Monday 14th February, 2000 G No. 10000الطبعة الاولى الأثنين 8 ,ذو القعدة 1420 العدد 10000



قراءة في كتاب ,,لسراة الليل هتف الصباح
الملك عبدالعزيز: دراسة وثائقية
للشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري 2 - 6
د, عبدالله الصالح العثيمين

سبق الحديث في الحلقة الاولى من هذه القراءة لكتاب الشيخ عبدالعزيز عرض عام لهذا الكتاب, وابتداء من هذه الحلقة اورد ما اراه من تعليقات او ملحوظات على ما ورد فيه؛ فصلاً فصلا .
عنوان الفصل الاول من الكتاب: الرياض والدرعية .
وقد ورد في هذا الفصل ص 46 : لنحاول ان نبدأ الرحلة مع اول خطوة خطتها الدرعية الى الدنيا عام 1157ه/1737م، حاملة معها علم لا إله إلا الله محمد رسول الله الى ان اسلمته الى الملك عبدالعزيز بتاريخ 1319ه/1901م في مهاجره الى الكويت .
وفي الكلام السابق خطأ يحتمل أنه مطبعي , ذلك ان سنة 1157ه توافق سنة 1744م، لا سنة 1737م, وفيه ما قد يوهم غير العارف بتاريخ هذا الوطن، فيفهم ان دولة آل سعود بقيت قائمة في الدرعية الى سنة 1319ه, والصحيح ان تلك الدولة انتهت عام 1233ه/1818م، وان البطل تركي بن عبدالله آل سعود قد اعاد الحكم السعودي مؤسساً الدولة السعودية الثانية في الرياض، لا في الدرعية، وهي الدولة التي انتهت على يد الامير محمد بن رشيد عام 1309ه/1891م.
وورد ص 70 ان المندوب السامي البريطاني سأل الشيخ مبارك بن صباح عن خريطة الجزيرة العربية قائلا: الى اي حد نشرت الدولة السعودية الاولى والثانية جناحيها عليها عندما قامتا بدءاً من عام 1150ه/1737م.
والخطأ الوارد في العبارة السابقة اكثر وضوحاً من الخطأ الوارد في صفحة 46 , فلم تقم الدولة السعودية الاولى عام 1150ه، بل قامت سنة 1157ه، اما الدولة السعودية الثانية فبدأت على الارجح عام 1240ه/1824م عندما تمكن تركي بن عبدالله من اخراج بقية حاميات محمد علي من نجد.
وقد ورد ص 46 ضمن رسالة من الامام سعود بن عبدالعزيز ثالث حكام الدولة السعودية الاولى الى السلطان العثماني سليم، ورواها الريحاني بالمعنى، ان سعوداً دخل مكة في الرابع من محرم سنة 1218ه/1803م.
والصحيح ان دخول سعود مكة كان في الثامن من المحرَّم, كما نص على ذلك الشيخ عبدالله بن محمد عبدالوهاب، الذي كان مع سعود عند دخول تلك المدينة، وكما نص عليه المؤرخ الحجازي، احمد بن زيني دحلان, بل ان هذا هو ما نص عليه الشيخ عبدالعزيز نفسه في الكتاب المتحدث عنه، هنا، في صفحة 48.
وقال الشيخ عبدالعزيز ص ص 46 47 لاحد ضيوفه، تعليقاً على مشاهدته الدرعية المهدّمة، وتبياناً لسبب تهديمها:
ان السلطان العثماني اوحشته رسالة سعود اليه اي الرسالة التي ذكرها الريحاني ، وانه بعدها نشطت الدعاية المضادة للدرعية تنشر الاكاذيب والافتراءات,, وان ستامبول وحاشيتها اخذت تعطي رسالة الدرعية تفسيرات ظالمة, فبدأت في توجيه رجالها ومسؤوليها في الوطن العربي والاسلامي ضد الدرعية .
ثم قال:
ان توسع سعود في الجزيرة العربية، ووقوفه عند ابواب الشام وفلسطين ازعج ستامبول، فاسندت الى محمد علي في عام 1229ه/1813م امر محاربة هذه الدعوة,, فتتابعت الحملات، وآخر من هزم هزيمة نكراء طوسون بن محمد علي,, الخ.
ليت الشيخ عبدالعزيز رجع الى المصادر الموثوقة او الدراسات التاريخية الجادة قبل ان يكتب الكلام السابق, ذلك ان كلامةه، هنا، اذا قرأه غير ملم بتاريخ هذه البلاد، وبخاصة ان كتابه له مكانة عالية، سيتكون عنده فهم خاطىء عن مسيرة تاريخ ذلك العهد، فيظن ان قادة الدولة العثمانية لم يعادوا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية التي ناصرت دعوته الا بعد دخول سعود الحجاز، وتوسعه في جزيرة العرب، ووقوفه عند ابواب الشام وفلسطين، وسيظن ذلك القارىء ان الدولة العثمانية هي التي روَّجت الاكاذيب والافتراءات ضد الدولة السعودية بعد دخول سعود مكة وبعثه الرسالة المذكورة الى السلطان العثماني, فما الذي حدث حقيقة؟
من الثابت تاريخياً ان المعارضين من العلماء النجديين لدعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب هم الذين بدءوا بمحاربتها ونشر الادعاءات المضللة ضدها، وانهم لم يكتفوا بحربها اعلامياً داخل نجد، بل راسلوا العلماء في الاحساء والعراق والحجاز يحثونهم على معاداة تلك الدعوة, وكان من نتائج ذلك ان كتبت ردود ضدها في تلك الاقطار, وكان من نتائج ذلك، ايضاً، ان قاضي الشرع في مكة اصدر فتوى بتكفير الشيخ محمد، ومن ثم منع أنصاره من اداء الحج من سنة 1162ه الى سنة 1213ه باستثناء عامي 1183 ه و1197ه لظروف لا داعي للحديث عنها هنا.
ومن الواضح ان الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان في بداية دعوته يرى ان مجالها الحيوي هو منطقة نجد، التي كانت مفككة سياسياً وبعيدة عن متناول السلطة العثمانية جغرافياً وغير مهمّة بالنسبة لها, ولذلك قال لابن معمّر: ان انت قمت بنصر لا إله إلا الله ملكت نجداً واعرابها ، اي حكمت حاضرتها وباديتها, وما حدث للدولة السعودية، التي ناصرت دعوته، من توسع في اقطار خارج نجد انما اتى رد فعل للغزوات التي شنّت عليها من تلك الاقطار, وكانت القيادة السعودية قبل بدء العثمانيين بغزو اراضيها تتفادى إثارتهم, ولعلَّ مما يوضِّح ذلك ما ورد في رسالة سعود الى علي باشا الذي قاد جيشاً من العراق ضد آل سعود، وحاصر حامياتهم في الأحساء، سنة 1213ه.
كان زعماء بني خالد، حكام الأحساء والقطيف قد اتخذوا موقفاً معادياً لدعوة الشيخ محمد اتضح في إجبارهم عثمان بن معمّر على التخلّي عنه، ثم في مناصرتهم للمعارضة النجدية للدولة السعودية، ثم في شن حملات عسكرية ضد هذه الدولة، ابتداء من عام 1172ه،,ولما وحّد آل سعود نجداً مع نهاية القرن الثاني عشر الهجري بعد اربعين سنة من الكفاح المستمر بدءوا بردهم على غزوات بني خالد المتكررة، وبخاصة ان منطقة الاحساء حينذاك لم تكن خاضعة للدولة العثمانية, قال سعود في رسالته الى علي باشا، الذي كان من بين مطالبه انسحاب آل سعود من الاحساء:
جاءنا كتابكم وفهمنا معناه, فأما الحسا فهي قرية خارجة عن حكم الروم اي العثمانيين .
وبذلك يتضح ان القيادة السعودية كانت لا تريد الدخول في نزاع مع العثمانيين, وكان اشراف مكة التابعين للدولة العثمانية رسمياً قد اتخذوا موقفاً عدائياً للشيخ محمد والدولة السعودية التي ناصرته من بداية تلك الدعوة وقيام هذه الدولة, وكان ما كان من تكفير للشيخ ومنع لأنصاره من اداء الحج، كما سبق ان ذكر, ومن الواضح ان اولئك الاشراف لم يتدخلوا عسكرياً ضد الدولة السعودية الاولى في بداية الامر ظناً منهم ان الموقف العدائي المعنوي المتمثل في منع اتباعها من الحج كاف حينذاك لاضعاف دولتهم، وان المعارضة النجدية قادرة على كبح جماحها, فان لم تستطع ذلك فان زعامة بني خالد في الاحساء ستقوم بهذا الامر, لكن لما رأوا ان آل سعود قد اكتسحوا المعارضة المحلية النجدية ووحّدوا نجداً, وانهم اوشكوا على توحيد منطقة الاحساء مع نجد سنة 1204ه، ادركوا انه لابد من التحرك عسكرياً ضد الدولة السعودية النشطة, وفي عام 1205ه بدأت غزوات الشريف غالب لنجد, وبهذا يتضح ان العثمانيين من خلال حكامهم في الحجاز كانوا هم الذين بدءوا العداوة, ضد الدولة السعودية الاولى، معنوياً، ثم عسكرياً، وان تلك العداوة بدأت معنوياً من سنة 1162ه، اي قبل دخول سعود مكة بست وخمسين سنة، وبدأت عسكرياً من سنة 1205ه، اي قبل هذا الدخول بثلاثة عشر عاما.
على ان انتصار السعوديين على جيش الشريف غالب في معركة الجمّانية، عام 1210ه/1795م، نقلهم من موقع الدفاع الى موقع الهجوم, وادراكاً من قادة العثمانيين لهذا التحول، وخوفهم من ان تتجه القوات السعودية الى منطقة الحجاز المهمّة جداً لهم، تدخلوا عسكرياً ضد الدولة السعودية، وذلك بتجهيز حملة من العراق بقيادة زعيم المنتفق، ثويني بن عبدالله، لكن ذلك الزعيم قتل وهو في طريقه الى دخول معركة مع السعوديين في مستهل عام 1212ه, ثم ارسل العثمانيون حملة اخرى من العراق، سنة 1213ه، بقيادة علي كيخيا، مساعد والي بغداد, فوصلت الى الاحساء، غير ان صمود الحاميات السعودية هناك، اضافة الى توجه سعود نحوه بقوات كبيرة من نجد، جعل قائد تلك الحملة يعود الى العراق دون تحقيق اي انتصار.
واذا كان العثمانيون قد بدءوا بحرب الدولة السعودية الاولى قبل دخول منطقة الحجاز تحت حكمها خوفاً من حدوث هذا الدخول فان حدوثه فعلاً زاد من تصميمهم على محاربة تلك الدولة, ولفشل جهودهم السابقة عن طريق العراق كلّفوا محمد علي باشا، واليهم على مصر، بمحاربته, فقام بما كلّف به.
وكان اسناد قادة العثمانيين مهمة محاربة الدولة السعودية الاولى الى محمد علي قد حدث عام 1222ه، لا عام 1229ه كما ورد في كتاب الشيخ عبدالعزيز, اما وصول قوات محمد علي الى الحجاز ابنه طوسون محاربة للسعوديين فكان عام 1226ه, وكانت اول مجابهة عسكرية كبيرة بين قوات طوسون والقوت السعودية، بقيادة عبدالله بن سعود، هي معركة وادي الصفراء بين ينبع والمدينة المنورة، وذلك في اواخر عام 1226ه, وقد هزم فيها طوسون ومن معه هزيمة ساحقة.
ولقد اشار الشيخ عبدالعزيز ص 48 الى ما حدث من قتال بين طوسون ومن معه وبين اتباع الدولة السعودية في تربة، قال: ان ذلك حدث سنة 1229ه ثم قال نقلاً عن الجبرتي ان احد رجال طوسون الذين عادوا الى مصر بعد هزيمتهم علل تلك الهزيمة بقوله:
أين لنا النصر واكثر عساكرنا على غير الملّة، وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا؟ وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في معسكرنا اذان، ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم شعائر الدين، والوهابيون اذا دخل الوقت اذن المؤذنون وانتظموا صفوفاً خلف إمام واحد بخشوع وخضوع الخ.
ونقل الشيخ عبدالعزيز عن الجبرتي نقلاً صحيحاً, لكن ذلك الكلام لم يقل بعد معارك تربة سنة 1229ه، وانما ذكر الجبرتي بأنه قيل بعد رجوع المنهزمين في معركة وادي الصفراء التي حدثت اواخر عام 1226ه، كما سبق ان ذكر.
واشار الشيخ عبدالعزيز ص ص 49 50 الى دخول سعود مكة وما عمله بعد دخوله اياها، وذكر في الهامش الثامن انه اعتمد في ذلك على الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.
وما اورده الوردي في كتابه منقولا حرفياً من كتاب السيد احمد بن زيني دحلان، خلاصة الكلام، الذي هو تاريخ لمكة, فاذا كان لابد من ايراد ما اورد في كتاب الشيخ فالاحالة الى تاريخ مكة المتقدم افضل من الاحالة الى لكتاب عن العراق اساساً لكاتب متأخر.
على ان السيد دحلان غفر الله له كان له موقف سلبي من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومناصريها, وما ورد في كتابه الدرر السنية، الذي هو رد على الشيخ محمد، وكتابه خلاصة الكلام، الذي اشتمل على عبارات جارحة عن انصار دعوته، اكبر دليل على ذلك, وحديثه عن سعود في كثير من المواضع يحتاج الى تأمل وتدقيق.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved