Thursday 23rd December, 1999 G No. 9947جريدة الجزيرة الخميس 15 ,رمضان 1420 العدد 9947


على ضفاف الواقع
الليلة الأخيرة
آخر ليلة!!
غادة عبدالله الخضير

** إلى نجلاء,, عندما تراودها,, مشاعر الآخر!!
كيف يستطيع الانسان أن يفسر شعور اللحظات الأخيرة ,, شعور آخر مرة ؟!
ما هو شعور الآخر ,, هذا؟!! وكيف يعيشه الإنسان ويتداوله عقلياً وعاطفياً؟!!
ما معنى أن ترى بعض الملامح لآخر مرة؟!!
ما معنى أن تتعامل مع تلك الأشياء التي تعودت لسنين عديدة عليها,, لآخر مرة؟!!
ما معنى أن تقف في تلك الأمكنة التي كانت لك,, لآخر مرة؟! ما معنى أن تتحدث عن تلك الأمور التي تحبها ويشاركك فيها من تحب,, لآخر مرة؟!!.
ما معنى أن تنطق المفردات التي لزمتك,, لآخر مرة؟!! ما معنى أن يدور نظرك حول كل ما كان جزءاً من تفاصيل حياتك اليومية,, لآخر مرة؟!!,.
ما معنى هذا الشعور,, في ظل أنك مازلت,, تتنفس ,, تعيش ,, تمارس الحياة ,,!!
,, تفكر,, أعادلة الحياة؟!! ,, لكن هكذا أسئلة لم تخلق فقط لاجابة,, انها خلقت لتعاش,, لنعيشها,, وندرك بأنفسنا ذلك؟!!
,, أتأمل الآن,, ما حولي للمرة الأخيرة ,, لآخر مرة ,, أول مرة في حياتي أقرر مختارة أن أفكر في هذه المشاعر مشاعر الآخر !!
,, لا أريد أن أتأمل ما حولي هكذا بسرعة,, سأقف عند كل الأشياء التي وقفت بجانبي أياماً,, ولاء اللحظات الأخيرة يجب أن يكون أميناً,, يجب أن يكون صادقاً !!
أقف أمام ذلك المكان الصغير الذي سكنته خمس سنوات,, أقف في منتصف ذلك المكان المتواضع الذي شكلت معالمه بيدي,, أتلمس تلك الجدران الأربعة التي منحتها الحياة فمنحتني الدفء زمناً طويلاً؟!!
,, آه ,, غرفتي التي,, كانت غرفتي,, أسالك، كيف يستطيع الانسان الذي يمتلك اللغة أن يتحدث إلى الأمكنة الصامتة ؟! كيف يخبرها بمشاعره؟!! كيف يصرح لها,, سأفتقدك كثيراً,!!
لا شيء غير الصمت أسمعه بدقة متناهية,, يصلني بكامل قوته,, فيحرك سواكني كأنه,, عاصفة!؟!.
أتأمل موطني الصغير,, القي على سمع شجني سؤال مفرط في الوخز,, ترى ما الذي تفعله بنا الأمكنة؟!! كيف تصبح دون أن نشعر قطعة تثير بداخلنا شجن الحنين لأن نعيد ما كان,, أن نبدأ من جديد في ذات الأمكنة,, فقط كي لا تتحول إلى جزء من ذكرياتنا الجميلة؟!!
أتأمله لآخر مرة ,, وأشعر كيف أن كل الذي مضى أختصر إلى لحظة ، تكوم,, في لحظة ، لحظة فارقة بين كل الذي كان,, والذي سيكون!!
بالأمس,, أعتقد أني أصبت بحالة نفسية تدعى جنون اللحظات الأخيرة ,, إذ ان كل ما يقع عليه فكري,, أو تقع عليه عيني أقول في نفسي هذه آخر مرة هنا,, آخر مرة,, استيقظ هنا,, آخر مرة اصنع لنفسي فنجان قهوة هنا,, آخر مرة يطربني صوت فيروز,, آخر مرة,, اغلق الباب,, آخر مرة افتح الباب,, آخر مرة أنظر إلى نفسي في المرآة,, آخر مرة,, أفتح دولاب ملابسي,, آخر مرة أجلس إلى مكتبي وأهب أوراقي شيئاً من الكلام,, آخر مرة أعطر المكان آخر مرة أضع قدمي على السجادة,, آخر مرة أتأمل صورة البحر التي أمامي,, آخر مرة اشعل الأضواء,, آخر مرة أطفئ الاضواء,, آخر مرة أدير مفتاح الغرفة في الباب,, آخر مرة أجلس إلى هذا المقعد، آخر مرة,, آخر مرة,, آخر مرة,, احتفال صاخب يقام على شرف آخر مرة هذه بل إنها آخر مرة,, أجد على مقبض باب الغرفة ورقة وردية صغيرة علقت بواسطة مشبك غسيل, تخبرني باسمة من خلالها,,.
غادة ,, أيقظيني!! ,.
صباح الفل,, ياست الكل تركت لك فطائر البانكيك في الثلاجة,, صحتين وعافية .
,, يا عيون باسمة,, لدينا أربع وجبات سمك + وجبة روبيان لا توصى أحد حتى تنتهي دورات تعليم السباحة ,.
صباح الخير,, علشان أنا بت شاطرة رحت الجامعة وأنا مواصلة ,.
,, عفواً,, تذكرت أن أخبرك بأني قد بحث في الأمس عن البلاد لكنها نفدت عندما وصلت إلى السوبر ماركت ,.
الحقوني,, تناولت في الليل كأساً من عصير المانجا واكتشفت فيما بعد أنه قد انتهت صلاحيته,, إذا توفاني الله وزعوا فطائر سارية الصلاحية .
فهميني يا غادة,, أنا شو ارتكبت عشان ما تكلميني وتخليني أعيد كل ذاكرة تاريخي الأسود معاكم !! غادة,, معلش يا نور عيوني,, إذا طلبت منك كل الارقام التي يمكنني أن أجدك فيها,, لماذا؟ عشان أتابع معك مسلسل الحياة,, وليس حباً في سواد عيونك !! آخر مرة,, أقرأ تلك العبارات التي كانت تمنحني في هذا المكان شيئا من,, عطر الحياة!!
بل هي آخر مرة,, توقظني فيها مريم لصلاة الفجر,, آخر مرة يا مريم,, نتحدث فيها عن حائل ,, والقريات ,, وعن برد الشمال ,, لتصرخ باسمة,, يارب,, ع هالشمالين قد,, ما يمدحوا بحالهم!! أكنا نمدح يا مريم!!
كنا فقط نقول الحقيقة,, لا أكثر,, فهل تقال بعض الحقائق لآخر مرة!
يا إلهي,, سأخرج من شعور آخر مرة ,, سأشتاق لكما,, كثيراً!! كثيراً,, وليس لآخر مرة!!
آخر مرة,, انظر لغرفتي الفارغة الآن تماماً,, عادت سيرتها الأولى مثل أول مرة أدخلها فيها,, لماذا دوماً,, تعود الاشياء سيرتها الأولى!!
لكن من ينقذنا من تفاصيل تلك الفصول التي كانت بين أول فصل,, وآخر فصل,, بل من يشرح لنا بالتفصيل كيف كنا,, وإلى ماذا أصبحنا,, خمس سنوات!!,,
آه,, يا غادة,, كم تغيرتِ؟!
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved