مثل: ارجوك لا تفهمني خطأ ، ترى هذا بيني وبينك هاه ، أوعدني بألا تغضب مني ,, الخ.
فأحياناً، ربما تضايقنا من مصارحة الآخرين لنا ومواجهتهم لنا في أمور لم نكن نتوقعها منهم، وبالذات في أمور ربما قلناها من دون قصد أو فعلناها بحسن نية وغابت عنا منذ ذلك الحين، وهذا شعور طبيعي سوف يشعر به أي إنسان ولا يستغرب منه ولكن إذا فكرت بجدية في الموضوع لرأيته صحيحاً من جانب انك لست أي شخص بالنسبة لهذا الانسان الذي ربما استغرب عليك مثل هذا القول أو التصرف خاصة وكما قلنا بأنه لم يعرفك جيداً بعد ولم يحتك بك بما فيه الكفاية ليحكم عليك, خذ مثلا ان شئت أي كاتب يكتب في مطبوعة ما ويتناول هموم مجتمعه وقضاياه وبالذات الهموم الإنسانية التي اصبحت من الكثرة بحيث يصعب عدها، ومن التناقض بحيث يصعب تصديقها، تجد ان لكل قارئ طريقة يفسر بها فهم ونوايا الكاتب، وهذا من حقه ولكن هل كل ما يقوله كل كاتب صادق؟ هل يصل لقلوب الآخرين؟ هل يعبر عن همومهم ومشاكلهم اليومية؟ والأهم من ذلك: هل نستطيع ان نحكم على هذا الكاتب بشيء ما أو نصفه بصفة ما من مجرد كلام؟
بل الأهم من ذلك أيضا هل يعبر كلام الكاتب عن شخصيته الحقيقية؟ أم أنه يكتبه لمجرد ملء الفراغ والتواصل؟
ان هناك عددا من الكتّاب تتمنى ان لو لم تلتق به أو تحدثه شخصياً! لانك تصدم بحقيقته، فأنت ربما رسمت له صورة جميلة في مخيلتك لسنوات طويلة وإذا بك بعد حين تكتشف زيف هذه الصورة أسأل الله ألا أكون أحدهم .
ولكن ما اقصده أن المصارحة والمواجهة لا ينبغي أن تكون هي الفيصل والمحك الوحيد للحكم على الآخرين فالصراحة قد تأتي من عدو أو حاسد وإن كنا قلنا ما يُضايق، فها نحن نقدم الاعتذار سلفا!
ما نريده يا اخوان هو ان نكسب الآخرين، ان نحسن التعامل معهم وهذا لا يتأتى، ما لم نكن حذرين في تصرفاتنا معهم، نبحث عما يضايقهم قبل أن نعرف ما يسعدهم لأن معرفتنا لما يضايقهم يساعدنا في أن نستمر في اسعادنا لهم دون منغصات، وبالذات أولئك الذين فرشوا قلوبهم لنا وروداً، وجعلوا أبوابها مفتوحة لنا دائما, وأزالوا الكلفة عنا وأصبحنا أصحاب دلال عليهم وأصبحت المعزة مرتبطة بهم، ويكفي أننا في رمضان كي ندعو لهم بالتوفيق في الدنيا والآخرة.
همسة
أعرف أني قد أضايقك,.
بصراحتي الزائدة معك,.
وأعرف أنني قد أحرجك,.
بتساؤلاتي الكثيرة لك,.
وأعرف أنني قد أخسرك,.
بإصراري على أشياء معينة,.
هي ما أريدها منك,.
***
أعرف كل هذا,, صدقني,.
ولكن,, أرجوك,.
لا تغضب مني,.
لا تؤاخذني,.
لا تسيء فهمي,.
لا تشعرني بالذنب,.
كوني صارحتك بما في نفسي,.
كوني أعتبرك نفسي,.
***
فهذا لأنني أغليك,.
أكثر من نفسي,,!
أعزّك أكثر مما تتصور!
أريد أن أعرف أكثر,.
ذلك الإنسان,.
الذي كثيراً ما خاطب نفسي,.
ذلك الإنسان,.
الذي كثيراً ما لامس أوتار قلبي,.
ذلك الإنسان,.
الذي جعل لحياتي معنى,.
ذلك الإنسان,.
الذي أشعرني أن الدنيا بخير,.
***
ولأنك كذلك وأكثر,.
أريدك أن تكون أفضل الناس,.
أريد أن تظل صورتك,.
كما هي دائما في عيني,.
جميلة,, نظيفة,, مشرقة,.
لا تُشوهها كلمة,.
ولا يمسها بسوء,.
كائن من كان!
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved