Friday 31th December, 1999 G No. 9955جريدة الجزيرة الجمعة 23 ,رمضان 1420 العدد 9955


من وحي المنبر
زكاة الفطر
الشيخ الدكتور صالح بن عبدالرحمن الأطرم *

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، رحيم بعباده، ورحمته وسعت كل شيء نحمده أمرنا بالتعاطف والتآلف وأشكره على نعمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الفلاح في الدنيا والآخرة لمن التزم أوامره وأطاعه وذكره وطهر نفسه وماله وعرف حق الله، وحافظ على حقوق عباد الله.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أمرنا بإخراج زكاة فطرنا جبرا لصيامنا من لغو قلناه أو زور ارتكبناه ومشاركة لإخواننا الفقراء والمساكين تفريجاً لهم واخذا بيدهم وتوسعة عليهم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين اقرضوا الله قرضاً حسناً فنماه لهم وجزاهم خير الجزاء في مستقر رحمته في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أما بعد:
أيها المسلمون,, اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وبادروا بإخراج زكاة فطركم وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى، والحر والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير قال فعدل الناس به نصفاً من بر على الصغير والكبير، وفي لفظ أن تؤدى قبل خروج الناس الى صلاة العيد, وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام او صاعا من تمر، او صاعا من شعير او صاعا من أقط او صاعا من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال أرى مدا من هذا يعادل مدين، قال أبو سعيد أما أنا فلا ازال اخرجه كما كنت اخرجه في عهد رسول الله, ان الله سبحانه وتعالى اوجب على الابدان زكاة مالية حولية كما اوجبها في الأموال وهي المذكورة في قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى 14 وذكر اسم ربه فصلى 15 ) قال بعض المفسرين معنى من تزكى أي أخرج زكاة تطهره ثم خرج الى صلاة العيد، وهي الصلاة المشار اليها في هذه الآية، وذكر اسم ربه فصلى: أي بالتكبير كما قال تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) فصدقة الفطر واجبة على كل مسلم لانها طهرة له من أدران الذنوب، والكافر لا تلحقه طهرة، وهذه الزكاة البدنية تجب بالحول مرة واحدة وتسمى زكاة الفطر وصدقة الفطر حولها في آخر الافطار من رمضان وفرضت في هذا الوقت لتتابع الحسنات، وهذا من علامة قبول الحسنة ولهذا جاء في الحديث الشريف الحسنة تقول أختي أختي والسيئة تقول أختي أختي ولقد فرض الشارع الحكيم وجوبها بعد الصيام لجبر مانقص منه واتمامه كما جاء في الحديث انها طهرة للصائم من اللغو والرفث كما يطهره ايضاً ما يخرجه عن صغيره ومجنونه اللذين لا يصومان وهي ايضاً رحمة بالفقير، وعطف عليه، ليستغني عن سؤال الناس في يوم العيد فيشارك الأغنياء فرحتهم بهذا اليوم العظيم وتأدية الصلاة فلا يبقى هناك غني مسرور ولا فقير عابس, قال صلى الله عليه وسلم: أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ولكن لاتجب الا بشرطين:
أولاً: أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته مايكفيه زكاة فطر، لان النفقة أهم فيجب البدء بها لقوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك رواه مسلم وفي رواية وابدأ بمن تعول ، رواه الترمذي، ويخرج الانسان عن نفسه وعمن يعول والحمل في بطن أمه لا تجب فطرته ولكن مستحب لما روى عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب وهو غروب الشمس في ليلة الفطر لقول ابن عمر رضي الله عنه: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر في رمضان، وذلك يكون بغروب الشمس، فمن أسلم او تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبدا بعد الغروب لم تلزمه فطرتهم وان غرب وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنها تجب في الذمة: والأفضل في وقت اخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ولان المقصود اغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم رواه سعد بن منصور، وفي اخراجها قبل الصلاة اغناء لهم في اليوم كله فإن قدمها قبل ذلك بيوم او يومين جاز لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يؤديها قبل ذلك بيوم او يومين ولان الظاهر انها تبقى او بعضها فيحصل الغنى بها فيه، وان عجلها لاكثر من ذلك لم يجز لان الظاهر انه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد وان اخرها عن يوم العيد أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته، ولزمه القضاء لانه حق مال واجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين، وزكاة الفطر تُعطى الذين يعطون من زكاة المال وهم الفقراء والمساكين ولا تعطها من تلزمك نفقته، وتسلم للفقير بيده في وقتها أو وكيله في قبضها ولا يبقيها عنده انتظاراً للفقير ولا يودعها وهي متعلقة بالبدن فيخرجها في بلده الذي هو مقيم فيه، وفطرة من يعولهم تبعا له فان شاء انفقها مع فطرته في بلده وان شاء اخرج في بلدهم ولايجوز اخراج القيمة مادامت الاصناف الخمسة موجودة لوجود النص عليها من الشارع الحكيم، الذي رعى مصالح الناس في كل مكان وزمان، واخرج هذه الاطعمة وهذه الاصناف مراعاة للمخرج حيث انها اغلب القوت فلا يتكلف ماليس عنده وفيها مراعاة المخرج له إذ بها الغنية وسد الحاجة الى الطعام، ولانه ليس المقصود فيها التجارة لذا لم يذكر الشارع الحكيم القيمة لان زكاة الفطر شعيرة من شعائر الاسلام لا تبرز ولا تظهر إلا بالطعام، ولقد بين الشارع الحكيم مصارف الزكاة في الآية الكريمة التي تبين لنا من تدفع إليه كما ذكرت الآية اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم اياه في قسم الصدقات فبين الله انه هوالذي قسمها وبين حكمها وتولى امرها بنفسه ولم يكل قسمها الى حد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين، ففي الحديث: ان رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعطني من الصدقة، فقال له ان الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أصناف فان كنت منهم اعطيتك لانهم هم المستحقون للزكاة فلا تبرأ الذمة إلا بدفعها لهم ويبرأ منها صاحب الزكاة ان دفعها للإمام او من اقامه مقامه من جباة الزكاة، وليحذر المزكي دفعها الى غير هؤلاء وليعلم انه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب لذي مرة سوى، الحديث، وليحذر ان يدفع بزكاته مذمة ولا يقي فيها ماله، ولا يستخدم بها ولا يعطيها احدا من فروعه ولا من اصوله وهم الاولاد واولاد الاولاد، والاصول امه وابوه واجداده وجداته من قبل الأب والام فمن اعطى زكاته احدا من هؤلاء لم تبرأ ذمته، لان الفقير من هؤلاء تجب عليك نفقته من دون الزكاة، واما بقية الاقارب فان كنت لا ترثه فأعطه من زكاتك ان كان فقيراً والنفقة على القريب تكون براً وصلة، والزوج لا يعطي زوجته الزكاة، وكذا الزوجة لا تعطي زوجها الزكاة، ولايعطي المزكي من يخدمه لانه يكون قد استخدم زكاته ولايجوز صرف الزكاة لغير هؤلاء الثمانية من بناء مساجد او اصلاح طريق لان الله خصهم بقوله إنما وهي للحصر تثبت المذكورين وتنفي ماعداهم، والفقير والمسكين اللذان لايجدان مؤونتهما وعائلهما لمدة سنة كاملة يعطون مايكفيهما وعائلتهما لمدة سنة، والفقير الذي لايجد شيئاً، والمسكين الذي يجد بعض الكفاية ومن ادعى الفقر مِمّن لا يعرف قُبِلَ قوله من غير يمين لأن الاصل عدم المال.
وان ادعى من عرف غناه لم يقبل إلا بيمين لقوله صلى الله عليه وسلم: إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة رجل أصابته فاقة حتى شهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصاب فلان فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما أو سداداً من عيش رواه مسلم، والصنف الثالث: العاملون عليها يعني الذين يشتغلون في جباية زكاة الأموال مابين حافظ وكاتب وسائق، فيعطون منها مقابل أعمالهم، والصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم السادة المطاعون في عشائرهم ضربان كفار ومسلمون، فالكفار من يرجى اسلامهم، او يخاف شرهم لان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى صفوان بن امية يوم حنين قبل اسلامه ترغيبا له في الاسلام، والمسلمون اربعة اضرب منهم من له شرف يرجى من اعطائه اسلام نظيره، الثاني من صلتهم بالاسلام ضعيفة فيعطون لتقوية اسلامهم، الثالث: قوم اذا اعطوا قاتلوا ودافعوا عن المسلمين الرابع: اذا اعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطون، الخامس: فك الرقاب المسلمة من الرق واعطاء المكاتب دين كتابته وفك الاسير المسلم من ايدي الكفار، والسادس: الغارمون وهم ضربان ضرب غرم لاصلاح ذات البين وهو من يحمل دية أو مالا لتسكين فتنة أو اصلاح بين طائفتين، فيدفع له من الصدقة مايؤدي حمالته، وان كان غنيا لما روى قبيضة بن مخارف قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال أقم ياقبيضة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال ياقبيضة: إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصبها ثم يمسك رواه مسلم، ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين فجاز له الاخذ مع الغنى كالغازي، والضرب الثاني من غرم لمصلحة نفسه في مباح يعطى من الصدقة مايقضي غرمه، ولا يعطى مع الغنى لانه يأخذ لحاجة نفسه، وان غرم في معصية لم يدفع له قبل التوبة لانه لا يؤمن ان يستعين بها في المعصية وبعد التوبة يعطى لتبرئة ذمته وكان كالفقير السابع: هم الغزاة في سبيل الله الذي لا مرتبات لهم، فاذا اعطوا غزوا لجهاد الكفار فيعطون كفايتهم في طريقهم واقامتهم ويسلمون ويعطون مراكب ومايصلحها ومن يقوم عليها، ويعطى هؤلاء ولو كانوا اغنياء لان عملهم لمصلحة المسلمين وإعلاء كلمة الدين واذلال كلمة الكفر والكافرين, الصنف الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع في طريقه، ولم يجد مايبلغه بلده فيعطى مايوصله الى بلده، ولو كان غنيا في بلاده، وان كان سفره لمعصية لا يعطى, فيالها من كفالة اجتماعية جاء بها اسلامنا العالم بمصالح الخلق حالا ومالاً، فاتقوا الله ايها المسلمون، واخرجوا زكاة فطركم، وشاركوا اخوانكم فرحتهم بالعيد وامسحوا دمعتهم وخففوا آلامهم.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم
* عضو هيئة كبار العلماء

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

المتابعة

أفاق اسلامية

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved