Friday 14th January, 2000 G No. 9969جريدة الجزيرة الجمعة 8 ,شوال 1420 العدد 9969



رياض الفكر
فقه الأقليات الإسلامية المعاصرة,, أين هو؟!
سلمان بن محمد العُمري

أتت الدعوة الاسلامة، وانتشر نورها، ليعم العالم، ولتخرج الناس من الظلام الى النور، ومن الشرور الى الخير العميم، ولكن ليس كل البشر مسلمين، وليس كل بقاع العالم إسلامية خالصة، ولذلك نجد في عالمنا المعاصر بلادا يغلب عليها الطابع الاسلامي، او انها ديار مسلمة خالصة، وبلادا اخرى على العكس يشكل فيها المسلمون أقلية ليس إلا، وبين الحالتين درجات متفاوتة، ولا ريب ان الاقليات المسلمة تشكل عاملا هاما في جسد الامة الاسلامية، ولا سيما إذا علمنا ان الكثير منها هي قوى هامة وفعالة وبناءة وذات خبرات واسعة، وتقطن في بلاد توصف بالمتطورة والمتقدمة في عالم اليوم.
ان مما لا شك فيه ان الاقليات المسلمة خصوصا في البلدان الغربية تعاني من مشاكل في تأقلمها مع عادات وتقاليد تلك المجتمعات، بحيث لا يمس ذلك التأقلم القيم والعادات والاخلاق الاسلامية، والمعاناة لها اوجه عديدة، تتجلى على شكل حالات تتكرر كل يوم وكل ساعة، وهي حالات مستمرة وليست وقتية، من ذلك مثلا قضية اللباس الاسلامي، وقضية الاختلاط بين الجنسين، والذبح,, الى ما هنالك من قضايا يطول سردها، وهي بحاجة لحلول واقعية تستند الى الاصول الاسلامية الصحيحة، ولا يجوز تجاهلها اطلاقا، لأن من الاهمية بمكان الحفاظ على هوية اخوتنا في معركتهم تلك.
الحل ربما يكمن في ايجاد فقه معاصر يختص بقضايا المغتربين والمهاجرين، وحتى المواطنين الذين يشكلون اقلية في بلدانهم، ان هذا الفقه يجب ان ينطلق من منطلق دراسة موضوعية وواقعية لحالة تلك المجتمعات للوقوف على افكارها وعاداتها وتقاليدها وحياتها، ودراسة واقع الجاليات المسلمة هناك الى اين وصلت في تأقلمها,؟ وما هي العقبات والمشاكل التي مازالت تعترضها، او تتعرض لها؟ وبعد ذلك تتم عملية اسقاط لتلك الوقائع الملموسة على الشرع الاسلامي المتمثل بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، واستخلاص الفقه المطلوب من ذلك.
وقد اعجبتني مداخلة الاخ العزيز الدكتور صالح العايد الامين العام للمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية عند مشاركته في الموضوع الذي طرحته هنا في الجزيرة مع عدد من المختصين الذين اكدوا اهمية ايجاد فقه معاصر للأقليات يلائم الظروف المستجدة، أقول: لقد أعجبتني مداخلة العايد لبعدها عن السرد الانشائي وذكره لحقيقة واقعية عايشها، وهو يقول فيها: لقد شاهدت كثيرا من العلماء والطلاب الذين قدموا إلى الولايات المتحدة الامريكية في جولات على المراكز الاسلامية، خلال فترة عمله بإدارة معهد العلوم الاسلامية والعربية في واشنطن، وعرف منهم انهم واجهوا نوازل تحتاج الى فتوى خاصة، والكلام للدكتور العايد: ان كل من عاش في بلاد الغرب ادرك الحاجة الى فتوى خاصة بالمغتربين.
ولفت النظر الى ان فضيلة الشيخ صالح بن منصور الجربوع مدير مكتب الدعوة في امريكا انذاك قد بادر بالفعل الى جمع النوازل الخاصة بالاقليات الاسلامية، وعرضها على عدد من علمائنا شارحا لهم الأحوال الدقيقة والظروف المحيطة بمكان المستفتي، واجتمعت لديه فتاوى جديرة بالنشر والتوزيع انتهى حديثه.
وسنحت لي الفرصة بطرح موضوع فقه الاقليات على معالي الوزير العلامة الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، ووجدت لديه اهتماما خاصا، وحماسا كبيرا لتلك القضية لاهميتها للمسلمين في تلك البلدان، وهذا بالطبع ليس بمستغرب من حفيد الامام المجدد الذي يحرص كل الحرص على كل ما له صلة بأمر من أمور المسلمين في داخل المملكة وخارجها، وطلب معاليه متابعة ما جمعه الشيخ الجربوع للاطلاع عليه، وإضافة ما يمكن إضافته تمهيدا لطباعته، وتوزيعه بمختلف لغات العالم، ولا شك ان مبادرة العالم الجليل حفيد مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله ستسعد ابناء المسلمين حينما يعلمون بذلك، ويكتمل المشروع، ويصبح الحلم حقيقة بالنسبة لهم.
ان الدين الاسلامي هو دين مناسب لكل زمان ومكان، وعلى الاجتهاد المعاصر المتمثل بعلماء المسلمين ايجاد الحلول المنطقية والشرعية للاقليات المسلمة، فالقضية تمس الجميع، وليست مسؤولية إمام او داعية معين، وقد يتطلب الامر تشكيل جمعية، او لجنة إسلامية من اجل ذلك، لأن الامر بمنتهى الخطورة والجدية.
ان الحياة في ديار غير ديار الاسلام تحمل بالحقيقة اخطارا لا يستهان بها على المسلم ودينه، حتى ان بعضهم يضحي بكل مصالحه، ويعود لبلاده خشية الفتنة،, والوقوع بالمعاصي، ولكن الضرورات في تزايد، وقد اضطر الكثير من المسلمين لسبب علمي، او اقتصادي، او ثقافي او سياسي، او عسكري ان يوجد في بلاد غير مسلمة تخضع لقوانين تخالف الشرع الاسلامي، ولديها عادات لا تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا السمحة، وهكذا اصبح الملتزم بدينه هناك كالقابض على الجمر فعلا، وهو بأمس الحاجة لدعم اخوانه على كل الاصعدة، وخصوصا الجانب التشريعي الفقهي السليم.
لقد انتشر هناك الحرام في كل مكان وفي اي زاوية، فالربا هو اساس المجتمع، والاختلاط هو الطبيعي لديهم، والخمر والميسر والقمار والزنا كلها حقائق هناك في كثير من تلك البلاد، ويندر وجود العلماء المسلمين، ولذلك تجد المسلم هناك يجتهد حسب قدراته، او انه يسأل من يثق به، او يتصل بأهله وذويه، او لا سمح الله قد يقع في الحرام بدون شعور او قصد، والاخطر اذا حصل الامر بقصد والعياذ بالله .
لقد كان المسلمون يخرجون قديما الى بلاد الكفار بالتجارة، وكانت نتيجة ذلك انتشار الاسلام في ارجاء واسعة من المعمورة، حتى ان اكبر بلد اسلامي الآن وهو اندونيسيا - قد وصلها الاسلام بهذه الطريقة، والامثلة كثيرة وعديدة، ولذلك ليس الامر هو الاتجاه للتقوقع والانزواء، وهذا غير واقعي في عالم اليوم، ولكن الامر تحصين وتقوية للذات بحيث تصمد، ومن ثم تنطلق لابراز ميزات وخصائص الدعوة الاسلامية الرائعة، فالاقليات المسلمة هي المنبر الذي يتحدث باسم الاسلام والمسلمين في كل تلك البلاد، ولذلك مهما قدمنا من دعم وتأييد لهم، فليس ذلك بكثير.
ان ايجاد فقه معاصر لتلك الاقليات هو مطلب حيوي، ولتحقيقه والبدء بتنفيذه نذكر الدور الكبير للمراكز الإسلامية، والمنظمات الاسلامية، والجمعيات القائمة فعلا على ارض الواقع هناك، والتي يجب ألا يقتصر دورها على العبادة مع أهمية ذلك ولكنها يجب ان تنطلق لأدوار تعليمية أكثر وتثقيفية وتشريعية ودعوية، وبهذا تكون الصخرة الأساس في بناء فقه معاصر.
أما دور الاعلام ووسائله فكبير في هذه الناحية، وخصوصا مع وجود وسائل الاتصال الحديثة وبشبكات المعلومات العالمية (الانترنت) وفي ذلك من الخدمة للإسلام والمسلمين الكثير.
ان الدور الاكبر والاهم يبقى على عاتق علماء المسلمين الذين ستقع عليهم مسؤولية إصدار الفقه المطلوب، والذي سيكون فقها متجددا على الدوام، بسبب كثرة الحالات المتجددة، التي تتولد من سباق الحياة اليومية، فلا يمكن وضع قوالب جامدة، وتركها للزمان، لا بل يجب أن يكون هناك متابعة ومعرفة واستكشاف واصدار ما يلزم بالوقت المطلوب.
فقه الاقليات المعاصر مطلب جوهري، ينتظر الكثير من اخواننا، والله ولي التوفيق.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.