Saturday 12th February, 2000 G No. 9998جريدة الجزيرة السبت 6 ,ذو القعدة 1420 العدد 9998



آفاق وأنفاق
من الثلاثيات اللغوية
د, محمد العيد الخطراوي.

قال ابن منظور في مادة جدُح :
الِمجدَح: خشبة في رأسها خشبتان معترضتان، يُجدح بها، قال ابن الأثير:
والِمجدَح: عود مجنح الرأس يُساط به الأشربة، وربما يكون له ثلاث شعب، ومنه حديث علي رضي الله عنه: جدَحُوا بيني وبينهم شِرباً وبيئاً، أي خلطوا.
والجَدح والتجديح: الخوض بالمجدح، يكون ذلك في السويق ونحوه, وكل ما خلط فقد جدح.
وجدَّح السويق وغيره، واجتدحه: لته بالمجدح وشربه، واستعاره بعضهم للشر فقال:

ألم تعلمي يا عصم كيف حفيظتي
إذا الشر خاضت جانبيه المجادح؟
وجدح الشيء: خلطه, قال أبو ذؤيب:

فنحا لها بمُدلقين كأنما
بهما من النضح المجدح أيدعُ
عنى بالمجدح: الدم المحرك, يقول: لما نطحها حرك قرنه في أجوافها، والايدع قيل هو خشب البقم, وقيل هو دم الأخوين ومما يؤيد التفسير الأول قول الشاعر:

إذا رحن يهززن الذيول عشية
كهز الجنوب الهيف دوما وايدعا
والمجدح من أطعمة الجاهلية في حالات الجدب، كان أحدهم يعمد الى الناقة فتفصد له ويأخذ دمها في إناء فيشربه,ومجاديح السماء: أنواؤها، يقال: أرسلت السماء مجاديحها، وقال الأزهري: وروي عن عمر رضي الله عنه أنه خرج الى الاستسقاء، فصعد المنبر، فلم يزد على الاستغفار حتى نزل، فقيل له: إنك لم تستسق! فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء,قال ابن الأثير: الياء زائدة للاشباع، قال: والقياس أن يكون واحدها يعني مجاديح مجداح، فأما مجدح فجمعه: مجادح.
والذي يراد من الحديث: انه جعل الاستغفار استسقاء بتأوُّل قول الله عزوجل:(استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدراراً), وأراد عمر إبطال الأنواء والتكذيب بها، لأنه جعل الاستغفار هو الذي يُستسقى به، لا المجاديح والأنواء التي كانوا يستسقون بها.
والمجاديح: واحدها مجدح، وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تُمطر به، وهو المجدح ايضا, وقيل: هو الدبران، لأنه يطلع آخِراً، ويسمى: حادي النجوم,
قال درهم بن زيد الأنصاري:

وأطعن بالقوم شطر الملو
ك، حتى إذا خفق المجدح
أمرت صحابي بأن ينزلوا
فناموا قليلا، وقد اصبحوا
ومعنى قوله: وأطعن بالقوم شطر الملوك، أي أقصد بالقوم ناحيتهم، لأن الملوك تحب وفادته اليهم,وقيل: المجدح نجم صغير بين الدبران والثريا، حكاه ابن الأعرابي، وأنشد:

باتت، وظلت، بأوام برح
يلفحها المجدح أي لفح
تلوذ منه بجناء الطلح
لها زمجر فوقها ذو صدح
قال شمر: الدبران يقال له المجدح، والتالي، والتابع.
قلت: الألف والنون في الدبران ليست للتثنية، ولكن كما قالوا: ليعرف بها هذه الصيغة، قلت: كأنما ذلك يعطيه شيئا من العلمية في دلالته، قالوا: وهو نجم يدبر الثريا، أي يتبعها، فحقه أن يقال: الدابر ,قال وكان بعضهم يدعو جناحي الجوزاء، المجدحين, ويقال: هي ثلاثة كواكب كالأثافي، كأنها مجدح له ثلاث شعب، يعتبر بطلوعها الحر, قال ابن الأثير: وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر، فجعل عمر رضي الله عنه الاستغفار مشبها للأنواء، مخاطبة لهم بما يعرفونه، لا قولا بالأنواء، وجاء بلفظ الجمع، لأنه أراد الأنواء جميعا التي يزعمون أن من شأنها المطر, والنوء: النجم اذا مال للمغيب، والجمع: أنواء، ونُوآن، كعبد وعُبدان، وبطن وبُطنان، وظهر وظُهران، وذكر وذُكران، قال تعالى: (أتأتون الذّكران من العالمين)، ويقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ويثرب تعلم أنّا بها
إذا قحط الغيثُ نُوآنُها
وناء نوءاً، واستناء يستنيء، واستنأى يستنئي: طلب المطر، قال الشاعر:

يجرُّ ويستنئي نشاصا، كأنه
بغيقة، لما جلجل الموت جالب
النشاص: السحاب، والغيقة: الظلمة .
والمستناء: الذي يطلب الناس نوءه، أي رفده وعطاءه ان كان بشرا، وامطاره ان كان نجما، قال ابن احمر مادحا:

الفاضل، العادل، الهادي نقيبته
والمستناءُ إذا ما يقحط المطرُ
وقيل: معنى النوء سقوط النجم من المنازل وطلوع رقيبه، وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق، في كل ليلة الى ثلاثة عشر يوما, وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح، والحر والبرد، الى النوء، فتقول مثلا: مطرنا بنوء كذا، وفي الحديث: ثلاثة من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة، والأنواء .
قال أبوعبيد: الأنواء ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كما قال شمر: وهي منازل القمر، لا خلاف عليها بين العرب وغيره من الأمم، قال تعالى: (والقمر قدرناه منازل)، والعرب لا تستنيء بكل الأنواء، بل بالذي ارتبط منها بالمطر فقط، كالثريا، والجوزاء، وبعضهم يسمي المطر نفسه نوءا، وفي تونس الآن يسمونه نوّاً.
ويذكر العلماء في هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قال: سقينا بالنجم فقد آمن بالنجم وكفر بالله، ومن قال: سقانا الله فقد آمن بالله وكفر بالنجم , قالوا: انما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لان العرب كانت تزعم ان المطر الذي يأتي بسقوط النجم هو فعل صادر من النجم نفسه، فتنسب المطر اليه لا الى الله، وذلك شرك صراح, قال ابو إسحاق: وأما من قال: مطرنا بنوء كذا، ولم يقصد الى فعل النجم، بل يشير فقط الى وقت الأمطار، فانه لا ضير عليه، ولاخوف على توحيده، فقد استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمصلى كان مصلى أهل المدينة في العيد والاستسقاء، في ذلك الوقت، هو مكان مسجد الغمامة الآن، مع الساحات المحيطة به ثم نادى العباس: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: ان العلماء بما يزعمون انها تعترض في الأفق سبعا بعد وقوعها, قال الراوي: فوالله ما مضت تلك السبع حتى أغيث الناس, وانما أراد عمر: كم بقي من الوقت الذي جرت به العادة أنه اذا تم أتى الله بالمطر,وقد شغلت الأنواء حيزا كبيرا في الشعر الجاهلي، وخصها الباحثون بالدرس، وألفت حولها رسائل جامعية إما مباشرة، وإما من خلال الحديث عن الشعر الديني والكشف عن الجانب الأسطوري في الشعر العربي، فكان ذلك بحق مثار بحث، ومدار أحاديث طوال.


رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

الجنادرية 15

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

استطلاع

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved