Thursday 17th February,2000 G No.10003الطبعة الاولى الخميس 11 ,ذو القعدة 1420 العدد 10003



موقع السرد في رحلة الغذامي الفكرية
كتاب المرأة واللغة نموذجاً
د, حسن النعمي

عندما كنت طالباً بقسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز كان الدكتور عبدالله الغذامي استاذاً ورئيسا للقسم, وحينها شرفت بدراسة مادة النصوص الأدبية على يد د, الغذامي, لقد كانت هذه المادة من أهم المواد الدراسية في تلك المرحلة, وقد قرر الدكتور عبدالله لتلك المادة مذكرة تحوي نصوصا شعرية وهي الأكثر، واخرى نثرية ليس من بينها أي نص سردي حسب ما أذكره الآن, واستطيع الآن ان أتساءل ما لم يكن مجال سؤال في ذلك الحين, لماذا كانت النصوص الشعرية أكثر من النصوص النثرية؟ ولماذا لم يكن للسرد أي حضور في خطاب د, الغذامي حينذاك؟ لقد كان اهتمام الدكتور عبدالله في ذلك الوقت منصبا على النص الشعري فالخطاب المسيطر في تلك المرحلة من حياة د, الغذامي كان خطاب النقدي الشعري الذي بلغ ذروته في كتابه الشهير الخطيئة والتكفير, وإذا كنا الآن نرى ان رحلة الدكتور الغذامي مرت بمراحل عديدة بدأت بالنقد البنيوي وانتهت بما روج له مؤخرا، أي النقد الثقافي، فماذا عن السرد، معالجة او استقراءً في هذه الرحلة؟ وإذا كان السرد حاضرا فعلى اي مستوى؟ هل هو خطاب في النقد؟ ام خطاب ثانوي يستعين به في قراءة مدلولات معينة؟, فيما يلي نلقي الضوء بقدر ما يسمح به المقام هنا على موقع السرد في رحلة د, الغذامي الفكرية.
يمكن بدءا ان ننطلق من هذه الفرضية المبكرة لنقول ان رحلة الدكتور الغذامي الفكرية بدأت بالشعر وهي الآن تمر بالسرد, أذكر ان أول قراءة مباشرة لنص سردي قام بها د, الغذامي كانت موجهة لرواية العصفورية للدكتور غازي القصيبي, حينها بدأت اتتبع هذا النمط الجديد في كتابات د, الغذامي، وفي فترة قريبة من تلك كان د, الغذامي يجرب نمطا جديدا من التعبير تمثل في حكاية من السحارة، وهي زاوية في جريدة الرياض, لكن هذه الزاوية كرست نفسها للتعبير بالسرد حينا، ولاستقراء ظاهرة السرد في أحيان أخرى, وإذا كنت هنا غير مهتم بالتعبير بالسرد رغم انه يكشف تحولا ما في نظرة الدكتور الغذامي تجاه السرد عموما، فانني بالأحرى مهتم بالنظر لاستخدام السرد كنمط معرفي, لا شك انه تطور مهم في مسيرة الدكتور الغذامي، وربما يجيب على سؤال حضور الشعر ذاته في نظر د, الغذامي من ناحية ومقولة انحساره امام السرد الحديث من ناحية ثانية, وأحسب ان الدكتور الغذامي قد اعطى السرد القديم سواء في حديثه عن أكاذيب الأعراب او غيرها من الأنماط السردية أهمية تنبع من رؤية تفيد ان الزخم السردي الحديث له جذوره التي غفل عنها نقاد الشعر ردحا طويلا من الزمن.
ولكي نحدد محور الحديث عن حضور خطاب السرد في رحلة د, الغذامي الفكرية، فانني سأحصر حديثي عن خطابات السرد في كتاب (المرأة واللغة), إن قراءة د, الغذامي للسرد تأتي من خلال قراءته للفكر الاجتماعي وما ينطوي عليه من ظواهر انسانية, ولعل كتاب (المرأة واللغة) خير شاهد على ما نذهب اليه هنا, فالكتاب عن حضور المرأة الثقافي, وهنا يجد د, الغذامي خصوبة خاصة في السرد يكشف من خلاله تجليات الموقف الثقافي الذي يشكل فعل المرأة عبر حركة واقعية او متخيلة, فالدكتور الغذامي لا يهتم بتقنيات السرد بالمعنى النقدي، بل إن قراءته للسرد قراءة مضمونية، يطوعها لقراءة أكبر, فهو يستثمر خطاب السرد مثلما يستثمر الخطابات الأخرى لخدمة غرضه الرئيس وهو الخطاب الثقافي وموقع المرأة في هذا الخطاب.
لقد استدعى الدكتور الغذامي خطابين من خطابات السرد, الخطاب الأول كان خطابا واقعيا او اجتماعيا والخطاب الثاني قصصيا او خياليا, ففي الخطاب الأول استلهم د, الغذامي قصة (المرأة المكية مع القيس) ورغم انها حادثة لها سياقها التاريخي والاجتماعي فإنها تحضر في كتاب المرأة واللغة كنص له صياغة سردية متجاوزة حقيقة حضورها التاريخي الى نص استطاعت من خلاله المرأة ان تسجل حضورها الاجتماعي الخيالي, ان من يقرأ حكاية المرأة مع (القيس) وتلبس المرأة بذكورة الرجل سيستدعي صراحة الجانب الخيالي كشرط للتماهي مع هذا الخطاب الواقعي, فرغم واقعية الحادثة فإن تكوينها يظل سرديا، وهو الأمر الذي منح د, الغذامي قدرة على توظيفها مستغلا هذا التبيان بين خطاب السرد وخطاب الواقع, فإذا كان الواقع يجهض، فإن السرد يحيى الأمل في حضور قوي للمرأة من شأنه ان يكون مقبولا اجتماعيا, ان سرد هذه الحادثة وتحويلها من الواقعي الى فضاء أقرب للقصص يمنحها قبولا في الفضاء الاجتماعي, فقراءتها على نحو سردي وليس تاريخي اجتماعي يتيح للرجل المعاصر ان يخلص الى انها حكاية تمت ومضت، فهي بالتالي شأن سردي يمكن ان يروى فحسب, ان حضورها في الكتاب بهذه الصياغة تشير الى رغبة د, الغذامي في إيجاد عمق تراكمي، واقعي او متخيل، في ذهن الرجل من أجل إحلال صورة جديدة غير التي سادت عن وضعية المرأة العربية.
اما المستوى الثاني، أي خطاب السرد المتخيل فيكمن في توظيف السرد القديم كما جاء في أدبيات السرد العربي, ففي الفصل الثالث من كتاب (المرأة واللغة) يورد حكاية الجارية تودد من كتاب ألف ليلة وليلة, وحكاية (تودد) نص سردي له مذاق الوقائع التاريخية, فأبطاله تاريخيون, فهناك بلاط الخلافة, وهناك السلطة ممثلة في هارون الرشيد تحضر كشاهد على قدرة المرأة, وهناك اخيرا علماء العصر ورموز الثقافة, يحضرون كلهم من أجل منازلة جارية ضعيفة, بمعنى آخر العالم ضد المرأة, لكن المرأة تنتصر بمكوناتها الاسطورية غير الواقعية, تهزم السلطة التي راهنت على فشلها وتهزم الذين احتقروا عقلها, وجد د, الغذامي في السرد القديم النص الذي يقدم الدليل العملي على قدرة المرأة على الحضور الفاعل, لكن الأهم من ذلك هو ما تنطوي عليه هذه الحكاية, فهذه المرأة بحثت عن الفرصة وعرضت نفسها للخطر من أجل ان تثبت قدرتها, فقبلت ان تتحدى جهابذة العصر, وهكذا ينبثق خطاب الغذامي من خطاب الحكاية السردية ليؤكد على قدرة المرأة اذا ما اعطيت حقها المسلوب، إذا ما اعيد لها فضاء الثقة.
الخطاب الأول واقعي والآخر سردي, نموذجان لخطاب واحد يعبر في النهاية عن قدرة المرأة على صياغة فعلها بنفسها, لقد استطاع د, الغذامي ان يوظف السرد، استقراء ومعالجة، عن وعي بدور السرد في تمثيل الواقع، ليس على نحو آلي، بل على نحو يعري الذات ويستجلي حقيقتها, ورغم فنتازية الخطاب السردي فإنه من أصدق الخطابات, فهل نعيد اكتشافه وتوظيفه في قراءة تحولاتنا الثقافية والاجتماعية مثلما فعل د, الغذامي؟.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved