Thursday 17th February,2000 G No.10003الطبعة الاولى الخميس 11 ,ذو القعدة 1420 العدد 10003



ظواهر في مشروع الغذامي
د. عثمان الصيني

بعيداً عن احتفالية الجائزة ومناسبتها، وحديث المجاملات والتكريم الذي يطغى على أجواء الجوائز وما تتطلبه من عبارات هي أقرب إلى عين المحب منها الى صوت العقل، فالحديث انما ينصب بالدرجة الأولى على مشروع الغذامي الثقافي والنقدي الذي ظهر لأول مرة بصورة جادة في كتابه (الخطيئة والتكفير) وما صاحبه من جدل عنيف ونقاش جاد في الملتقيات الأدبية وعلى صفحات الصحف وتوجت تلك المرحلة بأمرين أولهما الانتشار الكبير المقروء للكتاب لدى جمهور المثقفين ولا سيما في جزئه النظري، والأمر الآخر جائزة مكتب التربية لدول الخليج العربية، ثم بدأ الغذامي مرحلة ثانية تجلت في طروحاته التطبيقية للعديد من القضايا النقدية والثقافية مثل تكاذيب الأعراب ورحلة إلى جمورية النظرية وطرحها في محاضرات وندوات على امتداد المملكة والعالم العربي عدا المقالات المنشورة في الصحف، ثم بدأ مرحلته الثالثة عندما طرح النقد الثقافي ومهّد لذلك بإعلان موت النقد، وهي في رأيي خطوة ذكية من الدكتور الغذامي حين لفت النظر الى مشروعه بنقلة من موت اراده إلى حياة يريدها، وكل الجدل والصخب الذي صاحب اعلان موت النقد كان في مصلحة النقد الثقافي، فمحاضرة البلوت في نادي جدة اثارت نقاشاً في تلك الأمسية وما تلاها في الصحف والمجلات خرج من سرادق الحداد الذي نصبه الغذامي الى المشروع الذي قدمه بهذه الصورة، وتوجت هذه المرحلة أيضاً بجائزة العويس.
وفي رأيي أن مشوار الغذامي الطويل الذي بدأ في جدة إذا اغفلنا ما قبل هذه المرحلة مع أهميتها في مشواره وأعني بها المرحلة الشعرية والنقدية الأولى وظهرت في قصائده التي انصرف عنها ومحاضراته التي قدمها ومنها محاضرة الطائف عام 1400ه، في جمعية الثقافة والفنون ومعركته مع الدكتور الفوزان آنذاك، هذا المشوار الطويل طغت عليه ليس من جهة ما قدمه وإنما من جهة ما تلقوه به ظاهرتان: الأولى ما تأسس على كتاباته وطروحاته المنبرية من حركة ثقافية ونقدية صاخبة ومثيرة للجدل، ولو كانت هنالك ببليوجرافيا لكل ماكتب لوجدنا ان ماكتب ضد شخص الغذامي ومشروعه أكثر مما كتب موافقا له، وكلاهما كثير، وجميع هذه الكتابات والطروحات المنبرية شديدة الصخب كثيرة الجدل، يعلو صوتها أحياناً، ويهدأ آونة أخرى، وفي الحالين تصل إلى جمهور القراء والمهتمين فينصرف الناس وقد أثارت اسئلته أسئلة أخرى لديهم وحفزتهم بعد ذلك الى مزيد من النقاش والقراءة وإلى زيادة الشعور بالرضا أو السخط مع تسليم بقدرة الرجل على الحوار وتمكنه مما يقدم وثقته بما يطرح.
الظاهرة الثانية التي صاحبت طروحات الغذامي هي حقه في طرح مشروعه وظهرت أول ما ظهرت بعد كتابه الخطيئة والتكفير حين بادر عدد من المثقفين والمتابعين الى القول بأن التشريحية والتفكيكية والبنيوية سوّقها الغذامي بعد أن خبا بريقها في موطنها وتجاوزوها إلى مشروعات ونظريات أخرى، وتكرر هذا القول مرة أخرى في النقد الثقافي بأنه نقد معروف في الغرب وهو لم يقدم جديداً ولم يكن ابن بجدتها وفارس عذرتها، وهذا الكلام صحيح في منطلقه ولكنه لا يغض من مشروع الغذامي، فلم أقرأ انه ذكر أن مشروعه ابتدعه على غير مثال سابق أو انه نصب من نفسه مورّداً لأحدث النظريات أو آخر صرعة في عالم النقد والادب، والذي يهم فيما أرى أن الغذامي يكتسب قيمته فيما يطرحه وبالأسلوب الذي يقدمه به والطريقة التي ينتهجها في اعادة كتابة النظرية ثم في تطبيقاته العربية عليها، ولأن الرجل منظم ويسير ضمن مشروع متكامل وواضح في ذهنه تأتي هذه الأعمال وهذه الكتب ضمن سياق عام يقدمه بأناة وصبر وجلد ولعله بذلك يقدم ايضاً نموذجاً لما يكون عليه الباحث والمثقف حين لا تكون كتاباتهم عفو اللحظة وصيد الخاطر.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved