مما نلحظه في العصر الحديث إحداث جوائز تحمل أسماء مثقفين، أو مخترعين أو مجددين، مثل جائزة نوبل، أو جائزة العويس، أو جائزة البابطين، أو غيرها من الجوائز المختلفة, وبما أننا نحن العرب والمسلمين ليس لنا حظ في الحضارة الحديثة، وكل اعتزازنا بما صنعه أسلافنا من مجد حضاري، وإذا كان الأمر كذلك أليس من حقهم علينا إحياء ذكرهم عن طريق إنشاء جائزة باسم المؤلف المشهور، أو الشاعر المذكور، أو العالم الذي خدم العالم كله عن طريق تقدمه في علم الرياضيات، إن المكتبة العربية الإسلامية اكبر مكتبة عرفها تاريخ البشرية بشهادة المستشرقين، وأساتذة الجامعات في الغرب ممن أتيح لهم الإطلاع على الثقافة العربية الإسلامية، ومن مَن كان تخصصهم في علم المكتبات، وتصنيف الكتب، وفهرستها، في المكتبات الكبرى في العالم.
وقد برز من علماء العربية أعلام عمت شهرتهم العالم من أمثال ابن المقفع صاحب الطريقة المشهورة في الكتابة والجاحظ صاحب المؤلفات الكثيرة التي شملت علوما مختلفة، بل إن كتب الجاحظ موسوعة حاوية لكل علم وفن، فمن رغب في علم الحيوان وجده عنده ومن رغب في علم السياسة اتجه إلى كتبه، ومن كان هاويا لعلوم العربية نهل من فصول البيان والتبيين، وأبو حيان التوحيدي الذي فتح بابا جديدا في الكتابة جدير بالتقدير والاحترام، وأبو الفرج الأصبهاني التفت إلى فن حوى فنونا كثيرة وموسوعته لا تخلو منها مكتبة عربية أو أجنبية، وابن قتيبة نَوَّعَ ثقافته وألف في علوم مختلفة فهو معروف على مر العصور، والثعالبي صاحب الالتفاتات الدقيقة في كتابه ثمار القلوب وغيره لا يقل شهرة عن ابن قتيبة وشاعر العربية المتنبي من أشهر شعراء العالم، وقد ثبتت شهرته عبر القرون، ولم تتراجع، والمعري جمع بين الشعر والفلسفة والانطلاق في التفكير دون قيود، فعالميته معترف بها قديما وحديثا، وعالم التاريخ والاجتماع ابن خلدون الذي علم الأوروبيين علم الاجتماع وفلسفة التاريخ لا يجهله عالم في العالم كله, والراغب الاصبهاني لم يترك شاردة ولا واردة إلا وقد كتب عنها وعَرَّفَ بها، وابن رشد صاحب الثقافة المتنوعة من فقهية وطبية وفلسفية، وصاحب الفضل على أوروبا فقد عبر جل الثقافة الإغريقية إلى الجامعات الأوروبية عن طريق كتب ابن رشد، فهو الجسر الذي عبرت عن طريقه تلك الثقافة إلى عصر النهضة، ومن ثم إلى العصر الحديث، وابن سيناء عالم الطب المشهور تعرفه كليات الطب في العالم كله، وقد عَلَّمَت كتبه الأوروبيين في عصر النهضة، وبدايات العصر الحديث، وابن بسام دَوَّنَ أخبار الأندلس في كتبه، بحيث لا يستغنى عنها باحث، وابن شُهيَّد نازع المعري في الإيغال في الخيال، بالإضافة إلى انفراده بنمط خاص في الكتابة والشعر، فهو صاحب فن عرف عن طريقه، وابن حزم اشتهر بكتابته المتنوعة، والهمذاني فتح بابا جديدا في الكتابة فاشتهرت مقاماته، وكثر المعجبون بها، والحريري لا يقل عن الهمداني, والنويري صاحب الموسوعة والقلقشندي صاحب صناعة الإنشاء وغيرهما، جديران بالتقدير.
هذا العدد الكبير من العلماء الأفذاذ جدير بالالتفات إليه، وتقديره عن طريق إنشاء جوائز تحمل أسماء أولئك العلماء، فكون الرياض عاصمة للثقافة يستلزم النظر في ثقافتنا العربية والإسلامية عامة، ومن ذلك وضع مشروعات للجوائز في المستقبل بحيث تكون الأولية في حمل اسم جائزة لمن صنع مجداً لامته عن طريق فرع من فروع المعرفة، ويقدم من عم نفعه، وعرف في جامعات العالم كما أشرت، ويا حبذا رفع تلك المشروعات التي يستلزم تنفيذها سنوات عديدة إلى المنظمة العربية للثقافة والعلوم في جامعة الدول العربية, وبما أن ثقافتنا المحلية جزء من الثقافة العربية والإسلامية فيستحسن تقدير رموز الثقافة المحلية في عام الرياض الثقافي، بإنشاء جوائز باسمهم في المجالات المختلفة من دينية وأدبية واجتماعية وتاريخية وغيرها، في تنشأ جائزة باسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويحصل عليها أفضل كتاب مؤلف في العقيدة سواء كان رسالة علمية أم كتابا خارج الرسائل العلمية, وتنشأ جائزة في التاريخ باسم ابن بشر، يحصل عليها أفضل كتاب مؤلف في التاريخ، بما في ذلك الرسائل العلمية، وتنشأ جائزة للأدب الشعبي باسم حميدان الشويعر، ويحصل عليها من خدم هذا الفن بالبراعة في قول الشعر، أو في التأليف فيه، وبما أن الأدب الشعبي خدم المجتمع في الماضي، ودولة الكويت قَدَّرَت ابن لعبون فلا بأس من تقدير حميدان الشويعر بإنشاء جائزة باسمه.