Friday 31th December, 1999 G No. 9955جريدة الجزيرة الجمعة 23 ,رمضان 1420 العدد 9955


قرن العباقرة
أ,د, عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي*

لقد مر على الإنسان من يوم خلقه الله على أرضه قرون زمنية لا يعلم عددها إلا خالقها ومدبرها ومسيرها, وما نعرفه اليوم عن تاريخ البشرية المدون لا يتعدى عدداً ضئيلاً من القرون.
يعتبر الزمن من المنظور الطبيعي أو الفيزيائي ما هو إلا تكرار لظواهر كونية معروفة، استطاع الإنسان بواسطتها أن يحدد زمانه وينظم حياته، مع علمه أن هذه الظواهر الكونية المتعددة تتكرر في الواقع، ولا تتوقف ابداً وعلمها عند الله.
وعندما نشير أو نتحدث عن هذا القرن أو ذاك، فإننا في الحقيقة نتحدث أو نشير إلى ما قام به وفعله الإنسان في فترة زمنية مبنية على حساباتنا نحن، ومعتمدين على التغيرات والظواهر الكونية المتكررة (لقد سبق لنا وأن تطرقنا إلى ماهية الزمن في هذه الجريدة), وعلى هذا الأساس فإننا عندما نتكلم أو نشير إلى القرن العشرين، فإننا نتكلم عن ما حدث للإنسان، وما فعله من أول يوم من العام 1900 الميلادي إلى آخر يوم من العام 1999 الميلادي.
يرى أغلب العلماء والفلاسفة والمؤرخين وغيرهم أن القرن العشرين أهم قرن في حياة البشرية، ففي هذا القرن المائة سنة الماضية طوَّر الإنسان فيه العلوم المختلفة تطويراً هائلاً لا مثيل له في القرون السابقة له، واكتشف فيه اكتشافات مذهلة, وفي هذا القرن وصل الإنسان إلى القمر، ووصلت آلته إلى كوكب المريخ، وقامت فيه حربان عالميتان، وفجرت القنابل الذرية، ونشأت فيه ايديولوجيات، ومذاهب، واختفت أخرى، وقامت فيه ممالك وامبراطوريات، وتلاشت أخرى، وتحررت شعوب واستعمرت أخرى، وظهرت أمراض قاتلة، واختفت أخرى,, ووصلت فيه التقنية قمة تطورها.
لو امعنا النظر بدقة فيما قلناه لوجدنا أن الإنسان هو المحور والفاعل الرئيسي والأساسي في كل حوادث القرن,, إذا استبعدنا جانبا الكوارث الطبيعية.
ولقد ظهر إلى السطح في القرن العشرين زعماء وملوك ورجال عظام، وعباقرة وقادة أفذاذ كان لهم عميق وعظيم الأثر على الإنسانية جمعاء، وعلى شعوبهم بصورة خاصة.
وما يهمنا في هذا السياق واقعنا نحن شعب المملكة العربية السعودية، وأن ننظر إلى حياتنا ومعيشتنا,, وإلى ما وصلنا إليه اليوم من رغد العيش، والمكانة المرموقة بين دول العالم.
لم يكن يوجد في بداية القرن العشرين دولة على خارطة الكرة الأرضية تسمى بالمملكة العربية السعودية، وكان الناس في هذه المنطقة من العالم (المملكة في يومنا الحاضر) في حالة يرثى لها، من تمزق وشتات: قرى متناثرة، وقبائل متناحرة، وفقر مدقع، وجهل مخيف، وأمن مفقود، وبؤس طاحن,,,، ومع هذا الوضع المزري، كان هناك شيء ما يتحرك ويتململ من تحت الرمال، وأن هناك شمسا سوف تشرق، وآمالاً ستتحقق عن قريب.
يقال: الرجال العظماء هم الذين صنعوا التاريخ, كان هناك في الكويت شاب يافع يتلفت يميناً وشمالاً، ولكن نظره مركز على ما يحدث هنا في دياره، وما يعانيه أهله وعشيرته وقومه من بؤس وظلم وجور، وشظف في العيش، وخوف مستديم,,, هذا الشاب اليافع المتطلع كان هو عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والذي سيصبح بعد حين من أهم وأعظم الرجال والقادة والعباقرة الذين غيروا مجرى التاريخ وصنعوه في القرن العشرين.
كل إنسان واع ومفكر ومطلع على مسيرة التاريخ يُعجب بالرجال العباقرة والقادة الأفذاذ في كافة العصور التي مرت على البشرية، ولكن هذا الإعجاب والتقدير يزداد ويعظم عندما يرى الإنسان أن هذا العبقري والقائد كان له عظيم الأثر في مجرى حياته، وفي تطوره، ورقيه، ومعيشته، وأمنه، وحاضره ومستقبله.
خرج الشاب عبدالعزيز من الكويت متجهاً جنوباً ومعه عدد قليل من رجاله، يمتطون ظهور الإبل والخيل، وليس معهم من آلة الحرب إلا الصبر والإيمان، وهدفهم كان هو تحقيق ما كان يدور في خلد ذلك الشاب عبدالعزيز من آمال وطموحات في استرجاع ملك آبائه وأجداده، وتوحيد أرضه ورفع الظلم والجور والفقر والخوف عن شعبه.
فتح الملك عبدالعزيز ورفاقه الرياض، ومنها انطلقت المسيرة حتى وحدت أجزاء البلاد، وظهرت على الوجود، وعلى خارطة الكرة الارضية المملكة العربية السعودية.
يقال في علم النفس: الشخص من بعض الوجوه مثل كل الناس، ومن وجوه مثل بعض الناس، بينما هو من وجوه أخرى ليس كمثل أحد من الناس, والفرد في شخصيته وحدة متكاملة من الصفات والمميزات الجسمية والعقلية والاجتماعية والمزاجية، والتي تظهر من تعامله وعلاقته بمن حوله وتصرفاته في المواقف المختلفة.
تشير الأبحاث والكتب التاريخية إلى أن الملك عبدالعزيز كان ذا شخصية قوية مسيطرة ومقنعة بعفوية على من حوله من الناس، فهو في شخصيته نسيج لوحده إضافة لرجاحة عقله وعبقريته وشجاعته، وحسن قيادته وتصرفاته في المواقف المختلفة.
ويقال في علم النفس ايضاً: القيادة هي القدرة على التأثير في الناس، وجعلهم يتعاونون لتحقيق هدف يرغبون كلهم في تحقيقه، ويجدونه صالحاً نافعاً لهم جميعاً, وهي القيادة تربطهم معاً في مجموعة متعاونة, والقيادة الناجحة لا تقوم على السيطرة وممارسة السلطة فقط، بل أيضاً على الاقناع والثقة والتعاون، ،على مدى ما يقدمه القائد للمجموعة من مساعدة للوصول إلى هدفها, ويقال أيضاً: ان الرجال الذين يصلون إلى مركز القيادة تتوفر فيهم صفة الزعامة والقيادة الطبيعية, وعادة ما يكون القائد الذي يشق طريقه إلى أعلى ويفرض قيادته على الجماعة متميزاً في الأغلب بشخصية قوية جذابة وحيوية دافعة.
كان الملك عبدالعزيز رحمه الله على حسب ما روى رفاقه، وروت كتب التاريخ والأبحاث المختلفة وكما أسلفنا صاحب شخصية قوية جذابة، وقيادياً بارعاً من الطراز الأول، ومتواضعاً مع أصحابه ورجاله، ويشاركهم في سرائهم وضرائهم، وفرحهم وترحهم، ويأكل ويشرب وينام معهم.
والقيادي كما يقول علم النفس أيضاً: يتمتع بإصرار وعزيمة في تحقيق أهداف معينة يراها مهمة له وللجماعة التي يقودها.
كان الملك عبدالعزيز رحمه الله يسعى وبإصرار إلى استرجاع ملك آبائه وأجداده، وتوحيد بلده، ورفع حالة البؤس والشقاء والمجاعة,,, عن شعبه ومواطنيه، وقد قضى سنوات من عمره في توحيد دياره ومن المعروف تاريخياً أن عدداً من القبائل والقرى والهجر انضمت إلى الملك عبدالعزيز عن طريق الإقناع والحوار فيما كان يسعى إليه.
ويقول علم النفس ايضاً: القادة من هذا النوع ما ذكر أعلاه هم الذين يعتقد أنهم ولدوا ليكونوا قادة وزعماء, والفرد من هؤلاء يتولى القيادة في ساعة حرجة في حياة الجماعة، فهو لا يستطيع أن يكون بمنأى عن الحوادث الخارجة عن نطاق كيانه.
من المعروف أن الملك عبدالعزيز رحل وهو يافع مع والده إلى الكويت، وقد أثبتت الحوادث والأيام والتاريخ أن الله جلت قدرته خلق الملك عبدالعزيز، كما خلق سائر المخلوقات، وقد وهبه الله الذكاء والقدرة على القيادة، وأن يكون قائداً وزعيماً وملكاً، وكما ذكرنا آنفاً ما كانت عليه مناطق المملكة قبل توحيدها من فقر وبؤس وشقاء وتشتت,,, ولذلك فإننا نعتقد بأن الله سبحانه وتعالى قيض لهذه البلاد المباركة في أحلك ساعات تاريخها رجلاً مثل الملك عبدالعزيز.
صفة أخرى قلنا أن الملك عبدالعزيز كان يتمتع بها لا نحب أن نتجاوزها وهي صفة الشجاعة، والشجاعة في علم النفس صفة ذاتية خاصة بالفرد وحده, والمعروف عن الملك عبدالعزيز رحمه الله أنه قاد وشارك رجاله في جميع المعارك التي خاضها لتوحيد المملكة.
لو ألقينا نظرة ثاقبة ومتبصرة ومتأنية إلى واقعنا اليوم نحن شعب المملكة العربية السعودية ومن مختلف طبقاتنا الاجتماعية، ومناطقنا المختلفة، ومدننا وقرانا لرأينا أننا نعيش في رغد من العيش، وفي أمن وأمان، وأن أي فرد منا يستطيع أن يسير بعربته هو وزوجه وأولاده من مدينة نجران إلى مدينة القريات، ومن مدينة جدة إلى مدينة الدمام، ومن تخوم رمال الربع الخالي إلى تبوك,,, آمناً مطمئناً لا يخاف إلا من خالقه، كما أنه له الحق أن يلحق أبناءه وبناته في أية مدرسة أو جامعة أراد، وله الحق في سكن مريح,,, وله,,, وله,,, أشياء واشياء لا تحصى.
أليست هذه الاشياء التي نلناها وننالها، والأوضاع التي نعيشها فيما بعد القرن العشرين حصيلة أعمال جليلة صنعها رجل من رجالات وعظماء وعباقرة القرن العشرين, لقد قلنا ان القرن العشرين قرن العباقرة.
* الرياض كلية الملك خالد العسكرية.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

المتابعة

أفاق اسلامية

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved