Monday 31th January, 2000 G No. 9986جريدة الجزيرة الأثنين 24 ,شوال 1420 العدد 9986



نظرات في قرن مضى
الدكتور عبدالله فهد اللحيدان

كان القرن الماضي بحق هو القرن الأمريكي, ففي بدايات ذلك القرن لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً حاسماً في انهاء الحرب العالمية الأولى وحاولت ان تلعب دورا فاعلا في بناء نظام عالمي جديد عقب تلك الحرب، لكنها ارتدت على اعقابها لأسباب داخلية, وكانت هذه الدولة الفتية قد انشغلت طوال القرن التاسع عشر بتعزيز استقلالها الذي حصلت عليه للتو، وتشجيع بقية دول الامريكيتين على طرد النفوذ الأوروبي, لقد شجعت الثورة الامريكية في نهاية القرن الثامن عشر 1776 المكسيك ودول أمريكا الوسطى والجنوبية على الثورة على اسبانيا والبرتغال، ولعبت الولايات المتحدة دوراً في تمويل تلك الثورات وتشجيعها, وفي عام 1823 أصدرت الولايات المتحدة ما يعرف باسم مبدأ مونرو والذي ينص على أن أمريكا للأمريكيين أي ستعمل الولايات المتحدة على منع القوى الأوروبية من التدخل في شؤون الامريكيتين ولكنه ينص ايضا على عدم تدخل الولايات المتحدة بالشؤون الاوروبية (ولذلك عرف هذا المبدأ بسياسة العزلة) وظلت الولايات المتحدة تعمل طوال القرن التاسع عشر على طرد اسبانيا والبرتغال من امريكا اللاتينية، وطرد فرنسا من بعض اجزاء أمريكا الشمالية وروسيا من الاسكا, وبنهاية ذلك القرن كانت الولايات المتحدة قد ضمنت بشكل مطلق استقلالها بل وحققت مجالا حيويا محيطا بها يضمن لها الامن والازدهار، وكان هذا منتهى امال الامريكيين في ذلك الوقت ولكن القدر كان يخبئ لأمريكا الكثير والكثير, لقد دخلت الولايات المتحدة القرن العشرين وهي على ارض صلبة وتتطلع الى مزيد من الامن والاستقرار في ظل سياسة خارجية تعتمد بشكل كبير على مبدأ مونرو العتيد, لكن بروز المانيا الموحدة في اوروبا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اخل بتوازن القوى هناك, لقد اصبحت المانيا وبعد سنوات قليلة من وحدتها قوة كبرى في اوروبا.
وأراد الالمان ان تترجم قوتهم الاقتصادية والعسكرية وبسرعة الى مكانة دولية لائقة, وتفجرت الحرب العالمية الاولى لان المانيا ومن ورائها النمسا والمجر والدولة العثمانية قد سئموا من تفرد البريطانيين (بالدرجة الاولى) والفرنسيين بالدرجة الثانية بالشؤون الدولية, وفي بداية الحرب كانت الولايات المتحدة على الحياد لكن الالمان بدأوا بمهاجمة السفن التجارية الامريكية لانها تلعب دوراً هاما في صمود بريطانيا وفرنسا, لقد كان لاعلان الولايات المتحدة الحرب على المانيا دورا بارزا في حسم الصراع لمصلحة الحلفاء, وأرادت أمريكا ان تلعب دورا دوليا جديدا يتناسب مع المكانة الجديدة التي حققتها لها الحرب فأصدر الرئيس الامريكي ويدرو ويلسون مبادئه الاربعة عشر التي تحكم السياسة الخارجية الامريكية اثناء وبعد الحرب, لكن الكونغرس الامريكي لم يصادق على معاهدة فرساي ولم يوافق على انضمام الولايات المتحدة لعصبة الامم وفضل الامريكيون العودة إلى سياسة العزلة, لكن وصول الحكومات النازية لألمانيا والفاشية لايطاليا وتحول اليابان إلى سياسة استعمارية في آسيا وأيضا بدءها بالهجوم على الويالات المتحدة جعل الولايات المتحدة تدخل بكل قوتها الحرب العالمية الثانية تلك الحرب التي جعلت مركز القوة العالمي ينتقل إلى خارج اوروبا إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي, لقد ادى الصراع الاوروبي الاوروبي الى ضعف كل القوى الاوروبية وبروز قوى عالمية جديدة.
وانقسم العالم بعد الحرب العالمية الثانية إلى اول غربي بقيادة الولايات المتحدة وثانٍ شرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وثالث نامٍ لا حول له ولا قوة, واستطاعت الولايات المتحدة ادارة تنافس اقتصادي وعسكري واعلامي واستراتيجي حاد عرف باسم الحرب الباردة لمدة اربعين عاما انتهى بانهيار عدوها اللدود الاتحاد السوفيتي, وبعد هذا النصر المؤزر كانت الولايات المتحدة محتاجة للغاية للاهتمام بالشأن الداخلي، فكان ان انتخبت الولايات المتحدة رئيسا جديدا يعتمد برنامجه السياسي بشكل اساسي على اصلاح الاحوال الاقتصادية والاجتماعية الداخلية لأمريكا.
وفي عام 1996 جددت أمريكا الثقة بذلك الرئيس الذي اصلح الاحوال الداخلية بشكل ملحوظ وبدأت الولايات المتحدة سياسة دولية اكثر نشاطا تتناسب مع كونها القوة الاقتصادية والعسكرية الاولى وبدون منازع في العالم, لقد قضت الولايات المتحدة القرن التاسع عشر في طرد القوى المنافسة من الامريكيتين وتأكيد استقلالها وايجاد مجال استراتيجي حيوي ومصادر اولية وأسواق لاقتصادها وقضت القرن العشرين لايجاد مكانة دولية وصياغة نظام عالمي جديد يناسب اهداف امريكا وتطلعاتها, وكانت طوال هذين القرنين من عمرها القصير تقوم باصلاحات اجتماعية واقتصادية داخلية تجعلها اكثر قوة ومنافسة من اهمها قانون التحرير في ستينيات القرن التاسع عشر وقوانين الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين وسياسة الصفقة الجديدة New deal للرئيس روزفلت والذي جعل الدولة تلعب دوراً مهما في تحقيق العدالة الاجتماعية وكذلك السياسات الاجتماعية للرئيس جونسون ومن آخرها الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتي ادخلها بيل كلينتون لاصلاح التعليم وتحسين الامن والضمان الصحي.
ان الولايات المتحدة تدخل القرن الواحد والعشرين وهي على ارض صلبة حيث توجد درجة جيدة من الانسجام الداخلي والمؤسسات الكفيلة برصد وتحليل وحل اي توترات داخلية يعزز ذلك اداء اقتصادي عالٍ ويرافق ذلك قوة عسكرية غير مسبوقة لاتجاريها اية قوة عالمية اخرى في الوقت الحالي.
فهل سيكون القرن القادم قرنا أمريكيا آخر, ان دوام الحال من المحال وكما قال تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) والسؤال الذي يقلق الامريكيين هو كيف يستطيعون المحافظة على هذه المكاسب الضخمة التي حققوها بالغالي والنفيس لأطول فترة ممكنة, ان الكثير يعتمد على مدى حكمة صانع القرار الامريكي في عدم الانزلاق والتمادي في فرض رؤيتها في كل صغيرة وكبيرة من الشؤون العالمية, وكذلك في استمرار التعاون مع القوى العالمية والاقليمية وعدم الانفراد والتورط في محاولة فرض حلول امريكية لجميع القضايا العالمية.
ومن أكثر ما يقلق صانع السياسة الخارجية الامريكية حاليا وما قد يهدد امريكا بحق هو الارهاب الدولي، وامكانية التوسع فيه بحيث لا تصبح امريكا قادرة على المواجهة رغم قوتها لان عدوها ليس محدداً، بل هو مجموعة عصابات متفرقة في اماكن متعددة قد تكون قادرة على ضرب امريكا من الداخل.
ان مواجهة مثل هذه التحديات تتطلب تعاونا دوليا ومن اجل تحقيق هذا التعاون لابد ان تكون السياسة الخارجية الامريكية متكاملة اي غير مزدوجة تكيل بمكيالين وكذلك لابد من جهد أمريكي حقيقي ومخلص لانهاء مصادر التفجر ومساعدة دول العالم على الاستقرار والامن والنمو الاقتصادي.
أما محاولة استخدام القوة والنفوذ الامريكي لفرض توجهات معينة فقد يخلق رد فعل معادٍ وأجواء مناسبة لنمو الارهاب وتطور الجريمة وأعمال عنف تضر بالولايات المتحدة وتؤذيها على مدى زمني معين وهذا قد يسمح لقوى أخرى بالظهور بقوة على الساحة الدولية.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.