Friday 31th December, 1999 G No. 9955جريدة الجزيرة الجمعة 23 ,رمضان 1420 العدد 9955


رمضان أوسع الميادين لفعل الخيرات
د, زيد محمد الرماني *

** قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)البقرة/ 183, والصوم ضربان كما يقول العلماء، صوم لغوي، وصوم شرعي.
فالصوم في اللغة هو الامساك، وكل ممسك عن شيء فهو صائم, وقد ذمّ أعرابي قوما، فقال يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفواحش.
وكذلك حقيقة الصيام ترجع الى اللغة لأنّ ما من جارحة في بدن الإنسان إلا ويلزمه الصوم في رمضان وفي غير رمضان، فصوم اللسان ترك الكلام إلا في ذكر الله تعالى، وصوم السمع ترك الإصغاء الى الباطل والى مالا يحل سماعه، وصيام العينيين ترك النظر، والغض عن محارم الله تعالى وصيام اليدين ان تُقبض عما ليس لها بحق ولا تُبسط إلا بما هو لله عز وجل رضا وصيام البطن ان يُمنع عن أكل الربا والحرام وعن أكل اموال اليتامى ظلما، وصيام القدمين ألاّ تسعيان في غير طاعة الله سبحانه، وصيام الفرج القعود عن الفواحش فهذا صيام الجوارح وهو فرض على كل مسلم أبد الدهر في رمضان وفي غيره,
يقول ابن الجوزي رحمه الله في كتابه (رياض السامعين) الله الله عباد الله صوِّموا جوارحكم عن المنكرات، واستعملوها في الطاعات، تفوزوا بنعيم الأبد في قرار الجنات والتمتع بالنظر الى جبار الأرض والسموات.
وشهر الصوم شاهده علينا
بأعمال القبائح والذنوب
فيا رباه عفواً منك وألطف
بفضلك للمُحيَّر والكئيب
وهذا الصوم لا تجعله صوماً
يضيرنا الى نار اللهيب
أما الصوم الشرعي فهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع بنّية من قبل الفجر, ولا يخفى على كل لبيب وجه التناسب بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي للصيام.
إنّ شهر الصوم (رمضان) شهر عظيم، زكيّ مبارك كريم، من أطاع فيه الملك الجبار واتبع فيه السنة والآثار، غفر الله له ما قد سلف من الذنوب والأوزار، وخاصّه برحمته من عذاب النار، ومن عصى فيه الملك الجبار، وخالف القرآن والآثار، وعمل بأعمال الفجار، ولم يوقر شهراً عظمه الإله الستار، غضب عليه مقدار الأقدار، ولعنه كل شيء يختلج بالليل والنهار.
قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان) البقرة/185.
وما جعله الله سبحانه وتعالى هدى فلا يكون ضلالة وما جعله بيانا فلا يكون جهالة، وما ضُعّف فيه الأجر فلا يُجعل بطالة.
قيل: سُمِّي شهر رمضان بهذا الاسم لشدة الحرّ فيه (يقال أرض رمضاء أي شديدة الالتهاب لشدة حرارتها)، وقيل أخذ من حرارة الحجارة، لما يأخذ القلوب من حرارة الموعظة والفكرة والاعتبار بأمر الآخرة، فسّمِّي رمضان بذلك لانه يرمض الذنوب أي يحرقها، وقيل سُمِّي بذلك لأنه شهرُ يغسل الابدان غسلاً، يطهر القلوب تطهيراً, وهو شهر الايقان، وشهر القرآن.
وشهر الإحسان، وشهر الرضوان، وشهر الغفران، وشهر إغاثة اللهفان، وشهر التوسعة على الضيفان وشهر تفتح فيه ابواب الجنان، ويصفّد فيه كل شيطان وهو شهر الأمان والضمان.
يقول ابن الجوزي يرحمه الله: (شهررمضان شهر فيه تزهر القناديل، وينزل فيه بالرحمة جبريل ويتلى فيه التنزيل ويسمح فيه للمسافر والعليل.
رمضان للعباد مثل الحرم في أم البلاد، رمضان في الدنيا، مثل الجنان في العقبى: سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود، وملكه خلود.
قيل:
الشهور الاثنا عشر كمثل أولاد يعقوب عليه السلام، وشهر رمضان بين الشهور كيوسف عليه السلام بين إخوته، فكما ان يوسف أحب الاولاد الى يعقوب، كذلك رمضان أحب الشهور الى علاّم الغيوب.
فهذا شهر رمضان فيه من الرأفة والبركات والنعمة والخيرات، والعتق من النار، والغفران من الملك القهار، ما يغلب جميع الشهور.
وقد ورد عن رسول الله عليه السلام قوله: (لو يعلم الناس ما لهم في شهر رمضان لتمنّوا أنه تكون السنة كلها رمضان)، وقال كذلك: (من صام رمضان ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال ايضا: (اذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفّدت الشياطين)، وقال عليه السلام: (إنّ الجنة لتزّين من الحول الى الحول لدخول شهر رمضان)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان شهر خير وبركة).
وفي الحديث القدسي قال عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى: (الصوم لي وأنا أجزي به).
فالله الله والحرمان، والتمادي في العصيان، والرضا في أدياننا بالنقصان، في الشهر الفاضل شهر رمضان.
ورد عن ذي النون المصري رحمه الله قوله: تجّوع بالنهار، وقم بالاسحار، تر عجباً من الملك الجبّار.
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: لو كان الجوع يباع في السوق لكان المرء محقوقاً إذا دخل السوق إن لم يشتر شيئاً غيره، والله تعالى قد فضلكم بدين الإسلام ومَن عليكم بشهر الصيام.
فيا ايها المسلم هذا شهر الصيام، شهر رمضان، شهر التوبة والغفران، وهو رسول من عند الملك الديان، أكرمه حق الإكرام، واحفظ فيه لسانك من قبيح الكلام، وبطنك من أكل الربا والحرام وأموال الأرامل والأيتام.
ويا ايها المسلمون، جددّوا واجتهدوا في هذا الشهر بلا افراط، وخذوا لأنفسكم بالاحتياط.
وبَعدُ، فهل آن الأوان لان يكون شهر الصيام شهراً للاحسان والتكافل والتراحم والتواصل والبرِّ والتعاون، كي ننال الثواب الجزيل والمغفرة من ربنا العزيز المتعال.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود - عضو جمعية الاقتصاد الاسلامي
- عضو جمعية الاقتصاد السعودية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

المتابعة

أفاق اسلامية

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved