Monday 14th February, 2000 G No. 10000الطبعة الاولى الأثنين 8 ,ذو القعدة 1420 العدد 10000



وجهة نظر
الاقتصاد في الثقة والثقة في الاقتصاد
د, محمد يحيى اليماني *

لا يناقش الاقتصاديون كثيراً قضية الثقة وأهميتها في العالم الاقتصادي المعاصر ودورها في تسهيل اتمام المبادلات والمعاملات الاقتصادية والمالية وسرعة اجرائها وكذا أثرها في خفض التكاليف وزيادة الانتاجية على الرغم من الآثار الواضحة لوجودها ولعدمها, والمقصود بالثقة هنا الثقة بين اطراف التعاقد بأن كلا منهما سيفي بما التزم به طبقا لما اتفق عليه, فالمؤسسة المالية المصدرة لبطاقة الائتمان تتوقع من المستفيد ان يسدد في موعد الاستحقاق المبلغ المستحق وربما لا يوجد لديها من الضمانات إلا ثقتها في أن هذا العميل سيفي ببنود العقد الصريح, والشخص يتعاقد مع مؤسسة لتنفيذ عمل ما ومهما كانت دقة بنود العقد ووضوحها إلا انه لا يمكن اغفال عامل الثقة الذي يجعل الشخص يغلب الظن بأن المؤسسة المنفذة ستلتزم بما اتفق عليه وربما كانت الثقة هي أحد المعايير الرئيسة المستخدمة فيما بين المنفذين, ولا نبالغ إذا قلنا ان اقتصادات الدول المتقدمة مبنية بشكل كبير على وجود عنصر الثقة بين اطراف التعاقد وإلا لو ضعفت ثقة الناس في النظام المصرفي او في قدرة النقود على القيام بوظائفها او ضعفت ثقة المؤسسات المالية في حملة البطاقات الائتمانية وفي استعدادهم للوفاء بما عليهم من التزامات او في المقترضين فإن مصير الاقتصاد إلى الانهيار, ولا يقتصر وجود الثقة على الحالات التي يوجد فيها عقد صريح بل إنها اصبحت تقوم مقامه في الحالات والمبادلات التي لا يوجد فيها عقد صريح وأصبحت في حكم العقد الضمني او غير الصريح الذي يسند العقد الصريح المكتوب بين الاطراف المتعاقدة عند وجوده, والثقة لا توجد من فراغ بل هي تحتاج إلى بناء وإلى رادع يمنع اساءة استخدامها أو استخدامها بطريقة تضر بالاخرين، فهي بحاجة إلى نظام فعال ومؤثر يردع من يسيء استغلال الثقة المعطاة له, لان اساءة استخدامها يضر بمصالح الآخرين بشكل مباشر او غير مباشر، فمن يسيء استخدام اسلوب الشراء عن طريق التقسيط مثلا يسيء إلى المؤسسة التي اشترى منها ويكبدها خسائر وتكاليف اضافية تتحول مباشرة إلى زيادة في تكاليف الشراء عن طريق التقسيط للمشترين الجدد وتشدد في اتاحة هذه الخدمة, وتسببت اساءة استخدام الثقة في جعل الشيكات العادية غير مقبولة إلا في نطاق ضيق على الرغم مما توفره من سهولة ويسر في إتمام المبادلات وانخفاض في التكاليف فأصبحت المحلات التجارية تفضل السداد عن طريق بطاقات الائتمان او الدفع على الرغم من تكلفتها العالية مقارنة بالشيكات العادية نظرا لانعدام الثقة فيها.
ويرتكز بناء الثقة على قاعدة معروفة مؤداها معاقبة المسيء ومكافأة المحسن بالاضافة إلى تعويد الافراد والمؤسسات على احترام الثقة وجعل اساءة استخدامها شكلا من اشكال عدم احترام الذوق العام والاستهتار بحقوق الآخرين, وللتعود على احترام الثقة ابعاد أخرى كالصدق في المعاملة وعدم الكذب تحت اي ظرف من الظروف واحترام النظام واحترام المواعيد وعدم اخلافها, وهذه اخلاقيات موجودة لدى المجتمعات المتقدمة والتي تعطي للثقة قدرا عاليا من الاهمية في حين يتساهل بها المسلمون وهم الاولى والاجدر بها.
إن بناء اقتصاد قوي متماسك لا يرتكز فقط على الماديات بل يحتاج إلى مجموعة من الضوابط والانظمة والاخلاقيات التي تساعد اداء الوحدات الاقتصادية على القيام بمهماتها بيسر وسهولة وبأقل تكلفة ممكنة, ومع التطور الاقتصادي وتنوع السلع والخدمات وازدياد الوعي لدى افراد المجتمع يصبح الاهتمام بهذه الامور مطلبا ملحا وضروريا بعد ان كان ينظر لها على انها أمور ثانوية.
قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved