Thursday 6th January, 2000 G No. 9961جريدة الجزيرة الخميس 29 ,رمضان 1420 العدد 9961



مصممها جسد فيها المكان بعبقه وفطريته وملامحه
القرية الشعبية تجمع مناطق المملكة تحت سقف واحد

إذا كانت عوامل جذب المواطن إلى السياحة الخارجية متوفرة داخل بلاده، سواء كان يرغب أن تكون سياحته ترفيهية أو ثقافية، فمن الأولى أن يقضي أياماً يستمتع فيها بجمال بلاده، ويرفه عن نفسه بين أهله في جو آمن لا يشعر فيه بالاغتراب، ويتعرف عن قرب على ملامح ومعالم بلاده التي تتمتع والحمد لله بتنوع ثري وغني، أضفاه عليها اتساعها الكبير بما تشمله من سواحل وجبال وسهول، وبما شجع الكثيرين من أهل هذه البلاد المباركة على رصد الاستثمارات الضخمة في مشاريع سياحية وترفيهية أقيمت على امتداد البلاد طولاً وعرضاً، تمثلت في القرى والمنتجعات والفنادق الضخمة التي تشتمل على مرافق وخدمات من طراز يضاهي أعلى المستويات العالمية، بل وتمتاز عنها بالخصوصية والتناغم مع البيئة من حولها.
ومن نافلة القول أن الدولة بكافة مستوياتها قد اهتمت بالسياحة الداخلية أيما اهتمام، وتضافرت جهود الجميع من أجل تفعيل السياحة في الداخل، لتسير البلاد نحو صناعة سياحية لها طابعها الخاص الذي ينطلق من ثوابتنا وقيمنا، ويشارك فيها رجال الأعمال والمستثمرون، وقد شهدت المملكة هذا العام نشاطاً واسعاً تمثل في العديد من المؤتمرات الناجحة التي أقيمت تحت رعاية الدولة وشارك فيها كبار المسئولين، إلى جانب المهتمين بالسياحة الداخلية، اضافة إلى المهرجانات التي عاشتها مناطق عديدة في البلاد، وحققت رواجاً ونجاحاً شهد لهما الجميع.
ولما كان المكان كما أسلفنا هو العامل الأهم في منظومة السياحة، فإن القرية الشعبية التي أقيمت بالقرب من مياه الخليج على الساحل الشرقي في مدينة الدمام هي إحدى الامثلة الحية والجميلة على ذلك، حيث حرص مصممها على أن يجسد فيها المكان بعبقه وفطريته وملامحه، فمن قطعة فخار كان يصنع مثلها الآباء والأجداد منذ ما يقارب من مائة عام في عسير، إلى باب مدهون بنفس المواد التي كانوا يستخدمونها في الإحساء، أو سقف صنع من أثل الدرعية، أو جدران جلبت أحجارها من تهامة، بما يجعل الزائر يعود ببصره إلى عقود خلت ويعيش في أجواء حميمة تعيد له البيت السعودي القديم في مناطق المملكة المختلفة.
هذه المشاعر تخالج كل زائر للقرية الشعبية بالدمام، المدينة الرئيسية بالمنطقة الشرقية من المملكة، حيث تؤكد كل الشواهد في هذه القرية أنها دلالة على ماض أصيل سطره الآباء والأجداد ليؤكدوا قدرتهم على التعايش مع الحياة.
قكرة بناء القرية
يقول الأستاذ سعد البلحي صاحب ومدير القرية، وهو شاب في الرابعة والثلاثين من عمره: كنت أهوى جمع القطع الأثرية بمختلف أنواعها منذ الطفولة، شجعني على ذلك حبي للوطن وللمعمار القديم وفنه الجميل وجعلني أتحمس لعمل لبنة تضاف إلى ما أنجز في المنطقة الشرقية من مشروعات سياحية لقيت كل التشجيع والدعم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، حتى صارت المنطقة مكان جذب سياحي على مستوى الخليج والشرق الأوسط، كما شجعني ضعف الصلة في الغالب بين سكان المنطقة الشرقية مع جذورهم في المناطق الأخرى لطبيعة الحياة والأعمال الحديثة، مما أوجد هوة بين جيل اليوم وتراثهم، ولذلك فكرت في إنشاء متحف أعرض فيه ما استطعت جمعه خلال أكثر من 15 عاماً، وبتشجيع من الجميع وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وهكذا كان هذا الصرح الذي أعتز به الآن، لما يشتمل عليه من إبراز للجوانب التراثية لعموم مناطق المملكة أمام السكان والزوار.
البداية
ويقول الأستاذ سعد الذي قام بتصميم القرية ونفذها بأيدٍ سعودية ماهرة: بداية كان اختياري للموقع يستهدف جعل زيارة القرية في متناول الجميع، وقد عكفت منذ 10 سنوات تقريباً على رسم الخطة لهذا المبنى الذي كان الهدف منه وهو تعريف الجيل الحاضر بالجيل الماضي، إلا أن ارتفاع تكاليف المشروع دفعني لأن يأخذ طابعاً استثمارياً أملاً في استمراريته ونجاحه، لذلك جاءت فكرة المطعم الشعبي المرافق، فالمائدة أيضاً جزء من تراث بلادنا، حيث أن لكل منطقة سعودية ما يميزها من ألوان وأصناف الطعام، وقد تم تشييد هذه القرية التراثية على كورنيش مدينة الدمام في الموقع السياحي الأول في المنطقة الشرقية، وتكونت القرية من خمسة طوابق يتقدمها البهو الرئيسي في شكل رواق ومقلط أو الماقد وهو عبارة عن المجلس الشعبي بجلساته من مساند وتكيات وحيز القهوة وعرض الدلال وموقد النار الخاص بإعداد القهوة، ثم غرف الضيافة في مناحي القرية بأدوارها الخمسة، وقد حرصت على أن أسمي كل غرفة باسم مدينة سعودية مثل (الدرعية، وبريدة، والباحة، والإحساء، وعسير، وعنيزة) وهكذا,, وحرصت أيضاً على أن أجعل كل جزء في القرية مواكباً لتراثنا وناطقاً بأصالتنا من الفرش إلى طلاء الجدران من الطين الذي جلب من نجران والدرعية والتبن والوحل، وكذلك الحجارة التي جلبت من تهامة بأحجام كبيرة، والأبواب الحساوية وطريقة دهانها والأسقف من الأثل والدنشل والجريد، وكذلك طريقة الإضاءة وأسلوب السلالم ودورات المياه والسطح والفرش، فكنت، والحديث لسعد, أريد أن أضع زائر القرية في أجواء أحد البيوت السعودية قبل مائة سنة على الأقل، فنحن نستقبل الزائر بالتمر والقهوة والطيب (الدخون) ونودعه بالمثل، فالقرية بطرازها المعماري المتميز على كورنيش الدمام تعد معلماً سياحياً بارزاً يضاف إلى مقدرات المنطقة الشرقية السياحية.
يقول الأخ سعد: إن الاستثمار في هذه القرية بلغ أكثر من 13 مليون ريال سعودي، يقابله الشيء الكثير من الجهد والوقت والعرق، حيث كنت أعمل بنفسي في كل شيء، مثل (البناء والطلاء والفرش والإخراج العام)، إضافة إلى جلب التحف النادرة والمخطوطات التي تزين ممرات وغرف القرية وأدوارها العليا المخصصة للمتحف.
المتحف
أما عن المتحف فهو يشتمل على مئات من القطع الأثرية النادرة والملابس التقليدية للرجال والنساء، وكذلك الأواني القديمة والعملات النقدية والبنادق وغيرها من الأسلحة والصور والمخطوطات التي استطعت جمعها خلال أكثر من 15 سنة بالشراء من كافة مناطق المملكة ومن الخارج، ولا أزال أبحث عن كل نادر، كما أن هناك جانباً نعرض منه أمام الجمهور ما يمكن بيعه من الأدوات والمعروضات التي تستهويهم، كما نقيم في المناسبات العامة معارض تراثية لعرض بعض المهن والحرف اليدوية المحلية كالحياكة وصناعة الفخار وصناعة المشالح وصناعة سعف النخيل وغيرها, وكذلك نقيم عرضاً للفنون الشعبية المحلية، هذا إضافة إلى أجواء بيت الشعر خارج مبنى القرية، وكذلك الأجواء البحرية بالقرب من الشلال وسط البهو، حيث تناسب المياه حول الجلسات المتاحة أمام الزوار.
المطعم الشعبي
أما عن المطعم فيقول الأستاذ سعد لقد عمدنا إلى الابتعاد عن الطابع التقليدي في تقديم وجباتنا، فجميع ما لدينا أكلات شعبية بحتة، كالجريش والقرصان والمثلوثة والمرقوق والبادية من أكلات نجد والقصيم وكذلك الأكلات العسيرية كالحنيذ والمظبي والمندي والعريكة والمشقوتة والعصيدة وأكلات الساحل الشرقي كالهريس والمكبوس والمحمر والخبيصة، وتميزنا أيضاً بالأواني التقليدية وطريقة التقديم والطبخ على نار الحطب، مما يعطي الطعام مذاقاً يعود بالإنسان عشرات السنين إلى الوراء، ونقدم أيضاً أنواعاً من الحلويات الشعبية مثل الحنيني والمراصيع والفريك.
العاملون في القرية عددهم 65 ما بين طباخ ومضيف وعامل يتميزون جميعاً بزي تقليدي يرمز إلى كافة مناطق المملكة، حيث الثوب والغترة والخنجر وأحياناً المشلح والعقال، كما أنهم- وغالبيتهم من أبناء الوطن - مؤهلون للتعامل الطيب مع الزبائن، فلا تسمع منهم سوى: هلا والله وأهلاً وسهلاً ومرحباً وأرحبوا والله حيه وهكذا .
الزوار
أما زوار القرية فهم بالمئات يومياً وتغلق القرية أبوابها أحياناً لحجزها بالكامل لمناسبة عامة تقام في أروقتها، والزوار بالطبع من جميع أنحاء المملكة ومن كافة الجنسيات، وبالذات الجاليات الأجنبية وأعضاء السفارات، ولكن يظل صاحب القرية يتشرف بذكرى زيارة سمو أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز المفاجئة للقرية، وكذلك الزيارة الأولى لسمو نائب أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز والتي افتتح سموه القرية خلالها في تاريخ 19/5/1419ه، ومع الأيام يتشكل لها حضور سياحي بارز ومتعاظم يجذب إليه سياح المنطقة وزوارها.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الاقتصادية

العيد والسياحة بالمنطقة الشرقية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.