Saturday 22nd January, 2000 G No. 9977جريدة الجزيرة السبت 16 ,شوال 1420 العدد 9977



من عنق زجاجات الروتين إلى الإنجاز الثقافي المنتظر
محمد العثيم

كنت في الأسابيع التي سبقت رمضان أدور في حلقة مفرغة لتنظيم حديث مستحيل (كتبته حينها) حول كل القضايا المتعلقة بمسؤولياتنا كمثقفين فيما يخص احتفالنا بمنهجنا الثقافي المبني على تراكم هائل من منجز آبائنا وأجدادنا والمتعاشق بشكل يصعب فيه فصل قديمه عن حديثه,, وقد اعتمدت حينها على كثير من مقاربات الزملاء لقضية صعبة كانت تشتبك في بئرها حبال الدلاء ,, وقد لاتنال ماء وترابا.
وأقول للقارىء الكريم الذي لم يقرأ تلك الموضوعات الطويلة المنشورة باسمي (وغيري) إني كنت أعود بعد كل حديث كتبته أو قرأته لاقول للناس في مقال قادم إنه في قلبي وخاطري شيء من تفريعات الموضوع ومتشعباته,, وكانت الكتابة حول هذه المسألة تقودني الى الهزيمة التي أعلنتها في أحد المقالات وقلت إني لست مؤرخاً لكي استجلي تاريخا,, ولست واصفا لأقدم وصفا تصويريا كاملا للحدث المستقبلي وعلي أن أكتفي بما قلت مبديا أني أديت جهد المقل في مسألة وطنية حساسة، يثار حولها الجدل في ذات اليمين وذات اليسار وتنعدم الحجج كانعدام دوائر الماء في بحر لجي لأن التقابلات تتراوح بين الطقسي المثيولوجي الوظائفي النفعي متداخلا في الشيء المبذول,, وأوشكت حينها أن اضع عنوانا عريضا أقول فيه (إن هذا الموضوع مستحيل فاتركوا تجاذب الحديث في أطرافه وتفرغوا للعمل لمستقبل الثقافة).
قلت هذا وأنا على يقين من أني بصفتي كاتب مسرحيات وذيولها وزملائي المبدعون في الشعر والنقد والقصة نتكلم في أمور,, وإن بدت سهلة المتناول فصعوبة الإحاطة بشتاتها لاتقل عن الحديث في مغيبات تحكي الجوهر وكأنه العرض وهي في الجدل العربي هواية عربية أبعدت كثيرا من مثقفينا عن واقع الاشياء الى الأحلام السوريالية فهذروا الكلام هذرا و شذروا المعاني شذرا ففقدنا الاتجاه في الجدل المنطقي في عالم كوني تحدده الفلسفة المعاصرة في الأصل والمنشأ وما يجعل المكان جزيئا في الزمان مع تقابلنا مع أنفسنا والآخر وهو المنهج الذي تورطت بملابساته لفترة من الوقت وانا اسرد حكاية الثقافة سابقا وفي آخر أحاديثي اوردت ثلاثة مفاهيم أعتبرتها قاعدة للبناء التفاهمي حول المسألة الصعبة واقصد بها (الرياض عاصمة الثقافة العربية 2000).
من باب اول: فإن اي مكان الرياض او غيرها إذا كان مأهولا هو بالضرورة ومن البدهية ثقافة حية وله تراكم ,, بل هو ثقافة يمكن تدريجها بالوان لاتنتهي تفصلها مناطق رمادية ,,(1) وثقافة المكان ماض وحاضر ومستقبل,, والماضي لايمكن فعل شيء له بعد طي صفحاته والذي يبقى اثره في الحاضر,, (2) وللحاضر منجز غائب بني على الماضي بأي من درجاته ومنجز فاعل,,(3) إن كثيرا من منجز المستقبل بين أيدينا لأنه إما جدلي مغيب في الحاضر أو أنه طرف في إنجاز اليوم والمستقبل لم ينقطع طرفه.
ومن باب ثان: فإن معاصرة الثقافة ليست تقويما بيوم أو شهر أو عام مقيسة في الزمن,, وأي مناسبة احتفالية هي من اجل تكريس الجهد للخروج من أعناق الزجاجات البيروقراطية في التداول الى حث سريع للإنجاز وهو ما تتبناه المملكة الآن بموافقة المقام السامي والحث على الإنجاز مما يوجب على الجهات المعنية تسريع دفع العجلة التي يجب أن تدور.
ومن باب ثالث: خلق الشعور العام بالفخار لدى المجتمع بوصوله المجتمع ومكانه لمكان للتميز بين العواصم للمنافسة,, والرياض هي أم العواصم العربية تبنت الكثير من البرامج الثقافية الفاعلة في حياة العرب السياسية,, وكانت دائما نقطة إشراق شمس الحلول لأزمات عربية منذ ايام المؤسس الملك عبدالعزيز الذي شارك في وضع حجر الأساس لجامعة الدول العربية وكثير من منظمات العالم,, ثم في أزمات العرب المتلاحقة والى اليوم.
وفي هذا الإطار سأورد تلخيصا لبعض المفاهيم التي ادرجتها في عدد من المقالات وسبب عودتي لها أن رؤيتي تحسنت في لغة تأطير الموضوع في بعض النقاط عما كانت قبلا بل أحسب اليوم أني ارى بعضها كأني لم اره من قبل.
وفي أحد المقالات أشرت لخطوط عريضة سأعود لتعيين نقاط ملتبسة في حياتنا الثقافية وجاء في المقال:
أولاً: أن مجرد ادعائنا بمنجز ثقافي نخبوي نادر المثال أنجز في الخمس عشرة سنة الماضية أو العشرين هو امر تكثر المداخل عليه ويجد جدلا عريضا بين أطراف متعددة الرؤى وأحيانا متقاطعة الاتجاه ، وكان يمكن اعتبارها ظاهرة صحية يمكن توظيفها للوصول الى مزيد من الفهم حول ماهو ركام وماهو متراكم وماهو زبد تفيض به الأودية.
وثانيا: بالتأكيد لم يكن هناك من قبل الثقافة موقف مبيت للجديد أو الحديث (أو الحديث وما بعد الحداثة) بل على العكس في البدء كانت تهويمات حتى بدون معنى وكانت وجدانيات مبهرة لمستمعيها والقراء,, وأحيانا يأخذنا الانبهار عن تقديم تصور سليم في تقييم الإبداع فكان الظلال مع الموجة أو لها الى أن انحسرت في المعنى (,,,).
وثالثا: كان هناك توحد بين أهل التجارة الجديدة (في الكلام) سماه البعض شللية,, كان هؤلاء يتبادلون فيما بينهم رموزا لتغطية المعاني (إن وجدت) والحقيقة أننا بهرنا في حينه بكلمات مثل (شللية) و (لغة تفجر) (تجريب) (ثم الماء والجفاف والعطش والرطوبة ناهيك عن كل اسماء الحيوانات البرية والبحرية ورموزها في الأساطير) وأحيانا تجارب الصمت المطبق والورق الخالي من الكتابة ولكن كل هذا لم يكن يغطي الساحة أو ينهي مبدعيها الحقيقيين لصالح الموجة الجديدة فقد تواصلت الثقافة المطروحة وبالذات الشعر والإبداع القصصي مع جماهيرها العريضة وبقيت فئات في العزلة تقول ليشرح ماتقوله ويعبره للناس نقاد محترفون بعضهم لم يحترف القلم الا بالمملكة وبالمقابل كانت هناك فئة في الطرف النقيض جزمت أنها الأصح وأن نطقها لا يأتيه الباطل وأصرت على جوامد الكلام تجففه من معانيه لصالح مبانيه.
رابعا: هل هذه هي الصورة كما نطرحها ونتداولها في ثنائيات جدلية (ابيض واسود) وأعم هذه الجدليات قديم وحديث,, جيد ورديء,, للناس ولنا,, عامي وفصيح,, الى ما هناك من المتقابلات الجدلية التي لاتقود لفكر مبدع منتج بقدر ما تضع عراقيل في وجه تقدم الفكر؟,
ومعنى السياق في حينه هل هي إعاقة أم إنجاز؟
هذا شيء كتبته في سياق طويل نشر في الجزيرة أعود اليه بجمله حتى لا أخلق التناقض في السياق وحينها كنت أتحدث عن منجز الحاضر المغيب من تراكم الثقافة وإتاحته بالنشر والتوزيع لمن رغب فيه لخلق (أفاهيم) حول الموافقة والمعارضة عليه بصفته منجز يعكس صورة المجتمع أو لا يعكسها.
ومع عدم تجاهل الثقافة المتدرجة من الموروث والمنجز الحاضر في ادب لغة العوام كنت في مقالاتي الكثيرة اتحدث عن المنجز والذي لم ينجز في ثقافة النخبة,, وكنت اخص ماكتبته بالعبارات التالية عن ثقافة النخبة ,, ادارتها تصنيعها وقلنا إن هذا التقدير الغريب للإدارات التنفيذية أدى للتزاحم في زوايا الضيق والضنك النفسي والتحديد العقلي والقصور (بين فئات وفكر ثقافية بعضها إنساني وحقيقي وبعضها تحت انحراف أيديلوجي أو آخر غير المعطى الإنساني اصلا وإنما تديره المنافع .

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

الحدث صورة

رياض الثقافة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.