Sunday 2nd January, 2000 G No. 9957جريدة الجزيرة الأحد 25 ,رمضان 1420 العدد 9957



عولمة الفقر في العالم الثالث
د, زيد بن محمد الرماني*

اننا نعيش في عصر الفقر العالمي مع ظهور المجاعات على نطاق واسع ومع عودة الاوبئة الفتاكة وانهيار القطاعات الانتاجية في البلدان النامية وضمور برامج الرعاية الصحية والاجتماعية فيها.
وللاسف فان هناك محاولات من الوكالات الدولية الكبرى الثلاث البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبرنامج الامم المتحدة للتنمية لتشويه الحقائق والتلاعب بالبيانات وبمعايير الفقر من اجل تقديم صورة افضل للعالم.
بدأت عولمة الفقر في العالم الثالث متزامنة مع حدوث الهجمة العنيفة لازمة الديون وقد امتدت منذ التسعينيات لتشمل جميع المناطق الاساسية في العالم.
كما انتشرت المجاعة وطالت جانبا كبيرا من السكان في العالم فحسب تقدير الامم المتحدة فان 23 مليون انسان في القرن الافريقي فقط معرضون في الواقع لخطر المجاعة.
يقول مايكل تشوسادوفسكي: تتفق الدول السبع الكبرى والمؤسسات الدولية بما فيها البنك الدولي على انكار المستويات المتزايدة للفقر العالمي الناشىء عن عمليات الهيكلة الاقتصادية ويتم اخفاء الحقائق الاجتماعية والتلاعب بالاحصاءات الرسمية كما تقلب المفاهيم الاقتصادية رأسا على عقب.
يحدد البنك الدولي وبعيدا عن المفاهيم والمناهج التقليدية الاقتصادية المتعارف عليها لقياس الفقر يحدد بشكل اعتباطي عتبة الفقر بدولار في اليوم ويصنف فئات السكان ذات الدخل الفردي الذي يزيد على دولار واحد في اليوم على انها غير فقيرة.
ان مقياس دولار في اليوم لا يستند الى اساس منطقي ففئات السكان في البلدان النامية التي يصل دخلها الفردي الى دولارين او ثلاثة دولارات او حتى خمسة دولارات في اليوم ما زالت تعاني الفقر وعدم استطاعتها تغطية النفقات الاساسية على الغذاء والمأوى والصحة والتعليم.
عندما تتحدد عتبة الفقر بدولار في اليوم يصبح تقدير مستويات الفقر العالمي والوطني مجرد مسألة حسابية، وتحسب مؤشرات الفقر بطريقة آلية ابتداء من فرضية الدولار في اليوم ومن ثم تدرج المعلومات ضمن جداول جذابة تبين تراجعا في مستويات الفقر العالمي مع حلول القرن الواحد والعشرين.
وهذه التنبؤات المتعلقة بالفقر تستند الى نسبة مفترضة من النمو في الدخل الفردي الذي يتضمن انخفاضا مساويا له ومتماشيا معه في مستويات الفقر.
ان الاطار الذي بني على فرضية دولار في اليوم ليس له اي معنى لانه ابتعد عن دراسة وقائع الحياة الفعلية فمع غياب دراسة النفقات المنزلية على الطعام والمأوى والخدمات الاجتماعية والصحية يصبح تقدير مؤشرات الفقر في الاطار الذي وضعه البنك الدولي مجرد مسألة حسابية.
واستنادا لبرنامج الامم المتحدة للتنمية فان التقدم في عملية التخفيف في الفقر عبر القرن العشرين مميز ولذا استند مؤشر الفقر البشري التابع لبرنامج الامم المتحدة الى الابعاد الاكثر اهمية للفقر وهي قصر العمر وغياب التعليم الاساسي وعدم القدرة على استخدام الموارد العامة والخاصة.
بيد ان تقديرات برنامج الامم المتحدة للفقر البشري تعتبر نموذجا اكثر تشويها من ذلك النموذج الذي قدمه البنك الدولي ذلك ان تقديرات البرنامج لا تتوافق مع الحقائق المتعلقة بمستوى البلد المعني والتقديرات الوطنية للفقر.
ان المعايير المزدوجة هي الطاغية الواضحة في عملية قياس الفقر فمعيار البنك الدولي بمقدار دولار في اليوم ينطبق فقط على الدول النامية حيث لا يعترف البنك الدولي وبرنامج الامم المتحدة للتنمية بوجود الفقر في اوروبا وامريكا.
واكثر من هذا فان مقياس دولار في اليوم يناقض اصول البحث الثابتة التي تستخدمها الحكومات الغربية والمنظمات الحكومية في تعريف الفقر في البلدان المتطورة وقياسه.
حيث تعتمد طرق قياس الفقر في الغرب على المستويات الدنيا للنفقات المنزلية المطلوبة للانفاق على الطعام والملبس والمسكن والصحة والتعليم.
وحقيقة الامر فان برنامج الامم المتحدة للتنمية والبنك الدولي للانشاء والتعمير لا يقومان بمقارنة بين مستويات الفقر بين الدول المتطورة والدول النامية.
ان الانخفاض العالمي في مستويات المعيشة ليس نتيجة ندرة الموارد الانتاجية كما كانت عليه الحال في فترات تاريخية سابقة ففي الواقع حصلت عولمة الفقر خلال فترة تقدم تقني وعلمي سريعين.
ففي حين اسهم التقدم العلمي في زيادة الطاقة الكامنة للنظام الاقتصادي لانتاج السلع والخدمات الاساسية الا ان المستويات الواسعة للانتاجية لم تترجم الى تخفيض مماثل في مستويات الفقر العالمي.
وختاما اقول ان التلاعب بارقام الفقر العالمي تعيق المجتمعات الوطنية عن فهم نتائج المسار التاريخي الذي ابتدأ في بداية الثمانينيات مع هجوم ازمة الديون, وقد غزا هذا الوعي الخاطىء جميع ميادين الحوار والنقاش، وبدورها فان قلة التبصر الفكرية لعلم الاقتصاد السائد تعيق فهم الاعمال الحقيقية للرأسمالية الكونية واثرها المدمر على سبل عيش ملايين الناس.
وللاسف فان المؤسسات الدولية سارت وحذت مؤيدة الخطاب الاقتصادي السائد نفسه دون تقييم لتأثير عملية الهيكلة الاقتصادية على المجتمعات الوطنية والتي تؤدي الى انهيار المؤسسات والى تزايد حدة الصراع الاجتماعي.
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

المتابعة

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.