Monday 31th January, 2000 G No. 9986جريدة الجزيرة الأثنين 24 ,شوال 1420 العدد 9986



ويلي عليك وويلي منك يا رجلُ
خطرات وتعليقات,, من وحي (لما هو آت)

عزيزتي الجزيرة:
تحية طيبة وبعد
فقد قرأت في عدد سابق من جريدتنا العظيمة الجزيرة وفي زاوية لما هو آت مقالا بعنوان لا يترجل الفارس عن صهوته للاستاذة الدكتورة خيرية السقاف وخطرت لي خطرات وتعليقات اثناء وبعد قراءته لعلي اصوغها فيما يأتي:
فمن ناحية الشكل فزاوية الدكتورة خيرية يظهر ان لها معاملة خاصة من حيث الحرف البارز والتشكيل: فإن كان ذلك للزينة فحسن وان كان لجلب القارىء فالقارىء يهمه ما يقرأ فان كان حسناً قرأه ولو ملخبطاً وان كان غير ذلك فسيعرض عنه ولو رششت عليه السكر, واسألوا طلبة الرياضيات والعلوم بعد ان لونت الوزارة لهم الكتب وجعلتها احلى من اغلفة المجلات.
وأنا فعلا احب المظهر الجميل في الكتابة حتى انني كنت حين اعطي الطلاب اي موضوع في مادة التعبير أطلب منهم ان يجعلوا معه رسماً ملونا للموضوع مهما كان، وحتى في الاختبارين الفصليين كنت اطلب منهم ذلك حتى كان يغضب مني زملائي المراقبون لتأخر الطلاب في تسليم اوراقهم وانشغالهم في الرسم.
ولقد كان عندي طالب مجتهد في الصف الاول اعدادي في المدرسة المتوسطة الثانية بالرياض يكتب لي الكلمة الواحدة بثلاثة الوان: الازرق والاحمر والاخضر وكنت اشجعه.
ثم أعرج على عنوان الزاوية لما هو آت :
ولفظ ما يفيد العموم وعلى ذلك فان الكاتبة تكتب لكل ما هو آت فقط, غير انني الاحظ انها تكتب عن الماضي والحاضر والمستقبل الآتي فياليتها تشرح للقراء ما تريده من العنوان، وبمناسبة الكلام عن ما وافادتها للعموم فهذا في البلاغة والتشريع, اما في النحو فمواقع ما مدونة في البيت الثاني من البيتين الآتيين:

مواقع ما عشر عليك بحفظها
ودونكها في ضمن بيت تقررا
ستفهم شرط الوصل فاعجب لنفيه
وكُفَّ وزد نعتا وظرفا ومصدرا
وهي: الاستفهامية والشرطية والاسم الموصول والتعجبية والنافية والكافّة والزائدة والنعت (الصفة) والظرفية والمصدرية.
ثم ان العنوان لما هو آت يذكرني بالخطبة المشهورة في الجاهلية لقس بن ساعدة الايادي ومنها: (ايها الناس اسمعوا وعوا، واذا سمعتم شيئا فانتفعوا، انه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، ليل داج، ونهار ساج، وبحور ذات امواج، وارض ذات فجاج، وسماء ذات ابراج، مالي ارى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ ارضوا بالمقام فأقاموا؟ ام تركوا فناموا؟ يا معشر اياد! اين الآباء والاجداد؟ واين الفراعنة الشداد؟ اين من طغى وبغى وجمع فأوعى وقال انا ربكم الاعلى:

في الذاهبين الأولين
من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً
للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها
يمضي الأكابر والاصاغر
لا يرجع الماضي ولا
يبقى من الباقين غابر
ايقنت أني لامحالة
حيث صار القوم صائر
والى عنوان الزاوية (لا يترجل الفارس عن صهوته):
ويترجل: أي ينزل عن الفرس ليمشي على رجليه فالراجل عكس الفارس، وليس الراجل بمعنى الرجل كما في اللهجة العامية المصرية (يَراجل: نداء) والجيم تصبح g الانجليزية عندهم، وفي اللهجة العامية السودانية ايضا ولكن بمد ياممدودة والجيم في راجل تبقى الجيم العربية المعروفة.
قال الاعشى:

قالت هريرة لما جئت زائرها
ويلي عليك وويلي منك يا رجلٌ
(يا رجل وليس يَراجل)!
والصهوة: موضع السرج من الفرس، فالأصح (لا يترجل الفارس عن صهوة جواده) الا اذا ارادت الكاتبة المجاز.
ولي تعليقات على بعض عبارات جاءت في مقال الدكتورة الكاتبة:
كن كالنخيل: وهذا كناية عن الكرم ومقابلة الاساءة بالاحسان فالنخيل يُرمى بصخر فيعطي أطيب الثمر .
كالبَرَد: والبَرَد علميا تجمد قطرات الماء على ارتفاع متوسط لتهطل على شكل كرات جليدية صغيرة:
وفيه جمال وبرودة، وفي الدعاء للموتى: واغسلهم بالماء والثلج والبرد نظافة من الآثام وبرودة مقابل ما اعد للكفار من عذاب جهنم وعذاب الحريق والسعير.
والبرَد تشبه به اسنان الحسناوات:

فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
ورداً وعضت على العناب بالبرَدِ
واللؤلؤ الدموع والنرجس العين والورد الخد والعناب الشفة والبرد الاسنان ست استعارات في بيت واحد .
كالندى: والندى علميا بخار الماء يتكثف على السطوح المعدنية والنباتات والارض في ايام الشتاء الباردة، وفي اللغة يطلق على المطر الخفيف ويكنى به عن الكرم, قال الشاعر في المدح والاستعطاف:

وفي كل ناد قد خبطتَ بنعمة
فحَقَّ لشاس من نداك ذَنوب
وخبط بنعمة: قدمها ونفع بها، وشاس اسم علم، من نداك: من كرمك، والذَّنوب الدلو والنصيب.
كالعسل: في الحلاوة والشفاء، ولكن مع صعوبة في الوصول إليه وجنيه: واشتياره, قال تعالى: يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس .
وفي الشعر للمعنى الثاني: صعوبة الوصول للهدف وتحمل المشاق من اجل تحقيقه قول احدهم:

تريدين ادراكي المعالي رخيصة
ولابد دون الشهد من ابر النحلِ
وآتي في المقالة المذكورة الى فقرة عن الشيب.
تقول الكاتبة: فحتى لو عيرهن احد بالشيب فهو وقار، اذ هم لا يعيرونهن بما هو عار.
وهذا الكلام موجود في بيتين مُغَنَّيَين للمطرب الراحل ناظم الغزالي والبيتان هما:

عيرتني بالشيب وهو وقار
ليتها عيرت بما هو عار
ان تكن شابت الذوائب مني
فالليالي تزينها الأقمار
اما ان الشيب وقار فقد ورد في قصص الانبياء ان آدم عليه السلام لما شاب: سأل ربه ما هذا يا رب؟ قال الله تعالى: هذا وقار.
وكنت اعجب من قول الشاعر: ليتها عيرت بما هو عار وكيف يتمنى ان يكون به عار تعيره به ولايحمد الله على خلوه من ذلك حتى وقعتُ على هذين البيتين وهما للعلوي (وانا ما اعرف العلوي هذا):

عيرتني بشيب رأسي نوار
يا ابنة العم ليس في الشيب عارُ
انما العار في الفرار من الزحف
اذا قيل اين اين الفرارُ؟!
قلت والعار والعيب في اشياء كثيرة من جهة الدين والخلق والسن والعرف ومَن صدر عنه العيب وغير ذلك، قالت العامة.
(ما عيب الا العيب، والعيب من اهل العيب ما هو عيب).
قالوا: والشيب ينفّر الاوانس والغواني.
قال عبيد الله بن قيس الرقيات:

بكر العواذل في الصبا
ح يلمنني والومهنَّه
ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنه
والعواذل جمع عاذلة (ولا اعرف على ماذا يلمنه ويلومهنه).
فقلت انّه: اي نعم صحيح قولكن.
وقال جرير:

يقول العاذلات علاك شيب
اهذا الشيب يمنعني مراحي
ولا أظن ان الشيب سيمنع جريرا مرحه وجمال شعره وخفة دمه.
واما بيت الشاعر الثاني:

ان تكن شابت الذوائب مني
فالليالي تزينها الأقمار
فيسمونه في البلاغة بتحسين القبيح (بنظرهم): فالشيب الذي يكرهه الناس لأنه نذير الموت صار اقماراً جميلة في سوار الشعر الداجي كالليل: فالشيب ينير الشعر الاسود كما تنير الاقمار البيضاء اللامعة الليالي الداجية المسودة.
وهذا فيه تشبيهان: تشبيه ضمني (وهو تشبيه حال بحال) دون استعمال اساليب وادوات التشبيه المعروفة مثل: الكاف ومثل.
وفيه تشبيه تمثيلي (تشبيه صورة بصورة) ووجه الشبه هنا صورة بياض داخل في سواد.
ومن امثلة تحسين القبيح (تحسين الشيب) قول شاعر:

قد يشيب الفتى وليس عجيبا
ان يُرى النَّورُ في القضيب الرطيب
والنَّور الزهر والقضيبِ الرطيب: الغصن اللين الندي فالشباب أغصان والشيوخ خُشُب:

ان الغصون اذا قومتها اعتدلت
ولا تلين اذا قومتها الخُشُب
(اقول لا تلين بل تنكسر).
وفي تحسين الشيب:

والشيب ينهض في الشباب كأنه
ليل يصيح بجانبيه نهار
وهي نفس الصورة بياض في سواد: نهار الشيب في ليل الشعر.
وفي شعرٍ عجيب قال احدهم عن شعره وشيبه:

تراه كالُّثغام يُعَلُّ مسكاً
يسوء الفالياتِ اذا فَلَيني
والثغام الثغامة شجرة بيضاء الثمر والزهر تنبت في قنة الجبل (والقنة لغة في القمة)، واذا يبست اشتد بياضها والثغام جمع ثغامة.
فهذا الشاعر (الشايب) يعل رأسه بالمسك اي يسقيه والغريب انه مقمِّل فالفاليات يفلينه (يخرجن القمل من رأسه)، وفَلَيني تخفيف فلَينَني وهو شاهد نحوي على حذف احدى النونين.
ويكفي ما قلنا عن شيب الشعر وشعر الشيب, واود في آخر هذه الخطرات ان اكتب عن مسألة شرعية في الشيب:
فإنه من السنة تغيير الشيب بغير السواد, فقد جاءوا بابن ابي قحافة والد ابي بكر رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، قالوا وكان رأسه ابيض (كالثغام) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير لون شيبه وتجنيبه السواد.
الا ان تغيير الشيب بالسواد جائز في الجهاد في سبيل الله فإذا كان المجاهد أشيب استحب له ان يغير شيبه بالسواد ليهابه الاعداء, وبالمقابل فلا يجوز تغيير الشعر الأسود بالبياض لان في ذلك خدعة: حتى يُتَوهم كبره فيفسح له ويقام ويحترم ويعامل معاملة المسنين (وهذا درسناه في شرح حديث اعفاء اللحية).
اخيرا: شكراً للكاتبة على مقالها الذي اوحى لنا بهذه الخطرات وشكرا لصحيفة الجزيرة الكريمة وصفحة عزيزتي الجزيرة التي هي بالخير عميمة والقراء الكرام.
والسلام ختام.
نزار رفيق بشير
الرياض

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.