Friday 11th February, 2000 G No. 9997جريدة الجزيرة الجمعة 5 ,ذو القعدة 1420 العدد 9997



رياض الفكر
الدعوة والداعية في عصر التقنية
سلمان بن محمد العُمري

الدعوة في الاسلام واجب وفرض كفاية، يقول تعالى: ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ويقول صلي الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آية ويقول المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم : لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم .
لقد قام بواجب الدعوة كل المسلمين بدءا برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه، وذلك في صدر الاسلام حيث كان سلوكهم رضوان الله عليهم وعملهم وحياتهم قدوة وحالة دعوية حقيقية، لقد كانوا يمثلون القيم الصحيحة، يعيشون الحياة الاسلامية التي ارادها الله تعالى، فكانوا لذلك دعاة في بيوتهم وفي مجتمعاتهم، واوصلوا رسالة الاسلام لارجاء المعمورة بطرق مختلفة، تراوحت من حالات الجهاد الى حالات التجارة.
اننا الآن نعيش في عصر اتضح فيه تأثير العلم والتكنولوجيا الحديثة في كل مجالات الحياة، والتطورات مستمرة ودائمة لا بل انها متسارعة ومتلاحقة، لا تكد تغمض عينيك وتفتحهما الا وتسمع باحداث جديدة ، وهذا العصر الذي نحياه مازالت قضية الدعوة واجبة فيه، لا بل ملحة، وخصوصا انه قد تعددت الحاجات والقضايا والامور، فهناك بشر غير مسلمين، وهناك مسلمون لا يعرفون الا القليل من امور دينهم، وهناك الاقليات والجاليات المسلمة في ديار، معظم اهلها لايدينون بدين الحق، وهناك واقع هائل علينا مواجهته.
إذاً هدف الداعية لم يتغير بتغير الزمان والمكان، ولكن الوسيلة والاستعداد قد تغيرا، داعية اليوم يلزمه التفقه بالدين بعمق ليستطيع المواجهة، انه عالم قبل ان يكون داعية، وبنفس الوقت عليه ان يلم بتطورات العصر واحداثه وثقافاته والجديد فيه، وان يعرف كيف يتم التدبير في هذه الاوساط، وبنفس الالحاح عليه ان يكون مثقفا ومطلعا على تقنيات الحضارة الحديثة، عليه الا يكون جمادا بمواجهة الاقنية الفضائية وشبكات المعلومات العالمية الانترنت ، عليه ان يبث الحياة في هذه التقنيات بدل ان يقف مكتوف الايدي امامها!!
وحينما يؤكد المسؤول الاول عن الدعوة في بلادنا اهمية الاستفادة من تقنيات العصر وتسخيرها لخدمة الدعوة الاسلامية، هذا هو عين الصواب, إضافة الى مطالبته الداعية بالمشاركة في وسائل الاعلام قاطبة لنشر الكلمة الطيبة النافعة، والرد على كل ما يخالف الشريعة الاسلامية وما يحاك ضدها باسلوب هادئ عقلاني، وبدون انفعالات، ولا يمكن ان يكون ذلك دون التسلح بالعلم الشرعي، ومواصلة التزود به دون الوقوف عند حد معين، والبحث العلمي للداعية تعود فائدته بالدرجة الاولى على الداعية، وذلك لانه حينما يود ان يعد بحثا، او دراسة علمية او مقالة صحفية، فانه لا بد له من الاطلاع والبحث والتمحيص.
هذا ما اكده معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد في لقائه مع مجموعة من الدعاة تم مؤخرا بمكتبه بالرياض في لقاء اخوي، اتسم بالصدق والصراحة والموضوعية والمناقشة لواقع الحال من جوانب متعددة.
ان مثل هذه اللقاءات الطيبة بين المسؤول الاول عن الدعوة واخوانه الدعاة يكون فيه خير كثير حينما تصدق النوايا، ويتم الاعداد له بشكل جيد من كافة وجوهه، وبالطبع فانه غير خاف على احد ان اللقاءات المباشرة تزيح الكثير من اعمال الروتين الاداري، والفهم الخاطىء لما يقدم في الورق، وتتضح كثيرا من المعالم المشوشة باللقاء المتسم بالصراحة والوضوح.
فجزاك الله خيرا ايها الوزير الداعية على هذا اللقاء المبارك الذي يطالب فيه الدعاة ان يكون بشكل دوري، وان يكون مع مجموعات اخرى وفي مناطق مختلفة.
أعود الى القول مرة اخرى: ان قضية الدعوة اضافة الى ما ذكرته آنفا تظل قضية اللغة واللسان التي لها من الاهمية مكان كبير في قضية الدعوة، ان الامور التي تحدثنا عنها ليست كلمات تقال، وانما واقع وعمل، وتدعونا لتطوير المدارس والمعاهد والجامعات التي تخرج الدعاة وجعل مناهجها منسجمة مع متطبات الداعية في هذا العصر! بل ان الامر يتطلب ايضا دراسة واقع الدعاة الحاليين من كافة الجوانب.
ان من السخرية ان يوجد بعض الدعاة او من يسمون بدعاة يعتبرون ذلك وظيفة ليس الا ، يصلون بها لراتب معين لا أكثر، والامر اكبر من ذلك بكثير واخطر من ذلك، فالحياة ومتطلباتها يجب ان تؤمن للداعية، ولكن ليست القضية وظيفة، بل ان القضية تشكل اساسا جوهريا في الايمان ونوره، فهي عملية دعوة الى الله ودين الحق، وثوابها الحق يوم القيامة وعند الله تعالى.
ان الداعية الذي يفكر بالدنيا اكثر من الآخرة يصعب ان نلقي على عاقته عملية الدعوة، لانها تحتاج لمجاهد حقيقي يتغلب على نفسه قبل ان يدعو غيره.
ونعود لنذكر عنصرا هاما ثابتا على مر العصور، الا وهو ان الداعية قدوة بحد ذاته، فسلوكه وعمله واخلاقياته هي دعوة بشكل او بآخر، وفاقد الشيء لا يعطيه، اني لاذكر احدهم، وهو يحث الناس في الحج على اغتنام الوقت في الدعاء والصلاة، وبعد قليل يرقد، وينام، ويتركهم ينالون الثواب بالدعاء والعبادة اما هو فالنوم لذيذ عنده,,!!
ان الداعية المسلم يجب ان يعرف امكانياته ومقدراته العلمية والثقافية، ويحرص على تطويرها باستمرار، ويضع في حسبانه ان اللقاء على الفضائيات ليس امرا هينا، فهناك الملايين يرقبونه، ويرصدون كل افعاله واقواله.
اننا نحمد الله تعالى ان جعل هذا البلد آمنا مطمئنا يسير على نهج الاسلام، وعلى شريعة الحق السمحة، لقد خصت حكومة خادم الحرمين الشريفين يحفظها الله قضية الدعوة بكل دعم ومساندة ومؤازرة، واوصلتها لحالة توازي ما يتطلبه العصر، ولكن التطورات المتسارعة التي لا تتوقف عند حد توجب علينا جميعا افرادا وجماعات وحكومة وشعبا ان نساهم بقضية الدعوة حسب مقدرتنا، وذلك بدراستها، ومراجعتها بكل دقة وموضوعية، وتهيئة المناخ الملائم لاعداد الدعاة العصريين، وبذلك تكون المملكة وستبقى ان شاء الله تاجا في جبين الامة الاسلامية كما كانت بحمد الله.
ان تقنيات الحضارة ليست مفزعة، وانما هي فرح لنا نحن المسلمين، حيث انها علوم تساهم باظهار دين الحق وانتشاره، ومن هذه الزاوية يجب ان ننظر اليها وليس من زاوية اخرى، نعم فيها اخطار ومشاكل، ولكن فوائدها وايجابياتها ان عرفنا كيف نعمل بها ونستغلها اكثر بكثير.
ان الدعوة تشكل اساسا ركنا لا يستهان به في الجسد الاسلامي، وكما كانت فانه مطلوب منا ان نقوم بها, ان البلدان الاخرى والجماعات غير المسلمة تدفع آلاف المليارات من الدولارات من اجل دعوات باطلة لا تهدف الا لتدمير حياة البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة، اما دعوة الاسلام فهي نور يحمل السعادة في الدارين لبني البشر، ولذلك ان سخرنا لها طاقاتنا كلها وانفسنا واموالنا، فلا خسارة في ذلك على الاطلاق، لا بل هذا هو المجال الرابح والاستثمار النافع, والله من وراء القصد.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

أفاق اسلامية

الجنادرية 15

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved