Thursday 23rd December, 1999 G No. 9947جريدة الجزيرة الخميس 15 ,رمضان 1420 العدد 9947


جذور الأدب العالمي
أ, د, كمال الدين عيد

(1) المقدمة
دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع عدة اعتبارات هامة تتلخص في التالي:
أولا : ان مادة الأدب العالمي التي درستها في سبعينيات القرن استعدادا لمتطلبات درجة الماجستير في كلية الآداب بجامعة بودابست (قسم الأدب العالمي) قد شملت التعرف عن قُرب بآداب القصة والرواية والدراما، التي أتاحت لي الفرصة لدراسات مقارنة في الآداب بين الوطن العربي والعالم الخارجي.
ثانيا : وجود نماذج أدبية وقوالب في فنون الآداب، لايزال الوطن العربي حتى وقتنا هذا بعيدا عنها وعن تركيباتها ونوعياتها.
وقد وجدت ان القاء الضوء على هذه النماذج قد يُعين كُتابنا على الدخول في مثل هذه القوالب ليلحظوا الدقة في التعبير الادبي, فالابيجرام Epigrame قصيدة قصيرة تختتم بفكرة بارعة أو ساخرة، أو بحكمة مُعبرة عن فكرة ما بطريقة بارعة موهمة للتناقض, كما ان (الرومانس) Romance هي الأخرى نوع من القصص الشعرية او النثرية من قصص عصر القرون الوسطى، قوامها الاسطورة او المغامرات الفروسية او الحب الشريف, ونفس التعبير يُطلق على الرواية الغرامية الملفقة, أما البيكاريسك Picaresque فهي قصة اسبانية من نوع آخر يتصل بتصوير حياة المحتالين والمتشردين والافاقين ساد لفترة طويلة تاريخ القصة في قارة أوروبا.
لطالما تغيرت أنواع القصص بتغير البيئات التي ظهرت فيها، مُرتبطة بواقع المجتمع احيانا، وبتأثير الفلسفة على الفكر والأدب تارة أخرى, وفي الفكر الواقعي يطالعنا الانجليزي دانيل ديفو Daniel Defoe بالقصة الواقعية الاولى في تاريخ القصة العالمي مستغلا فكره ووظيفته الصحفية والاعلامية المبكرة جدا آنذاك في مرحلة بناء القصة العالمية في طورها الاول.
ثالثا : أما الاساطير التي ملأت البدايات الاغريقية الاولى في الميثولوجيا Mytholigy فكانت كتابات أدبية مثلت الجذور الاولى لحركة الادب العالمي بأبطالها الخرافيين الذين نهلت من بطولاتهم كثير من شعوب العالم, ولا تزال الالياذة والأوديسة Odusseia وIliad حكايات طويلة لسلسلة من الاعمال الباهرة التي ألفت موضوعا ملحميا للكاتب والشاعر الاغريقي القديم هوميروس Homer غير ان تاريخ الأدب يدلنا على اساطير قديمة أخرى نشأت في الادب السنسكريتي Sanscrit في الهند القديمة ضمن الآداب القديمة في آسيا في القرن الأول قبل الميلاد عرفت باسم (البورانا) Purana وهي قصص اسطورية هندية اتخذت من القصص الديني منطلقا لها, لكن سرعان ما تغير المضمون في هذه القصص الى تراتيل في جنوب الهند إلى ما يُسمى طقوس فيسنو Visnu ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين.
رابعا : أدب الأطفال:
وهي آداب ذات طبيعة خاصة تنحو إلى الايضاح بالامثلة والتزود بالرسوم التزيينية Illustration نعثر عليها في اليابان منذ بدايات القرن 18 ميلادي تحت عنوان (أدب الحكايات) على يد الكاتب الياباني كوشازيشي Kusa Zoshi، وقد توسعت هذه الآداب لتشمل حكايات التراث وقصص الثأر وحكايات تجريبية اخرى, الامر الذي دعا إلى ان تأخذ الحكايات طريقها الى النشر في كتاب عُرف باسم (الكتاب الاصفر) خُصص لتربية آداب الشباب.
وفي القرن العشرين عام 1918م بعد تأسيس دولة بولندا، ورسم طريق سياسة الآداب هناك، وتكوين اتحاد الكتاب عام 1920م وقوانين حفظ حقوق المؤلفين عام 1926م، نلاحظ ميلاد الادب التخصصي للاطفال بالنثر على يد عديد من المؤلفين من امثال زوفيا نالكوفسكا، اندرزي استزح، استفان زرومسكي Zofia Nalkowska, Stefan Zeromski, Andrzej Strug.
خامسا : الرواية:
وفي عالم الرواية الواسع نلاحظ اقبالا عالميا على فن كتابتها, ففي حضارة مزوبوتاميا Mezopotamia وبفضل من سياستها المستقلة تصور الرواية في القرن الاول قبل الميلاد (الرواية الكلاسيكية الاولى) في عصر الآشورين في آسيا الصغرى، لكن سرعان ما تتوقف الجهود الأدبية الروائية في منتصف القرن نفسه, ولم يكن يعني ذلك انهزام الفكر الأدبي, فقد ظهر عدد من الروائيين والشعراء ليعيدوا كتابة خرافات تاريخية لم تبتعد كثيرا عن الروايات الأدبية الاولى إن لم تكن نسخا جديدا لها، مع اضافات (فيلولوجية) على اللغة بوصفها اداة التعبير في الأدب، وحقلا من حقول البحث في التاريخ الثقافي.
وكما نعثر على السجع والموشح والزجل في الأدب العربي ما بين القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، فإن الرواية العربية تزدهر أخيراً في القرن العشرين على ايدي محمود تيمور، طه حسين، نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم, وهي نفس الصحوة الروائية التي توجت الرواية في الآداب الاسترالية والنيوزيلاندية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى في العشرينيات, حينما سعت الحكومتان هناك الى تشجيع الروائيين للكتابة عن الطبقات الوسطى في المدن والاقاليم للرفع من مستوياتهم المعرفية والثقافية بُغية تمكينهم من تذوق الآداب والآداب الجميلة.
ومن المؤكد ان استتباب أمر النظريات الفلسفية بعد انبثاقها في القرن 18 ميلادي قد وجه الروايات وجهة جديدة جعل العامل النفسي محركا لها في كل علاقاتها الادبية والسيكولوجية بدءا من بداية الرواية الى تحليل شخصياتها وأدوارهم, وقد تفجرت الرواية السيكولوجية البولندية في ثلاثينيات القرن العشرين على ايدي يان باراندوفسكي، تادوس بريزا Jan Parndowski, Tadeusz Breza لتُصور الانسان العصري وصراعه مع حياة العصر، في خلط روائي سيريالي (فَو واقعي)، Surrealism هادفين إلى التعبير عن نشاطات العقل الباطن بصور ينقصها النظام والترابط.
سادسا : اللغة :
كانت ولاتزال، وستزال اللغة هي عامل الاتصال الطبيعي الذي يستعمله الانسان عن طريق الرموز او الشفرة للوصول إلى كُنه ومغزى الآداب والفنون اسطورة أو ملحمة أو قصة او رواية أو دراما، باعتبارها نظاما اجتماعيا متكاملا، وأداة توحد ثقافي، وحلقات معرفية، فضلا عن انها وعاء توصيلي لا يمكن الاستغناء عنه في معرفة الموروث الثقافي وتاريخه.
والشعر بمختلف أنواعه وضروبه الملحمي البطولي، الشعبي، الواقعي، الاندلسي، السومرى، العاطفي، الرومانتيكي، الغنائي، الزنجي، التنويري، الاسطوري، يرتكز على عامل اللغة في الكثير من التكوين والتصميم, وهو لذلك يرتبط بالحقب التاريخية للآداب من ناحية، وبالمذاهب الأدبية الفنية من ناحية أخرى, في القرن 13 ميلادي ينتقل الشعر الانجليزي عن الملك البريطاني واجتماعاته مع فرسانه حول المائدة المستديرة الى الادب الاوروبي ليصبح نموذجا يُحتذى به عند شعراء فرنسا وألمانيا (اتشرتين دى تروى، فولفرام قوم ايشنباخ) Chretien de Troyes, wolfram von eschenbach.
ويسجل الشعراء الرومانتيكيون الانجليز تقييم انسان العصر الرومانتيكي من جديد في القرن 19 ميلادي بإثبات العلاقة المشتركة في الشخصية بين الذاتانية والموضوعانية في أعمال وليم وورد وورث، صامويل تايلور كوليدج،لورد جورج بايرون William Wordsworth, Samuel Taylor Coleridge, Lord G.G.N. Byron.
ومن نماذج الشعر القبلي Bard نلاحظ اندلاعه بقوة في استراليا ما بين نهاية القرن 19 وبدايات القرن 20 متخذا الانسان في بؤرة الادب الشعري, شعر يصور الانسان الجديد، ومتطلباته الاجتماعية والسياسية ومُعلنا عن الاغنية البسيطة Bush Song, Bush Ballda ليملأ استراليا تباعا بهذا الشعر القبلي (الغنائي) المبتكر.
سابعا : الأدب الدرامي:
وهو وليد الادب منذ قديم الزمان ترعرع في الآداب الاغريقية مارا بمراحل لامعة ومُعتمة, في ارتكاز على مفهوم ارسطو، حتى عصر النهضة الفاتح له من ايطاليا الى شكسبير الانجليزي بكل ما صور به شخصياته في عصر الانسانية, متخطيا القرن 17 ميلادي بالدراما الكلاسيكية الفرنسية الجديدة، ودراميو القرن 19 الدومانتيكيون، وحتى عصر الطليعية (الابسيرد) Absurd في قرننا العشرين, ومن هنا، ستحاول هذه السلسلة من الدراسات تتبع المسار الأدبي قدر جهدها في العالم، ووفق التطور الهام في جذور الادب وتاريخيته وعصريته.
(الحلقة القادمة,, الولايات المتحدة ).
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved