Friday 11th February, 2000 G No. 9997جريدة الجزيرة الجمعة 5 ,ذو القعدة 1420 العدد 9997



في حوار حول تدني الإعلام الإسلامي
وسائل الإعلام الحالية بحاجة لمرجعية تراعي الثوابت الإسلامية

* كتب - المحرر
على الرغم من إلحاح علماء المسلمين ومفكريهم بضرورة ايجاد إعلام إسلامي قادر على مواجهة القنوات الفضائية المتدنية إلا أنه مع الأسف لم يتم حتى الآن وضع تصور شامل، لما يجب ان يكون عليه هذا الإعلام.
والجزيرة وهي تتساءل حول إمكانية تنظيم العمل الإعلامي المسلم، لتفعيل دور الأسرة والمدرسة وجميع عناصر المجتمع في غرس العقيدة الصحيحة، والقيم السليمة في نفس الابناء بعيدا عن الشكل النمطي الممل على طاولات الخطب والمحاضرات واللقاءات طرحت هذه القضية على اثنين في الساحتين الإسلامية والإعلامية لابداء رأييهما حول هذا الأمر ومقترحاتهما لشكل الإعلام المطلوب لمواجهة خطر الفضائيات المتدنية.
الابتعاد عن الشكل النمطي والممل
البداية كانت مع فضيلة رئيس جمعية إحياء التراث الاسلامي بالكويت الشيخ طارق العيسى حيث قال: بداية لا شك ان الخطب والمحاضرات والخطب المباشرة هي أساليب إعلامية فاعلة في توجيه الشخصية المسلمة، ولا شك ان اللقاء المباشر هو من انجح وافضل اساليب التأثير وذلك بشهادة متخصصي الإعلام، ومن الخطأ ان نهمل هذه الاساليب او ان نصفها بالملل او نقلل من شأنها بل الصحيح هو تطويرها والابداع فيها.
واضاف قائلا : ومن جهة اخرى فإن العمل الإعلامي المسلم يعتبر جديدا على الساحة العالمية نوعا ما لذا فإن القضيةالاساسية هي تنظيم هذا العمل وتوجيهه وتفعيله ليأخذ دوره في التربية والتوجيه والدعوة الى الله،و غرس العقيدة الإسلامية والقيم السليمة، في نفس المسلم سواء صغيرا كان ام كبيرا، وهذه اولوية رئيسية يجب ان تسبق غيرها من الخطوات التي يجب اتخاذها لايجاد وتنمية عمل اعلامي إسلامي كبير قادر على مواجهة الاعلام الفاسد والمفسد الذي اصبح يملأ الفضاء ويدخل كل بيت، ويجب ان يكون ذلك بعيدا عن الشكل النمطي الممل.
وقدم الشيخ العيسى لتحقيق هذا الامل عددا كبيرا من المقترحات العملية منها: تدريس الكتب الإسلامية التراثية بطريق الحوار والسؤال والجواب، وقد قدمت إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية شرح كتاب (زاد المعاد، وهو كتاب عظيم يحوي على علوم إسلامية شتى في السيرة والفقه والحديث والآداب,,) بطريقة شيقة يستطيع الانسان العادي استيعادب قضايا علمية بطريقة حوار بين المعلم والطالب، كما ان القصة والتشويق في تبسيط الحدث يسهل عرض المادة العلمية، ويجب ايضا التركيز على قصص الأنبياء، وابراز العبر المستفادة من سيرتهم العظيمة، ونشر سير الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام الذين كان لهم دور في تجديد الدين وبعث الأمة، مع تحديد الثوابت التي تميز الإعلام الفاسد من الصالح حتى لا يحدث الخلط الذي نراه في القنوات الفضائية الإسلامية.
ودعا فضيلته الى ضرورة الرقي والأداء والصرف على الإعلام حتى لا نفتقد شريحة ال(100) مليون عربي فضلا عن (900) مليون مسلم، وأن يتم إنشاء بنوك معلومات لتسهيل توصيل المادة للإعلاميين المسلمين، وقد طالعتنا دور تجارية بتقديم برامج على الكمبيوتر فيها مئات المراجع والكتب بحجم (اقراص) لا يزيد وزنه عن 50جم حتى إن المكتبة الإسلامية التي تزن أطنان يمكن حملها في الجيب مسجلة على أقراص مما سهل الأمر مع توفير الدعم الكافي لتطوير الإعلام الإسلامي، ولدينا ولله الحمد الطاقات المبدعة والمادة الغنية والتراث المحفوظ الذي يعتبر من الكنوز النادرة التي تساعد على صياغة المادة الإعلامية.
كما يجب عدم الاعتماد على الوكالات الغربية في استيراد الأخبار، وإنشاء قنوات تربوية ثقافية إسلامية تستطيع غرس الفضيلة، وتنشر العقيدة وتسليط الاضواء على سير الصالحين من الأنبياء والصحابة وأعلام المسلمين المجددين بدلا من ربط المسلم برموز الكافرين.
وشدد الشيخ العيسى في هذا السياق على ضرورة الاهتمام بتوفير إعلام خاص بالطفل المسلم لإنقاذه من سحر المسلسلات الكرتونية الفارغة!
بناء العمل الإعلامي الإسلامي المتخصص
وأردف رئيس جمعية إحياء التراث الاسلامي بالكويت قائلا ومتى ما استطعنا تنظيم وإصلاح وتوجيه العمل الإعلامي الموجود حاليا كما أسلفت،فإنه سيكون المادة الأساسية لبناء ذلك العمل الإعلامي الإسلامي العالمي المتخصص، الذي يمتلك القدرة على التواجد والتحدي ومواجهة إعلام الكفر والإلحاد، وهذا أمر لا بد فيه من تضافر كل الجهود والتعاون التام بين كل العاملين في المجال الإعلامي من افراد ومؤسسات خاصة وإعلام حكومي لأن الإعلام اصبح من المجالات الفنية التي تستدعي وجود متخصصين وأصحاب خبرة لكي يكون إعلامنا ناجحا,واقترح العيسى في هذا الصدد عددا من الخطوات العملية منها:
ربط وسائل الإعلام بمرجعية تراعي الثوابت الإسلامية وتطور عملها مراعية مصلحة الإسلام والمسلمين، ويمكن إقامة شركات إعلامية استثمارية ذات تخصص تمتلك كل مقومات الإنتاج الإعلامي كخطوة نحو الخصخصة لتفعيل التنافس، مع ضرورة أسلمة البرامج الإعلامية، وتنقيتها من الشوائب والانحرافات، وزيادة بث إذاعات القرآن الكريم بمختلف اللغات.
ويرى الشيخ طارق العيسى أهمية إعادة تقييم القنوات الفضائية والإذاعات لمعرفة مدى نجاحها في تقديم برامج تجذب المشاهد والمستمع التي شجعت هروب المسلم الى قنوات اخرى يثق فيها كال)B.B.C( وغيرها، مع تطوير عرض المادة الاسلامية والتراثية وصياغة الخبر بطرق مشوقة ومؤثرة، وقد قطع الغرب شوطا كبيرا في تسهيل توصيل المعلومات الى ذهن المشاهد.
واختتم الشيخ العيسى حديثه مؤكدا أن تحديد خطوات العمل وترتيبها الترتيب الصحيح هو الأسلوب الأمثل لتحقيق الهدف الذي نصبو اليه حتى لا تولد منافذ إعلامية تكون عبارة عن اجنة مشوهة التخلص منها هو أفضل حل لها.
وأكرر القول ان هذا أمر يجب ان يتعاون فيه الجميع وأحمل وزارات الإعلام الإسلامية المسؤولية الرئيسية والعبء الأكبر للعمل في هذا المجال.
أخطر المراحل التاريخية
أما الدكتور عبدالعزيز بن محمد النهاري المدير العام لتلفزيون العرب )A.R.T( فيؤكد بداية بأنه ينبغي على الإعلام بما يحمله وينقله يعكس حال الأمة التي يعبر عنها قوة وضعفا، وعندما نمعن النظر في العصر الذهبي للثقافة الإسلامية نجد انه عصر اتجه نحو العلم وبكل مجالاته، فعلوم الفلسفة والمنطق الإغريقية أعاد المفكر الإسلامي استكشافها وقدم للإنسانية أرسطو وأفلاطون وحدث نفس الشيء لعلماء الفرس والهند والصين فما من عالم درس أي مجال من مجالات الحياة في الرياضيات او الكيمياء او البصريات او الفلك او الادارة الا وكان يباشر نشاطه في مجتمع اسلامي يحترم العلم والعقل وعندما توقف الاجتهاد وتعطل العقل وانصرف الاهتمام الى الصراعات ومظاهر الحياة الخادعة كان قد استقر في الأذهان اننا قد انتصرنا على الصليبيين وعلى التتار ولن يهزمنا احد حتى جاء نابليون بتكنولوجيا عسكرية جديدة تهاوت الثوابت التي خدعت اصحابها ولا نزال حتى يومنا هذا نبحث عن مخرج للأزمة التي تعكس تلك الهوة بيننا وبين الآخرين.
ويستطرد النهاري في حديثه قائلا: إننا اليوم قد نكون في مرحلة من اخطر المراحل التاريخية التي تحتاج الى عمل إعلامي إسلامي منظم وواع بظروف تلك المرحلة التي أوشك نصف الكرة الشمالية ان يستقر ويثبت على أنه قائد العالم الجديد الذي يملك أدوات الغنى والقوة، أما نحن في العالم الإسلامي فلا تزال كثير من إشكاليات الفكر والفقر والثقافة تتنازعنا منذ قرون مضت وكأننا في تيه كبير لا نهاية له.
القضية ليست في الكثرة
ويضيف د, النهاري بقوله: وإذا كان موضوعنا عن تطوير العمل الإعلامي على الصعيد الإسلامي وإنعكاس ذلك على دور الأسرة والمدرسة فإننا ولكي نكون أكثر واقعية وصراحة مع النفس لابد لنا من الاعتراف بأن إعلامنا هو صدى لأحوالنا العامة وتطوره مرتبط بتطور كل مؤسساتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية في العالم الإسلامي، وفي تصوري انه قبل الحديث عن غرس القيم الإسلامية الصحيحة وتربية النشء المسلم تربية صالحة لابد من تهيئة التربة الصالحة لهذا الغرس فما اسهل أن نغرس القيم إذا كان المقصود بذلك التوجيه المنظم وإعداد البرامج التي يحمل مضمونها نسقا قيميا إسلاميا نبيلا، ولكن ما الفائدة ونحن لم نهيئ هذا النشء للتلقي والتأثر، ولا أبالغ لو قلت ان كم التوجيه الذي تحمله البرامج الإذاعية والتلفزيون، والصفحات الدينية بالصحف والمجلات، وفي المساجد، والمؤسسات الدينية والتعليمية لهو كثير وليس القضية في الكثرة، ولكن هل هناك عقلية مهيأة للتقبل والتأثر والتمحيص؟! في تصوري لا، ودليل ذلك أننا منزعجون من كثير من المظاهرالسلبية في مجتمعاتنا الإسلامية.
تغيير النمطية السائدة
ويواصل د, النهاري رؤيته بوضع تصور لكي يعد مجتمع ما إعدادا جيدا يأخذه في غالبية عناصره نحو الاتجاه السليم والايجابي فلابد من التفكير بجدية في التالي:
1 ضرورة ربط القيم الدينية بأبعاد اجتماعية حتى لا يبدو التوجيه وعظا منعزلا عن شارع الحياة العريض.
2- تغير النظرة التربوية من قبل الوالدين تجاه الابناء حتى يمكن التعامل مع جيل لديه ثقة بنفسه ومبادئه وليس جيلا ما ان يشب عن الطوق حتى ينفلت من أي رقابة كرد فعل طبيعي على العلاقة القهرية السابق الإشارة إليها.
3 إذا كانت المدرسة تستقبل الطفل لأول مرة يبتعد فيها عن مؤسسة الأسرة فليس معقولا ان يترك سلطة قهرية ليسلم نفسه لأخرى وهذا ما يحدث ونراه في طبيعة العلاقة بين المدرسة والطفل.
4 ضرورة تغيير الطرق النمطية السائدة في وسائل الإعلام فيما يتعلق بالتوجيه وهي طرق تعتمد على نمطية الخطابة والوعظ والتحدث بمنطق من يعرف لمن لا يعرف.
5 ضرورة تعديل لغة الخطاب الديني الموجه للمجتمع وخاصة النشء والشباب بحيث يربط ما بين قيم الدين وقيم العصر، ويربط بين العمل العظيم في الدنيا والثواب الكبير في الآخرة.
ويعود النهاري من حيث بدأ قائلا: إن تراجع نسق القيم الدينية والاجتماعية النبيلة ليس سببه في تصوري ان هناك مطرا إعلاميا يتساقط علينا من الفضاء ليس كله نقي وايضا ليس كله غيث وليس سببه كذلك اننا معرضون لاختراق من خارج حدودنا الاسلامية يهدف لتمزيقنا ومسخ قيمنا، واعتقد ان حالتنا الراهنة لم تولد مشوهة بعد الفضائيات وكذلك لم تولد مشوهة بعد ما يسميه البعض بالغزو الفضائي الخارجي لأنها قد أصابها التشوه قبل هذا الغزو وبمعنى أدق قد اكتشفت الأمة أبعاد وخطورة تشوهها بعد الغزو العسكري لنابليون في نهاية القرن الثامن عشر وليس بعد الغزو الفضائي في الربع الأخير من القرن العشرين.
منظمة المؤتمر الإسلامي!
ويطالب النهاري بالتعرف على تاريخ مشكلتنا وأبعاها ومدى تقدم حالتها قبل ان نصف لها العلاج الناجع في قنوات التلفزيون الطائرة او محطات الاذاعة او الصحف والمجلات والدوريات.
ويؤكد على ان تنظيم العمل الإعلامي ليس سرا صعب المنال,, التنظيم ان يلتقي كافة المسؤولين الإعلاميين في العالم الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي ويتفقوا على سياسات اعلامية معينة ويأخذ كل طرف في تطبيقها ببلده على ان تراعي تلك السياسات دور الأسرة والمدرسة وكل مؤسسات المجتمع المسلم، كل ذلك ليس بالأمر الصعب وقد يتساءل البعض كيف أنه ليس بالأمر الصعب ونحن لم ننجح في هذا الاتجاه يوما ما.
وأقول اننا لم ننجح ليس لأننا نفتقر للسياسات الإعلامية الموحدة، ولكن لأننا وضعنا العربة امام الحصان ودشنا برامج وسياسات وخطط ووصفات جاهزة لكل مشكلة ولم نفكر يوما بجدية وامانة مع النفس في مدى أهلية مجتمعنا لتقبل تلك الوصفات العلاجية الجاهزة، وفي نوعية المفاهيم والعلاقات السلبية بين فئات المجتمع وفي الافتقار للإرادة الجماعية الواعية بالعصر ومشكلاته، واذا كنا أمة مستهدفة ونعرف من يستهدف حياتنا وثقافتنا فهذا أجدى بسهولة حماية أنفسنا، وأتصور ان ما يتهددنا من داخل مجتمعاتنا اكبر واخطر مما يتهددنا من خارجها، ومن هنا نبدأ.
واخشى ما أخشاه أن يكون حالنا اليوم حال أحد شعراء المهجر الذي قتلته الغربة فقال:

رجعت مع الأشواق تكوي الضلوع
فلم يخفف من حنيني الرجوع
أحس في البعد وفي القرب جوعا
وأين إذن أهلي وأين الربوع
واحسرتي تهنا وتاه الدليل!

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

أفاق اسلامية

الجنادرية 15

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved